هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مثّل انضواء المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من دولة الإمارات، في سلطة المجلس الرئاسي المشكل في أبريل/ نيسان الماضي مع القوى اليمنية الأخرى، مكسبا وتحديا له في آن واحد، لتعارض مشروعه السياسي مع مرجعيات السلطة الحالية، ما يثير أسئلة عدة، عن المكاسب التي حققها الكيان الجنوبي من هذه الشراكة في السلطة؟
وفي سياق هذا التحول للمجلس الانتقالي الذي يرفع شعار انفصال جنوب اليمن عن شماله، تبرز تحديات عديدة ماثلة أمامه، منها ما يتعلق بهويته السياسية، وكذا ثقله العسكري، إضافة إلى مستقبله، بعد الإعلان عن تشكيل لجنة أمنية وعسكرية لدمج التشكيلات المليشياوية التابعة للانتقالي في هيكلية وزارتي الدفاع والداخلية، وهو ما يقود إلى التساؤل حول الخيارات التي سيلجأ لها للحفاظ على مكتسباته.
كما يرى مراقبون أن الانتقالي يعاني حالة من الإرباك السياسي، أظهرتها جليا مواقفه المتذبذبة بين تبنّي الهدف الأساسي لتشكله أوساط عام 2017، والاستجابة لمتطلبات واستحقاقات المرحلة. فتارة يؤكد المجلس الانفصالي على مواجهة الحوثي واستعادة الدولة اليمنية، وتارة يعود إلى شعاره ومطالبه السابقة في الانفصال في نأي بالنفس عن تلك المعركة المصيرية.
"أزمة تحت الرماد"
وتعليقا على هذا الموضوع، يرى الكاتب والمحلل السياسي عبدالعزيز المجيدي أنه لا يمكن مناقشة حالة المجلس الانتقالي دون التعرض لظروف وملابسات تشكله والخلفيات التي جاء منها.
وقال المجيدي في حديث خاص لـ"عربي21": "فميلاد المجلس جاء في أعقاب أزمة نتجت عن إقالة عيدروس الزبيدي من موقع محافظ عدن من قبل الرئيس هادي عام 2017... وقبل ذلك في ظل علاقة مشدودة ومتوترة مع الإمارات ظهرت ملامحها الصريحة مطلع العام ذاته، عندما منعت أبوظبي طائرة هادي من الهبوط في عدن، بعد اشتباكات بين قوات تتبع الرئاسة وقوات موالية للإمارات".
وأضاف :"كانت هذه الأزمة تتفاعل تحت الرماد، حتى انفجرت بإقالة الزبيدي، الذي كان قد تمكن من إدخال قوات عسكرية كبيرة من الضالع إلى عدن، جنوبا، صحبة شلال شايع بدعم إماراتي كبير، فضلا عن تشكيلات الأحزمة الأمنية التي ظلت تدار من قبل الإمارات ذاتها.
وقد أعقبت الإقالة، وفقا للكاتب اليمني، تحركات من قبل الإمارات مع شخصيات جنوبية عديدة على رأسها الزبيدي لتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تبنى بصورة رسمية ودعم إماراتي فك الارتباط واستعادة الدولة، ورغم أنهم يتحدثون عن دولة جنوب ما قبل 1990، مشيرا إلى أنهم يؤكدون على أن يكون ذلك هو الجنوب العربي، وهو استدعاء للكيان الذي شكلته بريطانيا من ما يسمى "اتحاد إمارات الجنوب العربي"، ولم يكن وقتها يشمل حضرموت والمهرة، شرقي البلاد.
وتابع: "وهو شعار مرتبك، بقدر ما يحاول نفي يمنية الجنوب، فإنه يتحدث عن جنوب عربي واحد من المهرة إلى باب المندب، في ظل نزاعات وخلافات جنوبية كبيرة ودعاوى مختلفة، تتفاوت بين الدعوة للانفصال، والوحدة الفيدرالية والكونفيدرالية مع الشمال".
"إرادة إماراتية"
اللافت في الأمر -بحسب المحلل السياسي اليمني- أن المجلس ضم شخصيات كثيرة كانت موالية للرئيس السابق صالح، الذي تتهمه تيارات جنوبية متعددة بتقويض الوحدة بحرب 1994، وتبعاتها التي أدت إلى معاقبة مئات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين، وتهميش الجنوب في تركيبة السلطة.
وأردف قائلا: "رغم أن نظام صالح قام على أساس عصبوي أقصى من خلاله جميع اليمنيين شمالا وجنوبا باستثناء عصبته الطائفية الزيدية والقبلية".
واستطرد: "كان تشكيل المجلس الانتقالي تعبيرا عن إرادة إماراتية استثمرت في نزعات جهوية واحتقانات متراكمة.. فضلا عن آثار الانقلاب الحوثي مع الرئيس السابق، وارتكاب مجازر في المحافظات الجنوبية مع الحرب".
وقد دعمت الدولة الخليجية الانتقالي سياسيا من خلال لوبيات خارجية على المستوى الدولي، وكرسها طرف جنوبي وحيد بدعم عسكري كبير يتنافى مع المهمة التي رفعها التحالف العربي (تقوده السعودية) لتغطية تدخله في اليمن، وهي "استعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب"، حسبما ذكره المتحدث ذاته.
وقال المجيدي: "بعدها، تحول المجلس إلى أداة إماراتية، حصلت على دعم سعودي ضمني من خلال تسهيل سيطرته على عدن في أغسطس/ آب 2019، ودعمه عسكريا بغطاء جوي إماراتي، ليسجل التحالف انقلابا ثانيا مدعوما منه في المدينة الساحلية".
وأكد السياسي اليمني: "إلى حد كبير، حصل الانتقالي على مكاسب جعلته صاحب الكلمة الأولى (بعد كلمة الإمارات والسعودية بالطبع) في محافظات عدن لحج، الضالع أبين، جنوبا، وسقطرى (أرخبيل من عدة جزر في المحيط الهندي قرب خليج عدن)، ومؤخرا شبوة، شرق البلاد.
"مجرد ضيوف"
ويلفت إلى أنه جزء من" ترويكا" متناقضة صممها التحالف، يمكن ملاحظتها من خلال سلوك رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي، الذي يمارس مهام رئيس كيان يطالب بالانفصال، ويتحدث عنه كهدف سياسي لا رجعة عنه في كل مناسبة.
وأضاف: "وهو في الوقت عينه في موقع نائب رئيس مجلس قيادة جماعي باسم الجمهورية اليمنية، التي تحدث رئيسها في مناسبة 22 أيار/ مايو عنها كمناسبة لتحقيق الوحدة، كغاية مرتبطة بمستقبل اليمنيين ووجودهم".
اقرأ أيضا: نجاة مسؤول أمني تابع للانتقالي من الاغتيال جنوبي اليمن
وأوضح السياسي المجيدي: "بالتأكيد أصبح المجلس الانتقالي يتعامل مع شركائه المفترضين باعتباره صاحب الأرض، والبقية مجرد ضيوف"، مؤكدا أن الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي يمارسون مهاما شكلية، بينما السلطة الحقيقية بيد الانتقالي.
وأكمل: "أما القرار بالتأكيد فهو بيد أبوظبي والرياض".
"مكاسب عسكرية"
أما بالنسبة للمكاسب العسكرية التي حازها وكرسته سلطة فعلية على الأرض، رغم حرص الداعمين على ربط الكثير من التشكيلات العسكرية والأمنية بالممولين، ووجود شكل من الفصائلية في تركيبة تلك التشكيلات، مرجحا عدم تخلي المجلس عن تلك المكاسب.
وقال إن اللجنة العسكرية المنبثقة من إعلان نقل السلطة في ٧ أبريل الماضي، صيغة مهامها ليست واضحة ولا حاسمة، ولم تتحدث بشكل صريح عن عملية دمج، مقارنة باتفاق الرياض يبدو بند اللجنة سالفة الذكر عائما.. ولا يتحدث عن مصير التشكيلات على نحو محدد وواضح.
وأشار إلى أن هناك حديثا عاما عن مهمة "إرساء الاستقرار وإنهاء الانقسامات ومنع النزاعات المسلحة، والعمل على وضع التشكيلات تحت قيادة واحدة"، وهو ما ترك مساحة للتأويلات والتفسيرات لهذا البند المهم لأي طرف، على حد تعبيره.
اعتقد أن من صاغ الإعلان، عمد تماما إلى التلاعب بهذا البند المهم، وترك مساحة التأويلات والتفسيرات مفتوحة، ويمكن لأي طرف أن يؤول كما يشاء،
واعتبر المجيدي أن البند السابق رئيسي وجوهري، وحسمه يعني المضي باتجاه بناء المؤسسات السيادية للدولة، مستبعدا أن يمضي الحلفاء في ذلك، ولو كانوا يريدون ذلك، لكان بوسعهم فعله لمرة واحدة طيلة ٧ سنوات حرب.
واستدرك قائلا: "لا يعقل أن الذين دعموا وسلحوا التشكيلات خارج سيطرة السلطة الشرعية التي زعموا دعمها، أن يقرروا في لحظة عاطفية دمج هذه التشكيلات، وبالتأكيد مناط بها تنفيذ مهام وأجندة لمصلحة الممولين وسياساتهم، معبرا عن تمنياته في الوقت ذاته أن يدمج الجميع في مؤسسة واحدة، حتى لو كانوا بقيادة جنوبية خالصة، مع التخلص من الوصاية الخارجية.
"كيان طارئ"
وشدد الكاتب والسياسي المجيدي على أن الانتقالي ليس وليد حاجة داخلية جنوبية ملحة، فالكيانات الجنوبية التي تنشط على الأرض منذ قرابة 15 سنة، بالعشرات، وهناك زعامات وكيانات قادت الحراك الجنوبي الشهير، وواجهت القمع في عهد صالح.
لكن هذا الكيان الطارئ -كما يضيف الكاتب والمحلل السياسي اليمني- جاء تعبيرا عن إرادة خارجية وفرت له كل أسباب الدعم، بما في ذلك التسليح بالمخالفة للقوانين الدولية.
وقال: "حتى أولئك الذين كانوا يشاركون صالح قمع الحراك الجنوبي على رأس أجهزة أمنية وعسكرية، أو الموالين الخلص للرجل، صاروا الآن في الهرم القيادي للمجلس".
واختتم المجيدي حديثه قائلا: "ستظل تحركات المجلس الانتقالي مؤشرا لإرادة ورغبة الممولين، وحتى تناقضاته، انعكاس لإرادة أصحاب القرار في أبوظبي والرياض".
"مكاسب وخسائر"
من جانبه، قال الصحفي والناشط السياسي اليمني، صلاح السقلدي، إن هناك مكاسب وخسائر في آن واحد، لانضواء المجلس الانتقالي في سلطة المجلس الرئاسي وللقضية الجنوبية برمتها.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لكنه لو تم حساب الأمرين، وفق منطق الحقل والبيدر كما يقول مفهوم السياسة، فالخسائر السياسية أكثر من المكاسب".
وأشار الصحفي السقلدي، وهو من جنوب اليمن، إلى أن المكسب الأبرز يتمثل في "إخراج القضية الجنوبية من شرنقة المحلية إلى فضاء الاعتراف الإقليمي والدولي".
وتابع: "وهو الأمر الذي مكن قيادات الجنوبية بالانفتاح على الدبلوماسية الدولية، واعتراف هذه الأخيرة بقضية سياسية وطنية اسمها القضية الجنوبية باليمن، بعكس ما كان عليه الأمر قبل سنوات".
وأكمل: "حين كانت القضية وثورتها محصورة داخليا ومقموعة بقسوة دون غطاء وسند خارجي".
"ضبابية وقيود"
أما الخسائر، فيؤكد الناشط السياسي السقلدي أنها "كثيرة وكبيرة"، موضحا أن أخطرها يكمن في أن الانتقالي الذي يتصدر واجهة تمثيل القضية الجنوبية بالداخل والخارج، قد بدأ بانخراطه ضمن السلطة اليمنية بمجلس القيادة، وكأنه جزء منها، و يتماهى مع مشروعه (الرئاسي اليمني) على حساب مشروعه التحرري.
وحسب المتحدث ذاته، فإن هذا الأمر أضفى على القضية الجنوبية ضبابية سياسية قاتمة في نظر الداخل والخارج، بعد أن صار الانتقالي -بقصد أو دون قصد- مجرد حزب سياسي شأنه شأن الأحزاب المؤتلفة بذلك المجلس الرئاسي والحكومة.
فضلا عن ذلك، يلفت السقلدي إلى القيود التي وضعتها تلك الشراكة السياسية على معصم الانتقالي، وجعلته ملزما بتنفيذ التزاماته كجزء من سلطة حاكمة.
ومن أبرز تلك الشروط والتعهدات، وفقا للصحفي والناشط السقلدي، "إدماج القوات الجنوبية بمعطف وزارة الدفاع والداخلية".
وهو أمر يرى أنه يعني بالضرورة تقليم أظافر الانتقالي والجنوب كافة ونزع مخالبه، وذهابه إلى طاولة التسوية، وهو لا حول له ولا قوة أمام قوى مسلحة بكل أنواع الأسلحة، سواء الأسلحة الرسمية المتمثلة بالجيش والداخلية أو الحزبية والقبلية والملشياوية والجماعات الجهادية.
ويؤكد على أن "مشاورات الرياض والشراكة بالمجلس الرئاسي قد كبلت الانتقالي بقيود خطيرة منها إلزامه على دمج قواته.. وهذا الاختبار الأصعب له، وحجر الرحى التي وجد نفسه تحته".
وأردف قائلا: "فهو إما أن يقبل بهكذا دمج، ويكسب رضا التحالف، ويخسر بندقيته ويضع مستقبله السياسي في مهب الفشل، أو يرفض ويصطدم بالتحالف".
وقال: "وهو تحد أيضا تبعاته خطيرة على الانتقالي والقضية الجنوبية، أن يخسر في هذا الوقت الحساس حليفا استراتيجيا كالتحالف".
"تخبط وتيه"
وبين الناشط السياسي اليمني أن المجلس الانتقالي يعيش حالة تخبط سياسي وحالة من الشعور بالتيه؛ تتجلى بوضوح بخطابه، الذي أنتجتهما تبعات شراكته السياسية الأخيرة بمجلس القيادة، ولذلك يتأرجح بين خطابين متضاربين.
ويمضي بالقول: "فهو يحاول أن يرضي طرفين هما أصلا ذوا مشروعين متناقضين"، ويكمل حديثه أن معني ذلك يتمحور في "الخطاب الوحدوي الذي يقدمه المجلس الانتقالي وبلوغ صنعاء (الخاضعة لسيطرة الحوثيين) الذي تتبناه القوى الشمالية ومعها أيضا التحالف"، و"بين المشروع الجنوبي التحرري، إذ يحاول بالوقت نفسه ألا ينفصل عن تطلعات جماهيره بالجنوب ..حتى لا يخسر شعبيته أكثر إن هو ابتعد عن هذا الخطاب".
ويعتقد السقلدي أن الانتقالي بحاجة إلى مراجعة وإعادة تقييم لشراكته السياسية مع تلك القوى التي هي سبب نكبة الجنوب، وإعادة تقييم لعلاقته بالتحالف بخطاب صريح تكون القضية الجنوبية محور هذا التقييم والمراجعة قبل أن تتعقد الأوضاع في الجنوب وعموم اليمن.
اقرأ أيضا: السعودية توافق على تمويل مشاريع في اليمن بـ 400 مليون دولار
ويلفت إلى أن القضية الجنوبية -بكل صراحة- مغيبة تماما في أجندة التحالف، بعد أن رمى هذا الأخير بملفها إلى فوق طاولة حوار مزعوم مع أطراف الصراع، مضيفا أنه حوار غير معروفة ملامحه، وسيتم تحت رعاية أممية وليس خليجية بحسب بيان مجلس التعاون العربي بمشاورات الرياض.
وقال إن ذلك يعني أن السند الخليجي للجنوب سيكون غائبا بتلك الحوارات.
وخلص الصحفي والناشط السقلدي إلى أنه إذا لم يتدارك الانتقالي الأوضاع بقرارات شجاعة، فسيمضي بالقضية الجنوبية والوطن كله نحو هوة سحيقة لا قدر الله.
وتتلاشى حالة التفاؤل التي رافقت تشكيل المجلس الرئاسي بسرعة، في ظل عجزه بعد ثلاثة أشهر تقريبا من قدومه لواجهة السلطة اليمنية، من القيام بأي إصلاحات حقيقية لحالة التردي الشامل للأوضاع، وسط حالة من الانقسام وتضارب الرؤى بين أعضائه.
يضاف إلى كل ذلك تعمق الهيمنة السعودية والإماراتية على قراراته، وتحكمها بمجريات الأحداث في مناطق نفوذه جنوب وشرق البلاد.