هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشؤون فلسطين سابقا، السفير محمد موسى صبيح، إن احتمالية نقل السفارة البريطانية في إسرائيل من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة ستكون له عواقب وخيمة، مُشدّدا على أن "تلك الخطوة خطيرة للغاية، ونحن نأخذها على محمل الجد".
وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "سمعة بريطانيا ستتضرر كثيرا حال الإقدام على نقل السفارة إلى القدس، لكننا نثق أن الشعب البريطاني لن يقبل بهذا التوجّه المنحاز للفوضى والتطرف والعنصرية".
وتابع صبيح، وهو مندوب فلسطين الدائم لدى جامعة الدول العربية سابقا، وعضو المجلس المركزي الفلسطيني: "تلك الخطوة، إن تمت، ستكون مُخالفة تماما للقانون الدولي، والأعراف الدولية، وقرارات الشرعية الدولية التي تنص على وجوب إنهاء الاحتلال، وبالتأكيد ستقوض جهود حل الدولتين وربما تؤجج الأوضاع في القدس وغيرها من المناطق الفلسطينية".
وشدّد على أنه في حال إقدام بريطانيا على نقل سفارتها للقدس "سيكون هناك موقف واضح من فلسطين والدول العربية والإسلامية، ودول عدم الانحياز، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية، وحتما ستواجه بريطانيا معارضة شديدة، وردود فعل واسعة، ومواقف ليست بسيطة أو هينة، ولن تمر تلك الخطوة مرور الكرام على الإطلاق".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى مساعي رئيسة وزراء بريطانيا، ليز تراس، لنقل السفارة البريطانية للقدس؟
نحن نؤكد أن المملكة المتحدة عضو أساسي ورئيسي في مجلس الأمن الدولي، وهي مسؤولة - بالإضافة إلى دول أخرى دائمة العضوية بمجلس الأمن- عن السلم والأمن الدوليين، وهم جميعا ملتزمون بميثاق الأمم المتحدة الذي جرى توقيعه في 26 حزيران/ يونيو 1945 في مقاطعة سان فرانسيسكو الأمريكية.
وهناك العديد من القرارات التي تمت الموافقة عليها داخل المنظومة الدولية، سواء داخل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة أو غيرها من الجهات الدولية، التي تدين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، وبالتالي فتجاوز أو تجاهل هذه القرارات الدولية، سواء من بريطانيا أو غيرها، يُعدّ استخفافا سافرا بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تنص على وجوب إنهاء الاحتلال، وستكون له عواقب وخيمة.
ولقد شاهدت تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية التي قالت فيها إنها "صهيونية كبيرة" و"داعمة كبيرة لإسرائيل"، ونحن نستنكر ونستغرب وندين بشدة هذا الموقف غير المتوازن وغير المسؤول على الإطلاق، لأنها بذلك تنحاز انحيازا كاملا ضد الشعب الفلسطيني وتقف مع الجرائم الإسرائيلية البشعة، والتي من بينها قتل الأطفال، ومصادرة الأراضي والممتلكات الفلسطينية على نطاق واسع، وعمليات القتل غير المشروع، والتهجير القسري، وغيرها من الانتهاكات التي يُدينها العالم أجمع.
وأنا أطالب رئيسة الوزراء البريطانية بضرورة الالتزام بالقانون الدولي والأعراف الدولية وقرارات الشرعية الدولية، وأن تعي وتدرك جيدا أبعاد ما سيترتب على خطوتها تلك، وأن تتحمل المسؤولية الكاملة عما سيحدث تجاه بلادها والمنطقة جراء هذا التصرف المرفوض جملة وتفصيلا؛ حيث سيؤدي ذلك بالتبعية إلى دعم المتطرفين، وزيادة الفوضى والاضطراب في منطقة الشرق الأوسط عامة، وفلسطين خاصة، حيث تُنتهك المقدسات الفلسطينية المسيحية والإسلامية بشكل شبه يومي، وهناك انتهاكات وحرب دائرة تشنّها قوات الاحتلال على مدار الساعة في أراضينا المحتلة.
وحقيقة، سمعة بريطانيا ستتضرر كثيرا حال الإقدام على نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، رغم أننا نثق أن الشعب البريطاني لن يقبل بهذا التوجّه المنحاز للفوضى والتطرف والعنصرية. ونُجدد تأكيدنا الواضح أن أيّة محاولات لإضفاء شرعية إسرائيلية على أراضينا المحتلة، وفي القلب منها القدس المحتلة، هي محاولات كانت وستظل "فاشلة".
وفي هذا الصدد نُذكر بأن القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بأغلبية ساحقة نهاية عام 2016 شدّد على أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن جميع أشكال الاستيطان غير شرعية في جميع الأراضي الفلسطينية.
إلى أي مدى تعتقد أن رئيسة وزراء بريطانيا جادة في خطوة نقل السفارة إلى القدس؟
هذه الخطوة خطيرة للغاية، ونحن نأخذها على محمل الجد، وهناك سوابق شاهدناها بأعيننا حينما أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تصريحات مماثلة بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس تنفيذا لأحد وعوده الانتخابية؛ فبعدما أطلق تلك التصريحات نفذها على أرض الواقع عام 2018، وتمت مواجهة موقفه سابقا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان ترامب قد تنكر حينها لكل التعهدات الأمريكية السابقة.
وبالتالي فمثل هذا التصرف يتكرر حاليا من قِبل رئيسة الوزراء البريطانية، ولا يمكننا الاستهانة بهذه التصريحات أو تجاهلها، وندعو الشعب البريطاني وجميع المؤسسات والأحزاب ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني البريطانية للرد عليها وعدم القبول بها، لا سميا وأن هناك مسؤوليات تاريخية للمملكة المتحدة تجاه فلسطين ينبغي احترامها.
اقرأ أيضا: الجامعة العربية ترفض نقل السفارة البريطانية إلى القدس
برأيكم، ما انعكاسات تداعيات هذه الخطوة إن حدثت بالفعل؟
نُشدّد على أن تلك الخطوة، إن تمت، ستكون مخالفة تماما للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تنص على وجوب إنهاء الاحتلال، وبالتأكيد ستقوض جهود حل الدولتين وربما تؤجج الأوضاع في القدس وغيرها من المناطق الفلسطينية. والطريق الوحيد لأمن واستقرار المنطقة يتمثل في إنهاء الاحتلال والإقرار بحقوق شعبنا الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود العام 1967. ونؤكد أن القدس هي درة العرب والمسلمين والعالم بما فيهم المسيحيون ولا يمكن أن تكون لليهود فقط، لأن العبادة مفتوحة للجميع في القدس.
وكيف تتصور ردود الفعل حينها؟
سيكون هناك موقف واضح من فلسطين والدول العربية والإسلامية، ودول عدم الانحياز، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية، وحتما ستواجه بريطانيا معارضة شديدة، وردود فعل واسعة، ومواقف ليست بسيطة أو هينة، ولن تمر تلك الخطوة مرور الكرام على الإطلاق؛ فلن يقبل أحد بممارسات الاحتلال وانتهاكات المقدسات.
ولذلك، ستكون هناك ردّة فعل كبيرة، ورفض كامل، خاصة أن الحكومات العربية من خلال جامعة الدول العربية، ودول عدم الانحياز، تبنوا قرارات مهمة جدا لدعم القدس ورفض الاحتلال والاستيطان. ونحن نُحذّر بشكل جلي من تنفيذ التصريحات التي أطلقتها رئيسة الوزراء البريطانية.
لكن هناك الكثير من الدول الخليجية والعربية لم تصدر أي مواقف حتى الآن اعتراضا على هذا التوجّه البريطاني؟
جامعة الدول العربية، التي تضم مُمثلين لكل الدول العربية، أصدرت بيانا واضحا، اليوم الخميس، وهذا يُعبّر عن موقف عربي جامع، لأن خطوة نقل السفارة البريطانية إلى القدس تتناقض تماما مع السياسات العربية ومخرجات القمم العربية المختلفة، وبالتالي فبيان الجامعة يُعدّ خطوة أولى ومُعبّرا عن الجميع، بالرغم من أن هناك دولا لم تصدر حتى الآن بيانات مستقلة في هذا الصدد، خاصة أن هناك مَن ينتظر ليرى إذا ما كانت بريطانيا ستمضي قدما في هذا الطريق الخطير أم لا.
هل من المحتمل أن تستخدم الدول العربية سلاح الاقتصاد في مواجهة بريطانيا حال أقدمت على نقل سفارتها للقدس، خاصة أن لندن تتفاوض مع دول الخليج لإبرام اتفاقية للتجارة الحرة؟
هذا وارد بالفعل على المستوى الشعبي ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن البعض قد تكون لديه حسابات ضيقة وربما لا يأخذ هذا التصرف على المستوى الرسمي.
ما مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التطورات الإقليمية والدولية؟
البوصلة دائما في تقييم هذا الموقف تتمثل في موقف الشعب الفلسطيني، وشعبنا منذ ما يقارب الـ 74 عاما ما زال صامدا ورافضا بقوة للاحتلال، ويطالب بضرورة إقرار حق تقرير المصير، وبالتالي تجد هناك مقاومة كاملة وقوية ضد الممارسات الاحتلالية الإسرائيلية، وقد عبّر عن ذلك الرئيس محمود عباس "أبو مازن" في خطابه الواضح تماما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي انعقدت خلال الشهر الماضي، وبالتالي فلم ولن تنكسر شوكة الشعب الفلسطيني الباسل، ولن يتراجع عن إقامة دولته المستقلة.
ونحن قدّمنا للسلام الكثير والكثير، لكننا لم نجد الطرف الآخر يقوم بأي شيء إيجابي وفعّال على الأرض من أجل إنجاح عملية السلام، بل وجدنا أحزابا متطرفة ومتغطرسة لا تريد حل الدولتين، وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي والأعراف الدولية، والعالم أجمع يشهد على ذلك.
وسيظل الشعب الفلسطيني صامدا من أجل نيل حقوقه المشروعة التي كفلتها القرارات الدولية. لذا لا خوف مطلقا على مستقبل القضية الفلسطينية، بل الخوف كل الخوف على التطرف والعنصرية، وكل الدول التي تزكي وتؤجج ذلك إلى زوال.