سياسة دولية

وثائق تكشف عن تأييد الرياض والدوحة سرا لزيارة السادات للقدس

واجهت الزيارة انتقادات عربية علنية عنيفة
واجهت الزيارة انتقادات عربية علنية عنيفة

كشفت وثائق سرية بريطانية أن السعودية وقطر أيدتا سرا، زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس المحتلة عام 1977 والتي تمخضت عنها اتفاقية كامب ديفيد، على عكس مواقفهما المعلنة.


وتؤكد وثائق يكشف عنها لأول مرة أن السادات فاجأ، بالفعل، إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر التي باشرت حملة دبلوماسية عالمية لدعم خطوة الزعيم المصري، وفق تقرير لـ"بي بي سي".

ويليام كوانت، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي، كشف للبريطانيين عن أن الأمير فهد بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي في ذلك الوقت "أظهر للأمريكيين بالفعل أنه يؤيد الآن السادات سرا"، وفقا لتقرير من السفير البريطاني في واشنطن.

وفي أوائل كانون الأول/ ديسمبر، طلب محمد سامح أنور، السفير المصري في لندن لقاء وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية فرانك جو، وأبلغه بأن "السعوديين يؤيدون نهج السادات".

ووفق سجل اللقاء، فإن الوزير حرص على معرفة موقف السعودية من مبادرة السادات. وأكد أنور له أن مصر "تتمتع بمساندة المملكة العربية السعودية". وأشار إلى أن المشكلة لدى السعودية هي فقط أنها لم تُستشر قبل الزيارة. وقال: "السعوديون كانوا إلى حد ما منزعجين لأنهم لم يُستشاروا، ولكن التشاور لم يكن ممكنا".

ونقل السفير البريطاني في السعودية عن المستشار السياسي في السفارة الأمريكية في الرياض قوله إن الأمير أحمد الثنيان، نائب وزير الخارجية السعودية حينئذ، أبلغ السفير الأمريكي بأن "البيان السعودي بشأن زيارة السادات كان معتدلا. ومبعث قلقهم الأساسي هو أنه إذا ثبت عدم نجاح زيارة السادات، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إضعاف موقف العرب المعتدلين بشأن قضية الشرق الأوسط، وإلى تعزيز الموقف الراديكالي".

وفي لقاء آخر مع جون ويلتون، السفير البريطاني في الرياض، يوم 17 تشرين الأول/ نوفمبر، قال الثنيان: "اقتراح السادات (بزيارة القدس) فاجأ السعوديين بقدر ما فاجأ كل شخص آخر".

غير أنه قال: "ليس لدى السعودية وجهات نظر صارمة بشأن تفاصيل أي تسوية باستثناء موضوع القدس الذي تكرر موقفها بشأنه. من ناحية أخرى، فهي تعتبر التفاصيل شأنا يخص دول المواجهة المعنية. وفي ما يتعلق بزيارة السادات، فإن الثنيان آثر الانتظار لمعرفة ما سيحدث".

لم تكن السعودية وحدها التي أيدت السادات، وفق ما قال المصريون والأمريكيون.

فقد أيدت قطر زيارة القدس، حسبما أبلغ السفير البريطاني في الدوحة حكومته، بعد 5 أيام من عودة السادات من القدس المحتلة.

وقال السفير ديفيد كراوفورد: "اتخذ الأمير (خليفة بن حمد آل ثاني، جد الأمير الحالي تميم بن حمد)، سرا، موقف مساندة حذرة لمبادرة السادات. ونصح في ما يبدو مندوبي سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية (في قطر) بالتريث بعدم الهجوم قبل معرفة نتائجها".

لم يكن السفير قد التقى بالأمير بعد. غير أنه التقى بمستشاره، وهو الدبلوماسي المصري حسن كامل، الذي "أبلغه بأن خليفة قبل نصيحته بمساندة السادات وبتهدئة ردود الفعل العربية العاطفية، كلما أمكن".

وكان خليفة قد تولى الإمارة، بعد خلعه ابن عمه واستيلائه على السلطة، في شهر شباط/ فبراير 1972، أي قبل زيارة السادات للقدس بخمس سنوات.

ولم يكتف أمير قطر بتأييد المبادرة سرا، بل إنه سعى لدى الأمريكيين والأوروبيين، كما أبلغ كراوفورد وزارته، كي يعملوا على إنجاحها.

ونقل السفير البريطاني عن كامل قوله إن الخوف على المستقبل "حمل الأمير على تحذير السفير الأمريكي (وساورته رغبة في إبلاغ ممثلي أوروبا الغربية بالنقطة نفسها) من أنه لو استمر الغرب في مساندة العناد الإسرائيلي بعد لفتة السادات، فإنه هو وأمثاله الذين تربوا على احترام المثل الثقافية والأخلاقية الغربية، سوف يضيعون في الطوفان الناجم عن هذا".

وأضاف المستشار الأميري، نقلا عن الأمير، قوله إنه "إذا أريد ألا يخرج الوضع في الشرق الأوسط عن السيطرة، فإنه يجب أن يعمل الأمريكيون على إنجاح زيارة السادات بممارسة ضغط شديد على إسرائيل".

في الوقت نفسه، فإن السفير نقل تقييمه، من خلال اتصالاته بالدبلوماسيين العرب في قطر، الذي خلص إلى أن هؤلاء العرب لا يمكنهم تصور أن السادات ذهب إلى القدس بدون رسائل دعم سرية من زعماء عرب آخرين".

وقال إنهم "يعتبرون أيضا ردود الفعل العربية العنيفة الحالية متعمدة لجلب تنازلات إسرائيلية ضرورية من أجل تحقيق تسوية مقبولة".

من جهة أخرى تكشف الوثائق البريطانية أن فكرة زيارة القدس المحتلة كانت فكرة ساداتية خالصة استهدفت كسر الحاجز النفسي بين العرب وإسرائيل.

وبحسب السفارة البريطانية في واشنطن فإنه "لا شك في أن الإدارة الأمريكية فوجئت"، بل إن زبغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي حذر من عواقب فشل الزيارة على الوضع العام في الشرق الأوسط.

وتقول الوثائق إنه في سياق مساعيها لدعم السادات، بدأت واشنطن، فور قبول السادات دعوة بيغين، حملة دبلوماسية عالمية.

وبعث سيروس فانس، وزير الخارجية الأمريكي، برسالة مفصلة إلى عشرات السفارات الأمريكية في أنحاء العالم يطلب منها "العمل، لدى الدول التي توجد بها، على حشد التأييد للسادات".

وقالت الرسالة: "أصدقاؤنا العرب أبلغوا الولايات المتحدة بأن العرب يرغبون في السلام مع إسرائيل، وعلى هذا فإننا نبني سياستنا في مواجهة الانتقادات القوية المتكررة لهذه السياسة".

وأضافت: "من الواضح أن السادات ينوي التحدث باسم قضية العرب كلها في إسرائيل وأن يضغط من أجل مفاوضات شاملة في جنيف لا تشمل مصر فقط، بل سوريا والأردن ولبنان والفلسطينيين".

وفي أعقاب الزيارة تعرض السادات، وأنظمة الحكم المصرية المتعاقبة، لاتهامات بالتضحية بالمصالح الفلسطينية والعربية من أجل إبرام صلح منفرد مع إسرائيل بهدف استعادة سيناء. غير أن السادات ظل يحتج بأنه منح الفلسطينيين والعرب فرصة للتفاوض مع الإسرائيليين لاستعادة حقوقهم لكنهم رفضوا.

وتكشف الوثائق أن الأردن رأى أن أزمة نظام حكم السادات الداخلية كانت السبب الأكبر وراء إقدامه على مبادرة زيارة القدس.

وينقل الوزير البريطاني عن السفير الأردني في لندن قوله إن "التحليل الأردني هو أن الصعوبات الداخلية التي يواجهها السادات ساهمت بأكثر من 50 في المئة في دوافع زيارته للقدس".

وأضاف السفير، وفق سجل الحوار بينه وبين جو، أنه "كان يتعين على السادات أن يتصرف، وكان الاختيار هو القدس أو الحرب".



0
التعليقات (0)

خبر عاجل