هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أخيراً يقرر الرئيس الأميركي جو بايدن، بعد عامٍ ونصف العام على وجوده في البيت الأبيض، إبداء اهتمام بشؤون الشرق الأوسط، والقيام بزيارة ستكون وفق ترتيباتها تاريخية.
منطقة الشرق الأوسط بكل ملفاتها الحيوية من القضية الفلسطينية إلى إيران وتداعيات ملفها، إلى اليمن وسورية وليبيا والنفط، كل هذه القضايا التي تحفل بها المنطقة، لا تضعها على رأس أولويات السياسة الأميركية.
هذا لا يعني أن المنطقة لا تحظى باهتمام ولكنها ليست من بين أهمّ أولويات السياسة الأميركية، التي تتصدرها الصين وروسيا، لارتباط ذلك بمتغيرات دولية، من شأنها أن تؤدي إلى التأثير المباشر على النظام الدولي ومكانة ومصالح الولايات المتحدة.
بعد الهزيمة المخجلة التي تكبدتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون في أفغانستان، كان لا بد من تغيير ملحوظ على وجود ودور الولايات المتحدة في المنطقة، نحو تقليص هذا الوجود والدور، لصالح دور أكبر وأوسع تسنده لإسرائيل، عبر قيادتها لتحالفات وتعاون واسع مع دول المنطقة.
بايدن الضعيف، الذي تتراجع شعبيته في أوساط الناخبين الأميركيين، ويعلن بنفسه أن المجتمع الأميركي محبط، بسبب «كورونا»، والتضخم الاقتصادي أو غلاء البنزين والمواد الأساسية، بات يخشى من الخسارة في الانتخابات النصفية التي ستُجرى قبل نهاية هذا العام.
يحاول عبثاً بايدن أن يتغنّى بدور الولايات المتحدة في مواجهة روسيا وبسبب هذا الدور، تمتنع الصين، وفق ادعاءاته عن استعادة تايوان وتحقيق إنجاز في الشرق الأوسط عبر إنشاء حلف عربي سنّي إسرائيلي برعاية أميركية، يمكن أن يؤدي من بين أهدافه، إلى زيادة إنتاج النفط وتخفيض أسعاره، للتخفيف من أزمة الطاقة التي تعاني منها وتنتظرها أوروبا.
العنوان والهدف المعلن من قبل الإدارة الأميركية، هو أن الولايات المتحدة، تسعى لحماية أمن إسرائيل، ما يستدعي من بايدن وإدارته الامتناع عن اتخاذ أي قرار أو إجراء، يمكن أن يغضب الحكومة الإسرائيلية التي تبدي الولايات المتحدة ارتياحاً أكبر من تعاملها مع حكومة يقودها نتنياهو.
وبالمناسبة ففي الوقت المتبقي للقيام بهذه الزيارة التي تشمل إسرائيل وفلسطين، وتنتهي بقمة في جدّة، تجري الإدارة الأميركية اتصالات حثيثة لمواجهة احتمالات عدة، بسبب السيناريوهات التي تنتظر مصير حكومة بينيت.
حتى الآن لا يستطيع أحد التأكد من أن بايدن سيلتقي بينيت أم لابيد، أم نتنياهو، أم أن أزمة النظام السياسي ستنفجر من جديد من خلال حل الكنيست لإجراء انتخابات خامسة.
من بين الاحتمالات الممكنة، والتي من شأنها أن تؤثر على النتائج التي يمكن أن تخرج عنها قمة جدّة، أن يجد بايدن نفسه أمام عقبة عنوانها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لنقل إن السعودية أبدت استعداداً لاستعادة شيء من الحيوية في علاقتها مع الولايات المتحدة، خصوصاً بعد أن ابتلع بايدن تصريحاته المسيئة، ولكنه يعود ـ أي بايدن ـ ليعلن أنه لن يلتقي ابن سلمان خارج إطار القمة، وأنه لا يزال عند موقفه في قضية حقوق الإنسان وبضمنها قضية خاشقجي.
ولكن ثمة قضية أخرى على قدرٍ من الأهمية يختص بها الملف الفلسطيني، ليس حبّاً بالفلسطينيين ولا إغضاباً للإسرائيليين، وإنما محاولة لتخفيف اعتراضات بعض الدول العربية المدعوة للقمة، وحتى لا تبدو أنها تخون القضية الفلسطينية.
الإدارة الأميركية، تقدمت بأكثر من طلب ونصيحة لإسرائيل قبل قيام بايدن بزيارته، منها عدم تصعيد الوضع في الضفة، والقدس، والتوقف عن إجراءات أحادية الجانب، والتحقيق في اغتيال شيرين أبو عاقلة، ووقف هدم البيوت، والتوقف عن التوسع الاستيطاني.
غير أن السلوك الإسرائيلي يرفض كل ذلك ويخالف كل هذه الطلبات من قبل إدارة بايدن، فهي لا تزال تقوم باقتحام القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية وترتكب المجازر كما فعلت في جنين مؤخراً حيث أُعدم ثلاثة شبّان فلسطينيين.
وفي القدس لا تزال الشرطة والجيش الإسرائيليان يشاركان ويحميان المستوطنين المتطرفين، الذين لا يتوقفون عن اقتحام المسجد الأقصى، بل ولقد تصاعدت الدعوات التي تحرّض على تدمير المسجد الأقصى.
في الواقع فإن بايدن لم يدّعِ أنه قادم للمنطقة لدفع العملية السلمية، والتقدم نحو إجراء مفاوضات مباشرة، أو غير مباشرة، ذلك أنه في الأساس يدرك أن حكومة بينيت ترفض رفضاً قاطعاً وجذرياً التعاطي مع السلطة بآفاق سياسية، أو التعامل مع أي مبادرة باتجاه تحريك عملية السلام.
حكومة بينيت هي الأولى التي تعلن بوضوحٍ شديد، ومن دون مراوغة أو مناورة، أنها لا يمكن أن تجري أي مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين. ومسؤولية تعطيل أي مبادرة سياسية لاستعادة العملية السياسية تتحملها إسرائيل، والولايات المتحدة على رأس القوى الدولية التي تتحمل مسؤولية عن تعطيل وانتكاسة اتفاقية أوسلو والعملية السياسية برمّتها.
الفلسطينيون يدركون هذه الحقائق، وهم بالتأكيد لا يُعوّلون على إمكانية تحقيق أي تحريك في عملية السلام خلال السنوات الأربع للإدارة الأميركية، لكنهم يتطلعون لأن تنفذ إدارة بايدن التعهدات التي قطعتها على نفسها، خلال الانتخابات وما بعدها، والتي لم تنفذ الإدارة منها شيئاً حتى الآن باستثناء ما له علاقة بـ «الأونروا».
ولكن هل ثمة إمكانية لأن تنفذ إدارة بايدن ما تبقّى من تلك الوعود أو بعضها والتي تعود الإدارة للتأكيد عليها مراراً؟ ثمة شك عميق في أن تبادر إدارة بايدن قبل أو خلال زيارته، لتنفيذ ما يوجب تنفيذه سواء ما يتعلق بمكانة منظمة التحرير ومكتبها في واشنطن أو ما يتعلق بالقنصلية الأميركية في القدس، أو حتى ما يتعلق بعودة الدعم الأميركي لخزينة السلطة والمجتمع الفلسطيني، وإن حصل شيء من هذه الوعود أو غيرها، فلن يكون سوى ذر للرماد في العيون، وبشرط ألّا تغضب إسرائيل.
(الأيام الفلسطينية)