قضايا وآراء

فتح الفتوح.. خريطة طريق التأهيل الذاتي لرواد ثورة المعرفة (3)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
تناولنا في المقال السابق الجزء الأول من الإعداد والتأهيل الخاص بالباحثين الجدد، رواد ثورة المعرفة العربية الجديدة، والذين سيقومون بدور فتح الفتوح لكافة مجالات الحياة.

أولاً: التأهيل العلمي التأسيسي الخاص: من منظومة علوم الأداة والغاية والمكملة والتي قمت بتطويرها وبيانها ورسم خريطتها الحديثة المعاصرة وفق علوم العصر، بعد الجهود الطيبة لعلمائنا في القرون السابقة والتي توقفت على العلوم الدينية فقط.

وسنتناول في هذا المقال الجزئين الثاني والثالث.

ثانياً: التأهيل الأكاديمي، وشروطه ومعاييره وأماكنه وكيفية تحقيقه بأفضل وأسرع ما يمكن، وتحديد المجال والإطار العام للدراسات العليا بما يخدم الغاية الكبرى.

بطبيعة الحال، إن التأهيل العلمي التأسيسي الخاص يعتمد على خطة وإرادة وهمّة الباحث، وقدرته على إدارة ظروفه الخاصة والتفرغ النسبي للتحصيل العلمي وامتلاك بنية معرفية تأسيسية قوية وراسخة من العلوم الوظيفية التي ستمكنه من إتمام طريقه بقوة نحو علوم الغاية. كما أن هذا التأهيل التأسيسي سيظل مستمراً مع الباحث طيلة حياته في مراحل عمره العلمي والمهني، وذلك لتجدد العلوم باستمرار بالإضافة إلى سعتها وتنوعها.

وللتأهيل الأكاديمي مميزات نسبية، خاصة وأنه منتظم ومرهون بمواعيد رسمية مقررة مما يفرض شيئاً من الجدية والانضباط على الطالب.

شروط التأهيل الأكاديمي اللازم لباحثي المستقبل

- أن يرتبط ارتباطاً مباشراً بالحلم والهدف ومجال التخصص المحدد.

- يطلب فيه الجمع بين التفوق الدراسي والعلمي معاً.

التفوق الدراسي: الذي يعني تحقيق أعلى المعدلات في امتحانات المواد الدراسية، والتي تقيس مدى حفظ واستيعاب الطالب للمقررات الدراسية دون التعرض لقدراته الذهنية والإبداعية في فهم المادة ودوره في تطويرها والإضافة عليها، أو التفكير في مجالاتها التطبيقية النافعة في الحياة وكيفية تطويرها.

ومن ثم لا يتطلب من الطالب سوى حفظ واستيعاب المقرر الدراسي ومهارات إجابة الامتحانات الدراسية المعتادة.

التفوق العلمي: الذي يتطلب فهم واستيعاب المادة بفهم فلسفتها بالإجابة على أسئلة ماذا ولماذا وكيف؟ وفهم تطبيقاتها النافعة في الحياة، والبحث في تطويرها والإضافة المعرفية عليها وعلى تطبيقاتها العملية في الحياة، حتى تكون له بصمة جديدة على المادة الدراسية، والتي تتطلب انفتاحا وتوسعاً على مصادر معرفية متنوعة تتجاوز الكتاب المدرسي، ومتابعة لجديد التخصص وتحديثاً مستمراً لمعارفها منها.

يفضل التعليم بجامعات أجنبية بالدول المتقدمة قدر الإمكان وذلك لما تتميز به في أربع مميزات:

أ- طرق التعليم التفاعلية الحديثة التي تعزز من قدرات الطالب على التعلم والتحصيل الذاتي، ومن ثم تمكنه مبكراً بملكات الإنتاج المعرفي.

ب- تطور المناهج والمقررات الدراسية بشكل مستمر، وصولاً لأحدث خريطة علمية من المقررات الدراسية في مجال التخصص.

ج- وجود فضاءات تفكير ورؤى واسعة تمنح الطالب فرص كبيرة للانطلاق في التفكير والتوسع في التحصيل.

د- فرصة كبيرة للتنوع الثقافي العالمي داخل الجامعة والكلية الواحدة، بما تمثله من تنوع في طرق التفكير والنظم المعرفية والأفكار والاهتمامات والاستشرافات المستقبلية الواسعة، وبما يمنح الطالب ثراء معرفيا ومهاراتيا وخبراتيا لا محدود، بالإضافة إلى بناء شبكة علاقات دولية لها ما بعدها في المستقبل، خاصة وأن هؤلاء الطلاب سيصبحون بعد سنوات أرقام مهمة في بلادهم.

بطبيعة الحال التعليم بالدول والجامعات المتقدمة مرهون بأمرين:

الأول: مدى توافر القدرات المادية.

الثاني: همّة الطالب في البحث والتنقيب عن الجامعات العالمية وما تمنحه من بعثات علمية مجانية، وذلك متوفر بشكل كبير في غالب الجامعات، خاصة أن ذلك يمثل مصلحة علمية وثقافية وسياسية كبرى لهذه الدول، وكلما كان التعليم في جامعات عالمية مصنفة كان ذلك أفضل.

ومن أفضل الجامعات العالمية أكسفورد وكامبريدج وإدنبره في المملكة المتحدة، وجامعات هارفرد وكاليفورنيا وستانفورد وشيكاغو وبرينستون وبنسلفانيا وكورنيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وجامعة سنغافورة الوطنية في سنغافورة، وجامعة هونج كونج وبكين في الصين وطوكيو في اليابان، وسيول الوطنية في كوريا الجنوبية، وجامعات سيدن وملبورن ونيو ثاوث ويلز في أستراليا، وجامعة مالايا في ماليزيا، والسوربون في فرنسا، والكثير من الجامعات العالمية المصنفة يمكن الرجوع إليها في تصنيف شنغهاي السنوي لأفضل الجامعات في العالم.

وإن لم يتيسر للطالب التعليم في الخارج أو الحصول على منحة؛ يمكنه إتمام الدراسة في الجامعات المحلية، مع الحرص على الحصول على تقديرات عالية جداً تمكنه من التقدم للمنح الجامعية المجانية في التعليم العالمي للماجستير والدكتوراة.

ثالثاً: التأهيل الواقعي:

الباحث والمفكر ابن:

1- محطته التاريخية يفهم عالمه وقوانينه.

2- وابن بيئته، ملمّ بتحدياتها ومشاكلها واحتياجات وتطلعات أهلها.

3- وابن رسالته وأمته ووطنه، واع بمهمته ورسالته التعميرية في الحياة وخلافة الله تبارك وتعالى في الأرض؛ بالتعمير والإصلاح والبناء والرحمة للعالمين.

4- وابن أمته ووطنه مدرك لطبيعة المرحلة التي تعيشها الأمة الإسلامية والعربية واحتياجاتها من التطوير والإصلاح وإعادة الإحياء والبناء، فلا قيمة ولا معنى لعلم ينتجه مواطن ويستفيد منه أعداؤه دون أمته ووطنه.

5- وابن تخصصه العلمي وتطبيقاته في الحياة، والذي يتطلب منه الاستيعاب العلمي والتطبيقي الكامل لتخصصه العلمي وأحدث ما وصل إليه، ومنابع إنتاجه وتطويره من الأكاديميات ومراكز البحوث المتخصصة، وأحدث أدبياته، وتاريخ تطوره وكيفية تطوره وتحدياته وتطلعاته، وخبرائه القائمين عليه. بمعنى المتابعة المستمرة لحالة المريض المستهدف علاجه، ومسارات وأنواع العلاج الحديث عالمياً.

فالمعرفة والعلم ليست لذاتها إنما لخدمة الواقع، وبجوانب التأهيل الثلاثة يكون الطالب والباحث وعالم المستقبل قد امتلك بنية معرفية قوية ودافعة للأمام بشكل كبير، ويكون قد وضع نفسه على أفضل المسارات المتاحة عالمياً للانطلاقة العلمية، والمساهمة في تحقيق الإنتاج المعرفي المتخصص في مجاله والمطلوب لسد الفراغ الشاغر في واقعه ووطنه وأمته.
التعليقات (0)