هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف الوزير التونسي السابق ونائب رئيس حركة النهضة، نور الدين البحيري، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "النهضة مستعدة للانسحاب من مواقع المسؤولية، لإنهاء الأزمة في تونس".
وقال إن سعيد ربما يُمدّد مدة بقائه في منصب الرئاسة، مشددا على أن تلك الخطوة -في حال اتخاذها- سيكون لها عواقب وخيمة على البلاد.
وأشار إلى أن سعيد يعتزم إصدار مرسوم جديد يُلغي المرسوم الذي يُنظم مهنة المحاماة، ويُمدّد من خلاله لعميد المحامين إبراهيم بودربالة، مدة أخرى، ويُعاد فيه إعادة صياغة هيكل المحاماة بما يضمن له السيطرة على هذه المهنة النبيلة، ووضعها تحت يده مثلما حاول وضع القضاء تحت يده.
وكشف البحيري عن استعداد حركة النهضة لتقديم تنازلات مختلفة إذا كان ذلك سيؤدي إلى إنهاء الأزمة الراهنة، قائلا: "لو تطلب الأمر انسحابنا من مواقع المسؤولية، فنحن مستعدون للموت من أجل تونس، وليس الانسحاب فقط، وليس هناك أغلى من الروح، ومَن كان، وما زال، مستعدا للتضحية بدمه لا تمثل عنده المسؤولية السياسية أو غيرها جناح بعوضة".
وأكد القيادي البارز في حركة النهضة أن "المعارضة نجحت في إضعاف وعزل وفضح قيس سعيد"، مشيرا إلى أن "نهاية هذه المرحلة البائسة في تونس باتت قريبة، وسيُغلق قوس الانقلاب في أقرب وقت".
وقال: "نحن لا نطرح أنفسنا بديلا عن الانقلاب، ولن نطرح أنفسنا خيارا مقابل خيار قيس، بل ندعو إلى خيار آخر يُبنى على الحوار الوطني الجامع والشامل، الذي لا يستثني أحدا، ويُبنى على توافق وطني من أجل حل أزمات البلاد الاقتصادية والمالية والسياسية".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تقرأ المشهد التونسي اليوم ما بعد الاستفتاء؟
نحن إزاء تنصيب قيس سعيد سلطانا متجبرا على تونس؛ إذ إنه يسعى لبناء نظام ملكي على أنقاض الجمهورية التونسية التي تم تأسيسها منذ الاستقلال، ولذلك أفقد انقلاب 25 تموز/ يوليو 2021 السلطة القائمة شرعيتها الدستورية، واستفتاء 25 تموز/ يوليو كان خطوة على مسار انعدام تلك المشروعية السياسية والدستورية.
رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أكد أن نتائج الاستفتاء على الدستور سليمة ولا غبار عليها مطلقا، والقضاء رفض الطعون على نتائج الاستفتاء.. ما تعقيبكم؟
هذه هيئة غير مستقلة وغير شرعية، خاصة أن المنقلب هو الذي قام بتعيينها وفق إجراءات معيبة تماما، وقد تأسست على تعديل قانون الانتخابات قبل أيام من التصويت على الاستفتاء، ولا يمكنها رفض أي طلب أو تدخل من قِبل مَن قام بتعيينها، وهي مطعون في شرعيتها من العديد من الجهات المحلية والدولية المختلفة.
وبالتالي، فنحن لا نعتد بما تقوله، لأنها فقدت نزاهتها وحيادتها، ولا يمكن أن تبني أي انتخابات حرة ذات مصداقية، لأنها ببساطة مجرد أداة في يد مَن عيّنها.
والمحكمة الإدارية نظرت في الطعون، وأصدرت حكمها لاعتبارات شكلية قانونية فقط بعيدا عن التفاصيل والجوهر، لكن المحكمة لم تنظر في شرعية هيئة الانتخابات، ولم تنظر في التجاوزات المختلفة التي وقع فيها قيس سعيد.
وفي حقيقة الأمر، أنه تم تزوير الاستفتاء مسبقا بصور مختلفة، لكنه سيظل فاقدا للشرعية ولن يحظى برضا الإرادة الشعبية.
البعض يرى أن دعوات المقاطعة للاستفتاء ساهمت في تمرير الدستور الجديد، وبالتالي فإن المعارضة قدمت خدمة مجانية للرئيس قيس سعيد.. ما ردكم؟
المعارضة تعتبر أن ما بُني على باطل فهو باطل، ولم يكن بإمكانها المشاركة في مهزلة الاستفتاء، خاصة بعدما تم تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية وتم تغيير الهيئة المشرفة على الانتخابات في اللحظات الأخيرة، ولذلك كانت المعارضة وفيّة لمبادئها وقيمها ولمقتضيات الدستور التونسي والمواثيق الدولية التي تشدّد على معايير نزاهة العملية الانتخابية.
ونسبة المشاركة الضعيفة التي لم تتجاوز في الحقيقة الـ25% تدل على نجاح المعارضة في رفضها للمشاركة في هذه المسرحية المعروفة نتائجها مسبقا، والشعب تجاوب مع دعوات المعارضة، وتجاهل استفتاء قيس سعيد.
هل قوى المعارضة باتت عاجزة عن تغيير الأوضاع أو الإطاحة بقيس سعيد؟
نظام قيس سعيد هو العاجز وليس المعارضة؛ فقد عجز عن مواجهة الأزمة الاقتصادية، وعجز عن سداد الديون، وعن توفير ثمن بعض المواد الغذائية والوقود. والمعارضة التزمت منذ اليوم الأول بالنضال السلمي من أجل إنهاء الحالة الاستثنائية، وإعادة البلاد للحكم الديمقراطي، وحماية مقدرات الشعب التونسي والدفاع عن مصالحه.
بينما يدفع قيس سعيد البلاد دفعا نحو التباغض والتقاتل والإفلاس، بل إن تونس اليوم حسب بعض المنظمات الدولية أصبحت مُهدّدة بالمجاعة، ووعيا من المعارضة بخطورة هذا المنزلق على الدولة التونسية ووحدتها والاستقرار في تونس والمنطقة فقد التزمت النضال السلمي وحققت نتائج مهمة من خلال ما يحصل الآن.
واليوم بعد نحو سنة من الانقلاب يجد قيس سعيد نفسه في عزلة؛ حيث إن كل الأحزاب الوطنية تقريبا تقف ضده، فضلا عن عدد كبير من الأساتذة الجامعيين والمختصين في القانون الدستوري ضده، حتى إنه خسر أقرب أصدقائه.
وبالنظر إلى المقاطعة الشعبية الواسعة للاستفتاء وتجاهل دعوة قيس سعيد للمشاركة في التصويت، مثلما رفض الشعب الاستجابة لدعوات سابقة أطلقها سعيد للتظاهر في الشارع، نجد أن المعارضة حققت جزءا من أهدافها، وهي عزل المنقلب وإثبات خطورة وعدم شرعية انقلابه، والمعارضة لم تتبن موقف العنف، ولم تتبن موقف الصدام مع الدولة، بل تبنت العمل في الشارع، والعمل في الإعلام، والعمل السياسي الهادئ والرصين والسلمي من أجل عزل هذا الانقلاب، ووضعه في الزاوية، وإقناع التونسيين بأنه أصبح يمثل خطرا على وحدة ومستقبل البلاد، وقد نجحت المعارضة في ذلك أيّما نجاح، ونسبة المقاطعة تؤكد ذلك.
والمعارضة وإن لم تنجح في إنهاء حالة الاستثناء، وإجبار قيس سعيد على العودة للديمقراطية، فإنها نجحت في إضعافه وعزله وفضحه، ما يؤكد أن نهاية هذه المرحلة البائسة في تونس نهاية قريبة، وما يؤكد أن الشعب التونسي عبّر عن إرادة واضحة من خلال أحزابه ومنظماته وشخصياته أن الانقلاب قوس وسيُغلق في أقرب وقت إن شاء الله.
لكن البعض يرى أن الرئيس سعيد يمضي قدما في كل إجراءاته على أرض الواقع، بينما المعارضة لم تنجح في شيء ملموس حتى الآن.. ما ردكم؟
المعارضة يعنيها استقرار تونس والمنطقة، وتحرص على حياة التونسيين وأمنهم ومعاشهم وكرامتهم، لأن المساس بالاستقرار في بلادنا يعني تهديد صريح لاستقرار المنطقة والعالم، بينما قيس سعيد لا يهمه سوى نفسه وفقط، ولا ينظر إلا لصورته، ولا يعنيه إلا استقرار استبداده والمضي قدما في مشروعه الآثم، حتى لو حدث ببلادنا مجاعة وتناحر وتقاتل.
وقيس يسعى لتنصيب نفسه سلطانا على تونس ومرشدا أعلى للبلاد، وهذا مرفوض رفضا مطلقا من الشعب التونسي، وخاصة من الشباب الذي قاطع بكثافة الاستفتاء مُعبّرا عن خيبة أمله في قيس سعيد الذي وصل إلى الحكم بأصوات الشباب، وسنواصل النضال السلمي بعيدا عن الصدام مع مؤسسات الدولة من أجل إنهاء هذه الحالة الشاذة في تونس والمنطقة.
هل حركة النهضة تمثل البديل لقيس سعيد؟ وهل تسعى للعودة إلى الحكم؟
حركة النهضة لا تطرح نفسها بديلا لأحد، وآخر ما تفكر فيه هو العودة للسلطة، بل إنها لا تفكر في هذا الخيار مطلقا في الوقت الراهن؛ فما يهم "النهضة" اليوم هو عودة المسار الديمقراطي، والمحافظة على استقرار ووحدة البلاد، وحماية تونس من الحرب الأهلية والإفلاس ومن دعوات الكراهية والتناحر. والبديل عن قيس سعيد ليس حركة النهضة على الإطلاق، بل بديل وطني تشاركي ديمقراطي حداثي.
ما التنازلات التي يمكن لحركة النهضة تقديمها لمحاولة حلحلة الأزمة؟
رئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي قال، في أحد تصريحاته، إنه وحركته مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس، حتى ولو كان ذلك بأرواحنا، من أجل حماية تونس ومستقبل التونسيين، ومن أجل العودة للشرعية الديمقراطية، ونحن مستعدون لحوار وطني شامل مع كل الوطنيين الرافضين للانقلاب، ومستعدون للالتزام بكل ما ينتهي إليه هذا الحوار، مهما كان المطلوب منا التنازل عنه.
ونحن على يقين تام بأن المعارضة والنخبة التونسية من كل الأطياف المدنية والنقابية والسياسية والجهوية والشعبية لا يمكن أن تصل إلى بناء بديل عن نظام قيس سعيد المشؤوم، إلا بالتنازلات المتبادلة والقبول بالتعايش بين الجميع دون استثناء ودون إقصاء لأحد، إلا من أقصى نفسه.
وندعو إلى ضرورة الاحتكام إلى منطق العقل والروح الوطنية العالية، والتواضع لبعضنا البعض، والإيمان بأن تونس لكل التونسيين مهما كانت انتماءاتهم السياسية والأيدولوجية والفئوية، وأن تونس لا يمكن أن تُحكم إلا بالتشارك والتوافق، ومن أجل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تهدد بانفجار اجتماعي خطير للغاية يمكن أن تطول نيرانه كل المنطقة يجب أن يكون هناك حوار متوازن ومتكافئ بين الجميع دون استثناء، ولا بد أن يكون هناك توافق وقبول بالرأي والرأي الآخر.
ما موقف النهضة اليوم من قضية المنافسة أو الصراع على الحكم؟
نحن لم ندخل مطلقا في صراع على السلطة منذ 2011 وحتى اليوم. ونحن الذين يشهد التونسيون والعالم أننا تخلينا عن السلطة، رغم أننا فزنا بثقة الناخبين وبنسبة كبيرة جدا سنة 2011 من أجل استقرار تونس، ونحن الذين رفضنا الزجّ بالبلاد في العنف والصدام مع الدولة بعد انقلاب 25 تموز/ يوليو 2021، ونحن الذين ما زلنا نؤكد على ضرورة سلمية النضال ضد الانقلاب، وما زلنا نتمسك بمنهج التعايش وبحق التونسيين في الاختلاف والابتعاد عن كل ما فيه تحريض على الأحقاد والكراهية بين الشعب.
ونحن تربينا في حركة النهضة على استعدادنا لبذل الغالي والنفيس، وليس هناك أغلى من الدم والروح، وقدّمنا سابقا لتونس أكثر من مائة شهيد، وأبناؤنا في هذه الفترة يواجهون الموت والهرسلة والتضييقات والأكاذيب بكل سلمية وشجاعة، من خلال عمليات الاختطاف والاحتجاز ومحاولات الاغتيال والقتل مثلما حصل للشهيد رضا بوزيان يوم مظاهرة 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، وما زلنا على نفس الاستعداد من أجل بناء تونس لكل التونسيين.
ولم يطلب منا أحد شيئا ما حتى نقول إننا مستعدون للتنازل عن هذا أو ذاك، ونشدّد على أننا لا نطرح أنفسنا بديلا عن الانقلاب، ولن نطرح أنفسنا خيارا مقابل خيار قيس، بل ندعو لخيار آخر يُبنى على الحوار الوطني الجامع والشامل الذي لا يستثني أحدا، ويُبنى على توافق وطني من أجل حل أزمات البلاد الاقتصادية والمالية والسياسية.
ما موقع حركة النهضة من هذا "البديل الوطني التشاركي"؟
حركة النهضة شريك وطني مثلها مثل بقية الشركاء في الوطن، وهي على ذمة هذا الخيار الوطني الجامع الوطني من أجل الحرية والكرامة والنظام الجمهوري. النهضة ليست إلا طرفا من أطراف هذا البناء الوطني، والحركة تعي جيدا بأن عليها، وعلى الجميع، التواضع لبعضنا البعض، والسماح ببروز هذا البديل، واعتبار أن هيمنة أي طرف على هذا البديل، بما في ذلك النهضة، يُعدّ خسارة كبيرة لتونس.
النهضة كما ترفض الحكم الفردي لقيس السعيد ترفض أيضا أن ينفرد أي طرف بالبديل الوطني المقابل والرافض للمنقلب، وكما ترفض وضع سعيد يده على كل السلطات ترفض وضع أي طرف -وأولهم النهضة- يده على مقدرات البديل الوطني المعارض.
والنهضة واعية لأبعد مدى بأن من واجباتها الوطنية والدينية والأخلاقية في هذه المرحلة، العمل على المساعدة بما يُطلب منها بما يسمح ببناء البديل الوطني وإنهاء الانقلاب، وليست لدينا أي نية للهيمنة على هذا البديل بأي صورة من الصور، وبكل وضوح لسنا منشغلين تماما بقضية العودة للسلطة، ولا يهمنا ذلك مطلقا كما أنه لا يهمنا مَن يحكم تونس كائنا مَن كان بعد إسقاط الانقلاب في إطار حكم ديمقراطي.
لماذا لا يعلن راشد الغنوشي تنحيه عن المشهد السياسي التونسي كما يطالب البعض من أجل المساهمة في حلحلة المشهد؟
راشد الغنوشي رئيس حركة منتخب من أغلبية كبيرة من أبناء النهضة، وهو رئيس مجلس نواب الشعب منتخب بأغلبية مهمة من أعضاء مجلس نواب الشعب، وهو ليس حدثا طارئا على الحياة السياسية في تونس، وقضى أكثر من 60 عاما من عمره يناضل من أجل الحرية والديمقراطية، وشخصية وطنية وازنة تحظى بصدقية داخل وخارج البلاد، مثله لا يمكن أن تنتهي بقرار فوقي.
والغنوشي كان إفرازا لمرحلة معينة عاشتها تونس، وحينما يُطرح موضوع تنحيه كرمز من رموز النضال الوطني الديمقراطي سيتم نقاش هذا الأمر، ولكن الآن مَن جاء بصندوق صناديق الاقتراع لا يمكن أن يتنحى هكذا بدون أي مبرر منطقي وفي غياب أي حوار.
هل يُفهم من حديثكم أن مسألة تنحي الغنوشي عن زعامة حركة النهضة أو عن رئاسة البرلمان التونسي أمر غير مطروح الآن؟
معركة تونس السلمية من أجل العودة للديمقراطية تفرض علينا المرابطة في الساحة، بل وبذل الجهد والتضحية بالغالي والنفيس، ولا يمكن الفرار من الساحة، وحينما يتطلب منا الوضع غير هذا كالانسحاب أو غيره، فنحن مستعدون لذلك تماما، لكن الآن في تونس هناك معركة تخوضها كل الرموز والقوى الوطنية، والغنوشي واحد منهم.
ولا يُعقل أن نكون في قلب المعركة ويُطلب من رؤساء الأحزاب وقيادات النقابات الاستقالة، مهما كان سنهم، وهناك مَن سنه أكبر من الغنوشي. هذا يعد في الحقيقة تخاذلا وفرارا من المعركة التي تفرض علينا الدفاع عن شعبنا وأمتنا.
لكن لو يتطلب الأمر انسحابنا من المشهد؛ فنحن مستعدون للموت من أجل تونس وليس الانسحاب فقط، وليس هناك أغلى من الروح، ومَن كان، وما زال، مستعدا للتضحية بدمه لا تمثل عنده المسؤولية السياسية أو الحزبية أو النقابية أو المهنية ميزان جناح بعوضة.
هل النهضة ستقدم مرشحا في الانتخابات الرئاسية المقبلة سواء أجريت في موعدها أو قبل ذلك؟ وما موقفكم من الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
نحن في جبهة الخلاص الوطني بعد مهزلة الاستفتاء دعونا إلى عودة دستور 2014، لأن دستور قيس لا يمثل إلا قيس، وهذا ليس رأينا فقط، بل رأي أقرب المقربين لقيس، ودعونا كذلك إلى إنقاذ البلاد من خلال الإعلان عن انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها، ودعونا إلى حوار وطني يجمع كل الأحزاب ويجمع كل المنظمات ويجمع كل الشخصيات الوطنية والعلمية من أجل وضع توافقات حول البدائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية لحكم يحكم.
قيس سعيد حتى هذه اللحظة لم يعلن عن قانون الانتخاب الذي ادعى أنه يتم إعداده، والذي نتوقع أن يكون أتعس من دستوره، ونتوقع أن يكون أداة لفرض حكمه الفردي السلطاني. قيس سعيد لم يُعبّر عن نيته في تنظيم انتخابات رئاسية، وربما يُمدّد مدة الرئاسة مثلما نسمعه الآن.
وعلمنا الآن أن قيس سعيد بعد التدخل في القضاء، وحل المجلس الأعلى للقضاء، وعزل 54 قاضيا بشكل تعسفي، ينوي إصدار مرسوم جديد يُلغي المرسوم الذي يُنظم مهنة المحاماة، ويُمدّد من خلاله لعميد المحامين، إبراهيم بودربالة، مدة أخرى، ويُعاد فيه إعادة صياغة هيكل المحاماة بما يضمن له السيطرة على هذه المهنة النبيلة ووضعها تحت يده مثلما حاول وضع القضاء تحت يده.
وحقيقة قيس سعيد لا يهمه إجراء أي انتخابات تشريعية أو رئاسية، بل يهمه أمر وحيد هو إخضاع كل السلطات والقطاعات والمسؤولين لسلطانه.
ماذا لو قام قيس سعيد بالتمديد لنفسه في الحكم؟
لكل حادث حديث، لكن ذلك سيكون له عواقب وخيمة على البلاد.
هل حركة النهضة لا تزال عند دعوتها السابقة إلى حوار وطني يشمل الرئيس قيس سعيد؟
نحن جزء من جبهة وطنية واسعة تضم عددا من الأحزاب والفعاليات والشخصيات الوطنية نبذل كل الجهد لتوسيعها وتطويرها في أفق حراك وطني واسع وتعددي، لتكون بديلا عن الانقلاب، عبر خيارات اقتصادية واجتماعية ومالية وسياسية تضمن الحياة الكريمة للتونسيين، وتضع حدا لمعاناتهم، وتحمي السيادة الوطنية والدولة المدنية والنظام الجمهوري واستقلال القضاء والهيئات الدستورية والمستقلة، وتقاوم الفساد مقاومة جدية وتعيد للإعلام الحر والمجتمع المدني دوره الطبيعي في البلاد.
والبعض ربما يختلف معنا في بعض الرؤى، إلا أننا ملتزمون بما تختاره جبهة الخلاص الوطني في هذا الأمر (مشاركة قيس سعيد في الحوار). والجبهة دعت إلى حوار وطني واسع على قاعدة العودة للديمقراطية، وإغلاق قوس الانقلاب والاستثناء، والبحث بتشارك صادق ومسؤول وبتواضع عن حلول مشاكل تونس السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والحوار الوطني الذي نطلبه هو حوار إخراج تونس من مأزق الانقلاب وليس حوارا لحل مشكلة الانقلاب. إخراج تونس من مأزق العزلة وليس إنقاذ الانقلاب من العزلة. إخراج تونس من مأزق الإفلاس الذي يتهددها وليس إنقاذ الانقلاب من الإفلاس، وإذا كان قيس سعيد مستعدا لمراجعة نفسه والرجوع إلى الحق فضيلة بالتخلي عن مسار الانقلاب، وفرض حكم الفرد المطلق؛ فالقرار في يد الشارع الديمقراطي وفي يد أبناء الشعب وقواه الحيّة المؤمنة بالديمقراطية.
ونحن لن نقبل بالتفاوض حول وجود الدولة الوطنية العادلة الديمقراطية؛ فلسنا عبيدا أو رعايا، ولن نكون، ولم ولن نتراجع عن حقوقنا ومكتسباتنا التي حققناها بعظيم التضحيات وبالنضال وبدماء آلاف الشهداء.
ما أبعاد التعتيم على تقرير لجنة القروض والهبات؟
الأحداث تؤكد يوما بعد الآخر أن ما بشّر به قيس سعيد التونسيين، حتى يعطي شرعية لانقلابه لم يكن إلا خداعا وافتراءً، وأكبر شاهد على ذلك لجنة القروض والهبات التي كلّفها قيس سعيد بجرد وتقييم ومراقبة أوجه صرف المساعدات والهبات والقروض التي حصلت عليها تونس منذ 2011 وحتى اليوم.
وأنا أدعو قيس سعيد وداعميه، لو كان لديهم الحد الأدنى من المسؤولية الوطنية، أن ينشروا تقرير هذه اللجنة، ولكن التعتيم على هذا التقرير ورفض نشره دليل على أن وعود قيس سعيد للتونسيين بالجنة الموعودة، وبأن الانقلاب سيكون فاتحة خير عليهم، وسيضمن لهم التشغيل، وسيعيد أموال تونس المنهوبة، لم تكن إلا وعودا من أجل الوصول إلى الحكم، وكانت مجرد أداة لخداع الشعب؛ فبعد عام كامل من الانقلاب المشؤوم نرى تونس مُهددة بالإفلاس والكوارث والمصائب تلاحقها من كل صوب وحدب، ولن تجني بلادنا من الانقلاب إلا العزلة والعوز. وبعدما كانت تونس قدوة ورمزا في المنطقة تحوّلت إلى دولة مارقة وموضع انشغال ومبعث خوف. وربما أثبت هذا التقرير فساد بعض دوائر الحكم التي لا يريد قيس سعيد محاسبتها.
ولا أحد يعلم حتى هذه اللحظة مصير ومكان إخفاء آلاف المليارات التي اتهمني قيس سعيد علنا بجمعها بصفة غير شرعية، وهو اتهام طال كذلك عددا كبيرا من معارضي الانقلاب من نواب الشعب ومن المحامين والناشطين السياسيين والقضاة، ما يفضح أن معارضي الانقلاب ضحايا لحملة استهداف قذرة بسبب التزامهم برفض الحكم الفردي المطلق، وما يتعرضون له من شيطنة هو دليل صدقيتهم ونزاهتهم ونظافة أيديهم.