مقالات مختارة

أزمة الطاقة تعصف بالعلاقات الأمريكية ـ السعودية

سعيد الشهابي
1300x600
1300x600

الأزمة الأوكرانية المحتدمة منذ أكثر من ستة أشهر، لم تعقِّد العلاقات بين روسيا والغرب فحسب، بل وصلت آثارها إلى العلاقات الأمريكية مع بعض حلفائها، خصوصا بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وساهمت في أزمة ارتفاع الأسعار العالمية نتيجة صعود أسعار النفط والغاز.

 

وبالإضافة لذلك، فقد ضاعفت أهمية منظمة أوبك التي كان هناك من يتوقع عكس ذلك. فبالإضافة لأعضائها الثلاثة عشر، توسع نفوذ الكارتيل النفطي منذ العام 2019 عندما بدأت عشر دول نفطية أخرى، من بينها روسيا، تنسق السياسات الإنتاجية مع المنظمة الأم، وبدأت الدول النفطية تعمل تحت مسمى «أوبك+».


والسؤال يدور عن مدى استعداد الأطراف المذكورة للقطيعة بعضها مع بعض، أو على الأقل السماح للأزمة بالتأثير الكبير على استقرار العالم وأمنه. فما أكثر الذين يرجحون توسع دائرة الحرب لتصل إلى أوروبا، خصوصا بعد ما أثير عن استعداد روسيا لاستخدام السلاح النووي ولو في المجال العملياتي المحدود. أيا كان الأمر، فالأمر يبعث على القلق العميق، خصوصا في غياب دور ملموس للأمم المتحدة والتجمعات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي في طرح مبادرات لاحتواء الأزمة.


في هذه الظروف، بدا أن بعض حكام الخليج يسعى للقيام بمبادرات محدودة، مستفيدا من حالة الفراغ المشار إليها. وهنا يبدو التقارب السعودي ـ الروسي مدخلا للتفسيرات والتحليلات، وافتراض حدوث تغيير جوهري في العلاقات بين أمريكا ودول مجلس التعاون، خصوصا السعودية.

 

ودفع لذلك الاعتقاد أمور عديدة، من بينها: أولا: رفض ولي العهد السعودي رفع معدلات إنتاج النفط كما تريد أمريكا، وثانيا: توسطه لدى روسيا للإفراج عن بعض أسرى الحرب. ففي الشهر الماضي أطلقت روسيا بوساطة من الرياض عشرة أسرى من مواطني المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا والسويد، وكرواتيا، وقامت السعودية بتسليمهم إلى بلدانهم. ثالثا: الدعوات التي يطلقها بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي لوقف صفقات السلاح مع السعودية، وتلميح الرئيس الأمريكي، جو بايدن للقيام بإجراءات ضد الرياض، في إثر قرار أوبك+ الأخير خفض إنتاج النفط.


في 6 تشرين الأول/أكتوبر قرر المشاركون في اجتماع أوبك+ خفض الإنتاج بمعدل 2 بالمائة من الاستهلاك العالمي، أو ما يعادل مليوني برميل يوميا. هذا القرار كان صفعة للدبلوماسية الأمريكية التي انتهجها الرئيس بايدن، عندما زار السعودية في شهر تموز/يوليو الماضي، لحثها على زيادة إنتاجها من النفط. بينما اعتبره وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، «قرارا اقتصاديا بحتا، وليس له دوافع سياسية».

 

لكن الجانب الأمريكي قرأه بشكل آخر، وألمح لإجراءات يستبعد (برغم ما يحيطها من ضجيج إعلامي) أن تجد طريقها للتنفيذ. فقد قالت كارين جان بيير في الملخص الإعلامي اليومي للبيت الأبيض: «نحن في حاجة إلى نوع من إعادة التقييم، وأن تكون لدينا علاقة مختلفة مع المملكة العربية السعودية، خاصة بعد القرار الذي اتخذته أوبك +».

 

وسبقها إلى ذلك الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، في حديث لقناة «سي إن إن» الأمريكية، أن الرئيس بايدن «كان واضحا للغاية في أنه يتعين علينا الاستمرار في إعادة تقييم هذه العلاقة، وعلينا أن نكون مستعدين لإعادة النظر فيها». ودخل أعضاء الكونغرس على الخط معبّرين عن غضبهم إزاء القرار. وهدد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ قبل أسبوع بمنع أية مبيعات أسلحة للسعودية في المستقبل.

 

صحيح أن جو بايدن لديه مواقف مختلفة عمن سلفه حول المملكة العربية السعودية، عبّر عنها خلال حملته الانتخابية واصفا المملكة بأنها «دولة منبوذة»، ولكن العلاقات بين الطرفين قديمة، تعود إلى أكثر من ثلاثة أرباع القرن، ولا يستطيع بايدن وحده تغييرها. وعلى هذا تراهن الرياض عندما تتخذ مواقف لا ترضي الإدارة الحالية، فذلك تعبير عن سخطها إزاء شخص بايدن، وليس استهدافا لأمريكا. تعلم الرياض أن الرئيس الحالي قد لا يعود للبيت الأبيض في الانتخابات المقبلة، ومن ثم لن تجد سياسته مجالا للتطبيق في المستقبل المنظور.


صحيح أن قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية ستطرح كمبرر لأي تفكير في المماحكات السياسية بين واشنطن والرياض، ولكن من قال إن أمريكا ستخضع مصالحها لهذين الاعتبارين؟ ومتى كانت الولايات المتحدة حاملة لواءهما بشكل جاد؟ وهناك من يرى بأن هذه المماحكات إنما تهدف لعكس ظاهرها، وأن الطرفين يستخدمان أسلحتهما لتمتين العلاقة وليس إضعافها.

 

فالنفط لم يعد العامل القوي الوحيد لتأطير العلاقات بينهما، بل إن هناك السياسات الإقليمية والعلاقات مع إيران، وربما الأهم من ذلك، في نظر الإدارة الأمريكية، مسألة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. فدوافع واشنطن للضغط على الرياض تختلف عن الوقائع، لذلك ليس متوقعا حدوث تغيرات تذكر في علاقات الطرفين في المستقبل المنظور. ويكاد يتفق أغلب المحللين على عدم رغبة الطرفين في التباعد، كما يتفقون على حتمية حدوث مطبّات مزعجة في المسار المضطرب لتلك العلاقات، ولكن المسار السياسي أصبح كالطائرة التي تمر باضطرابات جوية، ولكنها لا تستسلم لها ولا تسقط بسببها.


لا شك أن الطاقة ستظل العنوان الأوسع للعلاقات الدولية، خصوصا مع ارتفاع الطلب على النفط من جهة وتلكؤ جهود البحث عن بدائل منافسة تغطي حاجات العالم من الطاقة من جهة أخرى. فالطاقة المستمدة من الشمس والرياح والمواد المتجددة لا توفر سوى 40 في المائة من حاجات أمريكا. أما على المستوى العالمي، فلا تمثل الطاقة البديلة سوى 10 في المائة من احتياجات دول العالم.

 

ومنذ العام 2018 أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم، بما في ذلك النفط الخام وسوائل البترول الأخرى والوقود الحيوي، لكنها ما تزال بعيدة عن الاكتفاء الذاتي وتستورد كميات ضخمة من النفط، لأسباب من بينها ارتفاع تكلفة الإنتاج في أمريكا. فحقول النفط في الشرق الأوسط لديها أقل تكلفة إنتاج في العالم عند 31 دولارا للبرميل، بينما تصل تكلفة استخراج برميل النفط من المياه العميقة في أمريكا إلى 43 دولارا للبرميل، ويتفوق عليه شقيقه برميل النفط الصخري الذي يزيد ثمن استخراجه عن 44 دولارا؛ لذلك ما تزال أمريكا تعتمد على استيراد النفط من دول عديدة.

 

وقد استحوذت السعودية على 58٪ من واردات النفط لأمريكا، ولذلك يعتبرها الأمريكيون أكبر مصدر للنفط المستورد من الخارج، في حين يأتي 13٪ من العراق، و13٪ من كندا، و8٪ من فنزويلا. وكانت أمريكا تستورد نصف مليون برميل يوميا من روسيا قبل اندلاع أزمة أوكرانيا.


في ظل هذه الحقائق، فإلى أين تتجه العلاقات الأمريكية ـ السعودية؟ وهل النفط وحده هو أساس هذه العلاقة؟ لا شك أن النفط يمثل عاملا مهما في هذه العلاقات، خصوصا أن أمريكا تعتبر نفسها قائدة العالم الغربي وتسعى للحفاظ على مصادر الطاقة التي يستوردها الغربيون. ولكن الاعتبارات الأخرى لا تقل أهمية، وفي مقدمتها التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط.

 

ومنذ الثورة الإسلامية في إيران التي أسقطت نظام الشاه في العام 1979، اعتمدت أمريكا سياسة جديدة بديلة لسياسة «العمودين المتوازيين» التي دفعت واشنطن حتى نهاية السبعينيات لتسليح إيران والسعودية. وبرغم تراجع الأهمية الاستراتيجية لـ«إسرائيل»، إلا أنها بقيت تمثل عمق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ومع صعوبة التلاقي مع إيران، ووصول محاولات إعادة أمريكا لتوقيع الاتفاق النووي إلى طريق مغلق، عادت أمريكا مجددا لإعادة صياغة استراتيجيتها في الشرق الأوسط، ومرة أخرى تجددت أهمية «إسرائيل» للسياسة الأمريكية.

 

القدس العربي

0
التعليقات (0)