تبدي
دولة الاحتلال متابعة لافتة للتوتر المغربي الجزائري التونسي حول مسألة السيادة على
الصحراء الغربية، على اعتبار أن العلاقات الإسرائيلية المغربية محاولة جديدة من نوعها
لإقامة علاقة دبلوماسية سرية بين دولة تعيش في حالة صراع مع كل جيرانها، وهي إسرائيل،
ودولة عربية إسلامية تعيش حالة من النزاع حول بقعة جغرافية مختلف على هويتها، مما يفسح
المجال أمام الإسرائيليين لمعرفة مآلات هذه العلاقة، وحجم الاستفادة الأمنية والسياسية
منها.
يستند
الإسرائيليون في توثيق علاقاتهم مع المغرب، انطلاقا من نظرية صاغها دافيد بن غوريون
بإقامة سلسلة من التحالفات السرية، مستعدة لتلقي مساعدات إسرائيلية، وأصبحت بعثات الموساد
بديلاً عمليًا للبعثات الدبلوماسية الرسمية والعامة في هذه البلدان، وفي باريس عمل
ممثل الجهاز في أوروبا بالتنسيق مع دول الأطراف البعيدة، بما فيها إيران وتركيا وإثيوبيا
والسودان والمغرب وغانا ودول أخرى في غرب أفريقيا.
يغآل
بن نون المؤرخ الإسرائيلي، الحاصل على عدة شهادات دكتوراه من جامعة السوربون، وخبير
العلاقات المغربية، يكشف أنه "تحقيقا لهذه الغاية تم إنشاء إطارين للتعاون الثلاثي
في مجال الاستخبارات، أحدهما شمل إسرائيل وإيران وتركيا، والآخر ضم إسرائيل وإثيوبيا
والسودان، وفي نيسان/ أبريل 1958، أسس يعقوب كراوز، اليد اليمنى لإيسر هارئيل رئيس
الموساد في حينه، مجموعة من أساليب العمل في مجال جمع المعلومات والعلاقات مع أجهزة
المخابرات الأجنبية".
وأضاف
في مقال نشره موقع "
زمن إسرائيل"، وترجمته "عربي21" أنه
"تم إنشاء مبادرة العلاقات بين الموساد وأجهزة الأمن المغربية بشكل شبه عشوائي،
بناءً على توصية ضابط خدم في القوات الفرنسية مع الجنرال المغربي محمد أوفقير، ويكشف
شلومو يحزكيلي الذي خدم في تلك الأيام ضابط عمليات في مقر الموساد بباريس في مذكراته
في كتاب "مذكرات" عن لقاء عقده الجنرال أوفقير في باريس مع يعقوب كراوز عام
1963، المعروف بأنه الرجل العسكري للملك الحسن الثاني".
وأوضح
أنه "تخلل هذه الاتصالات جهود الموساد لمساعدة يهود المغرب على المغادرة، والوصول
لفلسطين المحتلة، والخلاصة أن العلاقة بدأت في بداية شباط/ فبراير 1963، وتخللها بالعادة
طلبات من الموساد لتوفير الأمن الشخصي للملك، بجانب "التعامل" مع معارضيه
السياسيين، زاعما أن طلبات المساعدة كانت تأتي دائمًا من المغاربة، ولم تطلب إسرائيل
شيئًا، في وقت لاحق فقط طلب معلومات منهم، وحصل على مواد قيمة ساعدت في المواجهة داخل
العديد من الدول العربية".
وأشار
إلى أنه "لم يتم التوقيع على اتفاق خطي، لكن نظام المساعدة الذي ستقدمه إسرائيل
بات واضحا، يتضمن سلسلة من الدورات التي ستقام في المغرب وإسرائيل لمواجهة خصوم القصر،
ونتيجة لذلك أمر الملك الحسن الثاني باستضافة ممثل رسمي للموساد بشكل منتظم يكون على
اتصال مباشر مع نظرائه المغاربة، خاصة نائب رئيس الأجهزة الأمنية أحمد الدليمي، الذي
اتفق مع الموساد خلال زيارته لإسرائيل لتوفير تدريبات لحراس الملك الشخصيين، وبناء أجهزة
استخبارات متقدمة خاصة في مجال مكافحة التجسس".
وأوضح
أنه "نتيجة لذلك، بدأ الموساد بتعليم أفراد المخابرات المغربية تقنيات استخباراتية
مبتكرة في مجال المراقبة والأمن الشخصي والقضايا العسكرية المتميزة، مثل المساعدة التي
قدمتها إسرائيل لإيران الشاه، واستخدمت المعرفة العسكرية الإسرائيلية من قبل الجيش
المغربي في حرب الرمال ضد الجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 1963 وفي حربه ضد قوات البوليساريو،
وقدم ضباط الجيش الإسرائيلي نصائح استراتيجية لقوات الجيش المغربي تحت قيادة الدليمي".
وأكد
أنه "إضافة للأسلحة الفرنسية التي باعتها إسرائيل للمغرب، عمل طاقم تدريب إسرائيلي
أيضًا في البلاد، وخدم المغرب كمحطة عبور للموساد لبناء هوية جديدة لعملائه من أجل
تعريفهم بالدول العربية المعادية، وبعد وقت قصير من زيارة الدليمي لإسرائيل، وصل عدد
من قادة الموساد للمغرب لأول مرة، أبرزهم رافي إيتان رئيس قسم العمليات، وعقدوا اجتماعات
تعريفية مع نظرائهم المغاربة، حيث تناولوا الغداء في الرباط، واستمعوا للأغاني الشعبية
الإسرائيلية".
يكشف
الكاتب عن سلسلة مهام نفذها رجال الموساد في المغرب، ومنها "التسلل السري لعدة
سفارات عربية بناءً على طلب المغاربة من أجل جمع المعلومات التي خدمت بشكل رئيسي القصر
المغربي والمخابرات الإسرائيلية، كما أجروا دورات تدريبية لعشرات من قادة الخدمة المغاربة،
بأجور عالية حول الصراع في الشرق الأوسط، رغم أن وجودهم وجوهر نشاطهم في المغرب كان
متحفظًا ومخفيًا عن أعين الجمهور".
رغم
ذلك، فإن "الموساد استغل وجود عناصره في المغرب للقيام بأنشطة سرية دون علم السلطات،
ولا علاقة لها بقضية الهجرة اليهودية، لكنها شكلت في مجموعها مقدمة لنشوء علاقات دبلوماسية
سرية بين إسرائيل ودولة عربية مسلمة، ثم ما لبثت أن أصبحت علاقات رسمية، وفي عام
2021 تم افتتاح السفارات والرحلات الجوية المباشرة بينهما".