هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناولت وسائل الإعلام بعد تتويج تشارلز الثالث ملكا لبريطانيا، علاقته مع الإسلام، والتي تعود إلى سنوات طويلة تعلم فيها التاريخ الإسلامي، ودرس الإسلام بعمق، وتعلم بعض العربية لفهم القرآن.
وتحدث تشارلز
الثالث غير مرة عن التاريخ الإسلامي، واستشهد به في مواضيع عدة، بيئية، واقتصادية،
وغيرها.
وإعجاب ومعرفة تشارلز بالعقيدة
الإسلامية موثقان جيدًا، حتى وصل إلى أن يدعي مفتي قبرص في عام 1996 بأنه مسلم
سرًا.
وكان تشارلز
الثالث قد كشف ذات مرة أنه كان يتعلم اللغة العربية من أجل فهم القرآن بشكل أفضل؛
وهي حقيقة أشاد بها إمام مسجد كامبريدج المركزي.
وتاليا الجزء
الأول من خطاب لتشارلز حين كان أميرا لويلز في عام 1993، ألقاه في مركز أكسفورد
للدراسات الإسلامية، بعنوان "الإسلام والغرب":
أعتقد جازماً
بأن الروابط بين هذه العالمين باتت اليوم أهم بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى،
لأن درجة سوء الفهم ما بين العالمين الإسلامي والغربي مازالت مرتفعة جداً، وبشكل
خطير، ولأن حاجة الطرفين إلى العيش والعمل معاً في عالمنا الذي يزداد تشابكاً باتت
أكثر إلحاحاً من أي وقت سابق.
السيدات
والسادة
أشير علي
عندما بدأت في التفكير بموضوع المحاضرة بأن أقتدي بالمثل العربي الذي يقول
"في كل رأس حكمة". أعترف بأنني لا أملك من المؤهلات العلمية ما يبرر
حضوري ههنا، في هذه القاعة، حيث يتواجد كثير من الناس الذين يفوقونني علماً
ومساهمة في تقدم المعارف الإنسانية. لربما شعرت باستعداد أكبر لو كنت من خريجي
جامعتكم المرموقة بدلاً من كوني نتاجاً لتلك الكلية العلمية (يقصد كامبريدج) – مع
رجائي أن تتذكروا بأن كرسي اللغة العربية تأسس في جامعة كامبردج في القرن السابع
عشر، قبل أربع سنوات كاملة من تأسس كرسيكم الأول للغة العربية في أكسفورد.
على النقيض من
كثيرين منكم، لست خبيراً في الإسلام – رغم أنني سعيد، لأسباب أرجو أن تصبح جلية،
بأن أكون أحد رعاة مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية. فلدى المركز القدرة على أن
يصبح وسيلة هامة ومثيرة لنشر وتحسين الفهم في بريطانيا حول العالم الإسلامي. وأرجو
أن يكسب المركز موقعه إلى جانب مراكز الدراسات الإسلامية الأخرى في أكسفورد، مثل
المعهد الشرقي ومركز الشرق الأوسط، كمؤسسة تفخر بها الجامعة ويفخر بها العلماء في
كل مكان.
أخذاً
بالاعتبار كافة التحفظات التي لدي حول الخوض في مجال معقد ومثير للجدل، فقد
تتساءلون لماذا أتواجد ههنا في هذا المبنى الرائع أتحدث إليكم حول موضوع الإسلام
والغرب. والسبب، أيها السيدات والسادة، هو أنني أعتقد جازماً بأن الروابط بين هذه
العالمين باتت اليوم أهم بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى، لأن درجة سوء الفهم
ما بين العالمين الإسلامي والغربي مازالت مرتفعة جداً، وبشكل خطير، ولأن حاجة
الطرفين إلى العيش والعمل معاً في عالمنا الذي يزداد تشابكاً باتت أكثر إلحاحاً من
أي وقت سابق. وفي نفس الوقت، أدرك جيداً أن الألغام تنتشر على طول طريق الرحالة غير
الخبير الذي حزم أمره ومضى يستكشف هذا المسار الصعب. ولذا، لا مفر من أن يثير بعض
ما سأقوله اختلافاً ونقداً وسوء فهم، ولمعرفتي بحظي، ربما ما هو أسوأ من ذلك.
ولكن، ربما بعد أن ننتهي من كل قول وفعل، قد يكون من المناسب استذكار مثل عربي آخر
يقول: "ما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان، وما خرج من القلب فإنه يقر في
القلب."
والحقيقة التي
تبعث على الاكتئاب هي أنه على الرغم من التقدم الذي تحقق في عالم التكنولوجيا
ووسائل الاتصال خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ورغم السفر المكثف، والاختلاط
بين الأعراق، والانحسار المتنامي – أو هكذا نعتقد – لما في عالمنا من ألغاز، فإن
سوء الفهم بين الإسلام والغرب مازال قائماً، بل ولربما كان، بالفعل، في تزايد.
فيما يتعلق بالغرب، لا يمكن أن يكون ذلك بسبب الجهل. ففي العالم يوجد ما لا يقل عن
مليار مسلم، والملايين الكثيرة منهم تعيش في بلدان تنتمي إلى الكومونويلث، بينما
يعيش عشرة ملايين منهم في الغرب، وما يقرب من مليون هنا في بريطانيا، حيث ما لبث
مجتمعنا المسلم ينمو ويزدهر لعقود. يوجد في بريطانيا ما يقرب من 500 مسجد، وما من
شك في أن الاهتمام الشعبي بالثقافة الإسلامية في بريطانيا يتنامى بشكل سريع. ولعل
كثيرين منكم يذكرون – وأظن أن بعضكم شارك في – مهرجان الإسلام الرائع الذي افتتحته
صاحبة الجلالة الملكة في عام 1976. أي أن الإسلام موجود من حولنا في كل مكان، ومع
ذلك يبقى الشك ويبقى الخوف.
في عالم ما
بعد الحرب الباردة في التسعينيات، يمكن لفرص السلام أن تكون في هذا القرن أعظم من
أي وقت مضى. ففي الشرق الأوسط، أوجدت الأحداث المذهلة والمشجعة خلال الأسابيع
الأخيرة أملاً جديداً لإنهاء مسألة طالما قسمت العالم وشكلت مصدراً خطيراً للعنف
والكراهية. إلا أن الأخطار لم تختف. فنحن نرى في العالم الإسلامي نمط الحياة
الفريد لعرب الأهوار في جنوب العراق، والذي استمر لآلاف السنين، يتعرض للعبث
والتدمير بشكل منتظم. أعترف بأنني كنت طوال السنة أبحث عن فرصة مناسبة للتعبير عن
أساي وحنقي تجاه الفظائع التي يصعب ذكرها ويتم ارتكابها في جنوب العراق.
بالنسبة لي، تكمن المفارقة المأساوية لما يحدث للسكان الشيعة في العراق – وخاصة في مدينة كربلاء العتيقة وما تحويه من أماكن مقدسة – أنه بعد توخي الحلفاء الغربيين أقسى درجات الحرص لتجنب قصف مثل تلك المواقع المقدسة (وأذكر أنني توسلت إلى الجنرال شوارزكوف عندما قابلته في الرياض في ديسمبر 1990، قبل أن تبدأ الحرب الفعلية لتحرير الكويت، أن يبذل قصارى جهده لحماية تلك الأماكن المقدسة أثناء أي مواجهة)، كان صدام حسين نفسه، ونظامه الرهيب، هو الذي تسبب في دمار بعض أقدس الأماكن في الإسلام.
اقرأ أيضا: 5 أشياء قالها ملك بريطانيا الجديد عن الإسلام والمسلمين
والآن ها نحن
نشهد عمليات التجفيف المتعمدة للأهوار والتدمير شبه التام لتلك البيئة الفريدة،
بما فيها من تجمعات بشرية لم تلبث تعتمد عليها منذ فجر الحضارة الإنسانية. يقال
للمجتمع الدولي إن تجفيف الأهوار إنما يتم لغايات زراعية. كم من الأكاذيب الفاحشة
سوف تلقى على مسامعنا قبل أن يتم اتخاذ إجراء فعلي إزاءها؟ حتى في الساعة الأخيرة
لم يفت الأوان لمنع وقوع كارثة طامة. أصلي من أجل أن تكون تلك على الأقل قضية يوحد
لها الإسلام والغرب قواهما من أجل إنسانيتنا المشتركة.
أسلط الضوء
على هذا المثال بالذات لأن من الممكن تجنبه بسهولة. أما في الأماكن الأخرى، فإن
العنف والكراهية أكثر استعصاءً وأكثر تجذراً، كما نرى باستمرار في كل يوم تلك
الفظائع التي يعاني منها البؤساء من الناس حول العالم – في يوغسلافيا السابقة، وفي
الصومال، وفي أنغولا، وفي السودان، وفي كثير من الجمهوريات السوفياتية السابقة. في
يوغسلافيا، تساهم المعاناة الرهيبة للمسلمين البوسنويين، وكذلك للمجتمعات الأخرى
في تلك الحرب الوحشية، في الإبقاء على قيد الحياة كثيراً من المخاوف والتحيزات
التي يحتفظ بها عالمانا ضد بعضهما البعض. وبالطبع يصدر الصراع عن إساءة استخدام
النفوذ والسلطة وعن تصادم المثل، ناهيك عن النشاطات المحرضة لزعماء متعصبين بلا
ضمير. ولكنه أيضاً ينشأ مأساوياً من عدم القدرة على الفهم، ومن العواطف الجياشة،
التي بسبب سوء الفهم تفضي إلى الارتياب والخوف. أيها السيدات والسادة، لا يجب
علينا الانزلاق نحو حقبة جديدة من الخطر والانقسام لأن الحكومات والشعوب،
والمجتمعات والأديان، لا تستطيع العيش معاً في سلام داخل عالم آخذ بالانكماش.
إنه لأمر غريب
بالفعل أن يبقى سوء الفهم بين الإسلام والغرب قائماً. وذلك أن ما يجمع بين عالمينا
أقوى بكثير مما يفرقنا. المسلمون والمسيحيون واليهود، كلهم "أهل كتاب".
يشترك الإسلام والمسيحية في رؤية توحيدية واحدة، تقوم على الاعتقاد بالإله الواحد،
وبأن حياتنا على الأرض مجرد رحلة عابرة، وبأننا لسوف نحاسب حتماً على أعمالنا،
وبأن الحياة الآخرة قادمة لا مناص منها. نشترك معاً في العديد من القيم الأساسية:
احترام العلم والعدالة والرأفة بالفقراء والمحرومين، والاهتمام بالحياة العائلية
واحترام الوالدين. "ووصينا الإنسان بوالديه" مبدأ قرآني أيضاً. كما أن
تاريخنا مترابط بعضه ببعض.
ولكن، هنا
يمكن أحد جذور المشكلة. فطوال معظم ذلك التاريخ لم يكد يتوقف الصراع، وشابت القرون
الأربعة عشر عداوات متبادلة، مما ولد تقليداً راسخاً من الخوف والارتياب، لأن
عالمينا كثيراً ما كانا يريان ذلك الماضي بأشكال متناقضة. فبالنسبة لتلاميذ
المدارس في الغرب، يُنظر تقليدياً إلى مائتي عام من الحملات الصليبية باعتبارها
سلسلة من المفاخر البطولية والنبيلة حاول من خلالها ملوك وفرسان وأمراء وأبناء
أوروبا انتزاع القدس من المسلمين الكفار الأشرار. وأما بالنسبة للمسلمين، فقد كانت
الحملات الصليبية وقائع من التوحش الشديد والنهب المريع، حين جاء جنود مرتزقة
كافرين من الغرب، وارتكبوا فظاعات رهيبة، لربما كان أفضل دليل عليها تلك المذابح
التي ارتكبها الصليبيون في عام 1099 عندما استعادوا القدس، ثالث أقدس مدينة في
الإسلام. بالنسبة لنا في الغرب، يمثل عام 1492 اجتهاداً إنسانياً فتح آفاقاً
جديدة، تلك السنة التي اكتشف فيها كولومبوس الأمريكيتين، أما بالنسبة للمسلمين فقد
كان عام 1492 سنة كارثية – سقطت فيها قرطبة في يد فيرديناند وإيزابيلا، وانتهت
بذلك ثمانية قرون من التواجد الحضاري الإسلامي في أوروبا.
والمقصود هنا
ليس القول إن هذه الصورة أو تلك هي أكثر صحة أو لديها حق احتكار الحقيقة، وإنما
التأكيد على أن سوء الفهم يبرز حينما نخفق في تقدير الكيفية التي ينظر بها الآخرون
إلى العالم، إلى تاريخه، وإلى الأدوار التي يمارسها كل منا فيه.
من بديهيات
نظرتنا نحن في الغرب إلى التاريخ اعتبار الإسلام خطراً – في العصور الوسطية لكونه
قوة غزو عسكرية، وفي الزمن المعاصر لكونه مصدراً للتعصب والتطرف والإرهاب. يمكن
للمرء أن يتفهم كيف نجم عن الاستيلاء على القسطنطينية، عندما سقطت بيد محمد الفاتح
في عام 1453، وعن الهزائم التي مني بها الترك على أبواب فيينا في عام 1529 ثم في
عام 1683، بث الرعب في أوصال حكام أوروبا. كما قدم تاريخ البلقان تحت حكم
العثمانيين نماذج من القسوة انغرست عميقاً في الأحاسيس الغربية. إلا أن التهديد لم
يكن في اتجاه واحد. فقد دارت الدائرة بغزو نابليون لمصر في عام 1798 وبما تبعه من
غزوات وفتوحات في القرن التاسع عشر، حتى بات العالم العربي بأسره تقريباً محتلاً
من قبل القوى الغربية. وبسقوط الإمبراطورية العثمانية بدا انتصار أوروبا على
الإسلام تاماً ونهائياً.
انتهت أيام
الفتوحات تلك. ولكن حتى هذا الوقت مازال سلوكنا المشترك تجاه الإسلام يعاني لأن
الطريقة التي نفهمه بها تم اختطافها من قبل المتطرفين والسطحيين. بالنسبة للكثيرين
منا في الغرب، يتجلى الإسلام في الحرب الأهلية في لبنان، ومن خلال القتل والتفجير
الذي ترتكبه جماعات متطرفة في الشرق الأوسط، وعبر ما بات يعرف بشكل عام بالأصولية
الإسلامية. وبذلك يتشوه حكمنا على الإسلام بسبب اعتبار أن التطرف هو الأصل. وتلك،
يا أيها السيدات والسادة، خطيئة كبيرة، فهي أشبه بالحكم على جودة الحياة في
بريطانيا من خلال ما يقع من حوادث قتل واغتصاب واعتداء على الأطفال وإدمان على
المخدرات. إن التطرف موجود، وينبغي أن يتم التعامل معه، ولكن حينما يستخدم أساساً
للحكم على مجتمع ما فإنه يفضي لا محالة إلى التشويه والظلم.
فعلى سبيل
المثال، يقول الناس في هذا البلد إن قوانين الشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي
قاسية وهمجية وظالمة. وصحفنا، أكثر من أي شيء آخر، تعشق بث مثل هذه التحيزات
الحمقاء. والحقيقة بالطبع غير ذلك، بل هي أكثر تعقيداً. وفهمي الشخصي هو أن
المتطرف من الأمور نادراً ما يمارس. والمبدأ الموجه للقانون الإسلامي وروحه، كما
هو مستلهم مباشرة من القرآن، ينبغي أن يكون العدل والرحمة. نحتاج لدراسة تطبيقه
الفعلي قبل أن نصدر الأحكام. ينبغي أن نميز بين نظم العدالة التي تطبق بنزاهة ونظم
العدالة التي قد نراها تمارس وقد تعرضت للتشويه والانحراف لأسباب سياسية حتى لم
تعد لها علاقة بالإسلام. كما ينبغي علينا أن نأخذ بالاعتبار الجدل الحاد الذي يدور
في العالم الإسلامي ذاته حول عالمية الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان،
وما يطرأ باستمرار على تطبيق القانون من تبدل وتطور.
كما ينبغي
علينا أيضاً أن نميز الإسلام عن العادات السائدة في بعض الدول الإسلامية. من
التحيزات الغربية الواضحة في هذا المجال الحكم على وضع المرأة في المجتمع المسلم
من خلال الحالات المتطرفة. فالإسلام ليس كتلة صماء واحدة، والصورة ليست بسيطة.
تذكروا، لو شئتم، أن البلدان الإسلامية مثل تركيا ومصر وسوريا منحت النساء حق
التصويت في نفس الوقت الذي منحته أوروبا لنسائها – وقبل سويسرا بوقت طويل. كما
تمتعت النساء في تلك البلدان منذ وقت طويل بالحصول على أجور متساوية، وعلى فرصة
القيام بدور العمل كاملاً في مجتمعاتهن. حق النساء المسلمات في تملك العقارات وفي
الإرث، ولقدر من الحماية عند الطلاق، وإدارة شؤون العمل والممارسة التجارية، كل
تلك حقوق نص عليها القرآن قبل 1400 سنة، حتى لو لم تجدها مترجمة في أرض الواقع في
كل مكان. في بريطانيا على الأقل، كانت بعض تلك الحقوق أمراً مستحدثاً حتى بالنسبة
لجيل جدتي. أصبحت كل من بناظير بوتو وبيغام خالدة ضياء رئيسة للوزراء كل في
مجتمعها التقليدي في نفس الوقت الذي انتخبت فيه بريطانيا للمرة الأولى في تاريخها
أنثى لتحتل منصب رئيس الوزراء. وهذا، في ظني، لا يشتم منه رائحة مجتمع ينتمي إلى
العصور الوسطى.
ليست النساء
تلقائياً مواطنات من الدرجة الثانية بسبب أنهن يعشن في البلدان الإسلامية. لا
يمكننا الحكم على الوضع الحقيقي للمرأة في الإسلام إذا اعتبرنا أكثر الدول
الإسلامية محافظة هل النموذج الممثل للكل. فعلى سبيل المثال، ارتداء المرأة للنقاب
ليس معمولاً به في كل أرجاء العالم الإسلامي. ولقد أدهشني أن أعرف بأن عادة ارتداء
النقاب تعود إلى التقاليد البيزنطية والساسانية، ولا تمت بصلة إلى نبي الإسلام.
ولذلك لم تتبن بعض النساء المسلمات النقاب على الإطلاق، بينما تخلت عنه أخريات.
ولكن هناك منهن، وخاصة من بنات الجيل الأصغر سناً، من اخترن ارتداءه أو ارتداء
غطاء الرأس كنوع من تأكيد الانتماء إلى الهوية الإسلامية. ولكن لا ينبغي أن نخلط
بين حشمة الملابس التي فرضها القرآن على الرجال وعلى النساء وبين أنماط الأزياء
العلمانية أو الأوضاع الاجتماعية التي تمتد جذورها إلى أماكن أخرى.
كما نحتاج في
الغرب إلى فهم نظرة العالم الإسلامي إلينا. فلا يوجد ما يمكن أن نكسبه، بل يمكن أن
نجلب ضرراً كثيراً، برفضنا إدراك مدى خوف كثير من الناس في العالم الإسلامي من
المادية الغربية ومن الثقافة السائدة في الغرب بما يمثله ذلك من تحد قاتل للثقافة
الإسلامية ولنهج الحياة الإسلامية. قد يظن بعضنا أن البهرجة المادية للمجتمع
الغربي والتي نقوم بتصديرها إلى العالم الإسلامي – التلفزيون، الوجبات السريعة،
والأجهزة الإلكترونية التي باتت في كل جانب من جوانب حياتنا – أمور عصرية وطيبة
الأثر. ولكننا نقع في مصيدة الجهل المدقع فيما لو خلطنا بين الحداثة في البلدان
الأخرى وبين أن يصبحوا أكثر شبهاً بنا. والحقيقة هي أن نمطنا المادي يمكن أن
يعتبره المسلمون الملتزمون ضاراً بهم – وأنا لا أقصد فقط المتطرفين من بينهم.
ينبغي علينا أن نتفهم رد الفعل ذلك، تماماً مثلما أن موقف الغرب من بعض الأوجه
الأشد صرامة في الحياة الإسلامية ينبغي أن يتفهمها الناس في العالم الإسلامي.
وهذا في ظني
يمكن أن يساعدنا على فهم ما بتنا نعتبره جميعاً خطراً يتمثل في الأصولية
الإسلامية. علينا توخي الحذر عند الحديث عن ذلك الوسم المثير للأشجان، أي
الأصولية، وعلينا أن نميز، كما يفعل المسلمون، بين الإحيائيين، الذين يختارون
الالتزام بتنفيذ تعاليم دينهم، وبين المتشددين أو المتطرفين الذين يستخدمون هذا
الالتزام الديني من أجل تحقيق غايات سياسية. ومن بين كثير من الأسباب الدينية
والاجتماعية والسياسية لما قد نطلق عليه اسم "الإحياء الإسلامي" ذلك
الشعور القوي بخيبة الأمل الناتج عن إدراك أن التكنولوجيا الغربية والأمور المادية
غير كافية، وأن ثمة معنى أعمق للحياة يكمن في مكان آخر، في جوهر العقيدة
الإسلامية.
في نفس الوقت
لا ينبغي أن يغرينا الاعتقاد بأن التطرف بطريقة ما هو العلامة المميزة للمسلم.
فالتطرف ليس حكراً على الإسلام إلا بقدر ما هو حكر على أي من الأديان الأخرى، بما
في ذلك المسيحية. بل إن الغالبية العظمى من المسلمين، ورغم أنهم في العموم متدينون
شخصياً، إلا أنهم معتدلون في مجال السياسة. والدين بالنسبة لهم هو السبيل الوسط.
فقد كان النبي نفسه يكره التطرف ويخشاه. ولعل الخوف من الإحيائية الإسلامية التي
لونت عقد الثمانينيات بدأ الآن ينحسر في الغرب ليبرز مكانه تفهم للقوى الروحية
الحقيقية التي تقف وراء تلك الموجة الكبيرة. ولكن لو أردنا أن نفهم تلك الحركة
الهامة، فيجب علينا أن نتعلم التمييز بوضوح بين ما تعتقده الأغلبية العظمى من
المسلمين وبين العنف الرهيب الذي تمارسه أقلية صغيرة بينهم – مثل أولئك الرجال في
القاهرة بالأمس – والذي يتوجب على الشعوب المتحضرة في كل مكان التنديد به.
اقرأ أيضا: "عربي21" تنشر خطابا للملك تشارلز الثالث عن الإسلام (الجزء 2)