ملفات وتقارير

هل صناعة الدراما لها الأولوية على المساجد وقوت المصريين؟

انتقد مراقبون حالة البذخ الذي تبدو عليه صورة الشارع والبيوت المصرية بمسلسلات رمضان
انتقد مراقبون حالة البذخ الذي تبدو عليه صورة الشارع والبيوت المصرية بمسلسلات رمضان
الكثير من الجدل في الشارع المصري، تثيره الدراما الرمضانية التي تربو هذا العام على 35 مسلسلا وعشرات الإعلانات التجارية والبرامج الحوارية التي تشرف عليها جميعا الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، التي تديرها جهات سيادية مصرية.

وانتقد مراقبون حالة البذخ الذي تبدو عليه صورة الشارع والبيوت المصرية بمسلسلات رمضان، والتي تتناقض كثيرا هي وأجور الممثلين والمخرجين العالية، مع ما يواجهه المصريون من أزمات اقتصادية، وفقر، وغلاء، وتفاقم للتضخم في نفس توقيت تصوير تلك الأعمال.


هذه الانتقادات، طالت أيضا الإعلانات التجارية التي تتخلل عرض المسلسلات في رمضان، وخاصة حالة البذخ البادية في أسعار شراء الفلل والمنتجعات والتي لا تناسب شعبا يعيش نحو 60 بالمئة منه تحت خط الفقر وفقا لتقرير للبنك الدولي في أيار/ مايو 2019.

 


حالة الغضب بالشارع المصري من الإعلانات التجارية، ضاعفها وجود العشرات من الإعلانات المصاحبة لها تدعو المصريين للتبرع لمستشفيات الأطفال والسرطان وأمراض القلب والكبد، ولإطعام وكساء الفقراء.

منتقدو تلك الحالة، أعربوا عن تعجبهم من أن يكون الصرف على دراما وإعلانات وبرامج رمضان بهذه الطريقة في الوقت الذي تعيش فيه مصر على الديون والاقتراض من صندوق النقد، وغيره من المؤسسات المالية الدولية ومن الدول الخليجية، وانخفضت قيمة عملتها في أيام لنحو 18 بالمئة.

وتساءلوا لماذا لم تتأثر دراما رمضان بالحرب الروسية الأوكرانية –اندلعت 24 شباط/ فبراير الماضي- كما تأثر رغيف خبز الفقراء وارتفعت أسعار طعامهم؟

السياسي المصري حاتم أبو زيد، كتب عبر "فيسبوك"، يقول: "بلد تعيش بالديون وظروفها صعبة وتشحت من أجل إنتاج مسلسلات بالمليارات، أجور الممثلين بعشرات الملايين، ولم تتأثر بالحرب الروسية الأوكرانية، لكن رغيف الخبز لا يصح دعمه، وسعر الغذاء يتأثر بالحرب".


وفي السياق، وإلى جانب غضب المصريين من حالة البذخ في الدراما والإعلانات، فلقد أثار تصريح لمستشار مفتي مصر الشيخ مجدي عاشور، جدلا واسعا حينما قال الخميس الماضي، إن دقيقة واحدة من الأعمال الدرامية أفضل من 100 خطبة في المساجد.

عاشور في دعايته عن الجزء الثالث من مسلسل "الاختيار3"، قال لبرنامج تليفزيوني بفضائية "CBC": "أي مسلسل يؤدي إلى قيمة أخلاقية ويكرس الوعي مثل مسلسل الاختيار نحن في أمس الحاجة إليه"، وأن "الدراما التي تحمل قيمة تنمي الوعي، وأن دقيقة دراما تساوي 100 خطبة جمعة".

سيل من الانتقادات لحديث عاشور، بينها لأستاذ العلاقات العامة الدكتور محمود يوسف، الذي تساءل: "في أي مرجع علمي وجدت هذه المعلومة؟ وما هي الدراسة العلمية التي خلصت إلى هذا الرأي؟" قائلا: "لا يحق لك وأنت في هذه المكانة أن تقول كلاما مرسلا لا سند له من علم أو دراسة".

وأضاف متسائلا عبر "فيسبوك": "هل الدراما تقدم الوعي، وخطبة الجمعة تقدم المجون والخلاعة والفسق والفجور؟ كيف طاوعتك نفسك أن تعقد مقارنة بين مضمون قد يرد على لسان شخص غير مؤهل ليكون قدوة، أو فنانة شبه عارية، أو نموذجا يتأهب لزنا محارم، وبين خطيب جمعة يشرح قيم الدين وأهدافه".

وتابع: "ما دامت الدراما هكذا في رفعتها وتعاظم تأثيرها، وما دامت خطبة الجمعة لا تقدم وعيا ولا تأثيرا، وأنت في هذا الموقع والمكانة قل لنا أسباب تدني الخطبة وعجزها عن إحداث التأثير، قدم دراسة علمية عن أساليب النهوض بها، والارتقاء بمضمونها، ولا أستبعد أن يأتي يوم نستبدل فيه خطبة الجمعة بحلقة من مسلسل".
 

 

"من الرسالة إلى التجارة"

وحول ما يوجه للدولة من انتقادات لاهتمامها بصناعة الدراما وتقديم مسلسلات رمضان ومنحها أولوية عن طعام المصريين، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب، إن "الإنفاق ببذخ على الإعلانات والدعاية والإعلام، لا علاقة له على الإطلاق بالأحوال الاقتصادية في مصر".

في حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "الإعلام في مصر حاليا صناعة وتجارة وأرباح، ومنذ فترة طويلة تزيد عن 40 عاما، تحول الإعلام من رسالة إلى تجارة تستهدف الربح، حدث ذلك في ظل ظهور الفيديو، ثم الفضائيات بعد ذلك، ثم إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي".

وأكد أنه "منذ ذلك الحين، دخل الإنتاج التلفزيوني منافسة مع السينما؛ وانتهت للأبد فكرة التلفزيون أو الإعلام كخدمة للتنمية وتهذيب السلوك، ودفع المجتمع للأفضل، وأصبح الربح هو الهدف، وصارت مسلسلات رمضان كإعلانات مدفوعة الأجر للدعارة، وترويج المخدرات وغيرها".

وتابع الخبير المصري: "ومن هنا فإن الدولة تحصل على أرباح من الإنتاج الدرامي والإعلامي، وهي أرباح كبيرة جدا؛ صحيح أنها على حساب المجتمع، وعاداته وتقاليده ومستقبل أولاده، لكنها تظل أرباحا".

وعن حالة البذخ الشديد في مسلسلات وإعلانات رمضان وتسويق العقارات المفرطة في الثمن، قال عبد المطلب: "هناك اعتقاد بوجود أموال كثيرة تحت البلاطة المصرية، وهذه حقيقة لا يُنكرها أحد".

وأضاف: "هناك ملايين المصريين، ما بين 10 إلى 20 مليون مصري يمتلكون ثروات تقترب من مليار جنيه، وهؤلاء يمثلون نحو 18 بالمئة من المصريين، وهؤلاء هم المستهدفون من تلك الحملات الترويجية للعقارات الفاخرة، بعضها يتم الترويج له كنوع من الاستثمار وليس الاستهلاك".

وحول تزامن حالة البذخ تلك مع ما تعانيه مصر من فقر وغلاء وديون وقروض جديدة، لفت الخبير الاقتصادي إلى أن "الديون المصرية بالتأكيد مرتفعة، وتزيد كل يوم، وطبقا للبيانات الأخيرة فإن مصر حصلت خلال العام 2020، على نحو 10 مليارات دولار، منها نحو 5.5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ونحو 3 مليارات دولار من السندات السيادية بالأسواق المالية العالمية".

 

اقرأ أيضا: عمرو واكد عن "الاختيار 3": مسلسل كوميدي

"بهذه الحالة فقط"

وفي تعليقه على قول مستشار مفتي الجمهورية بمصر إن دقيقة واحدة من الأعمال الدرامية أفضل من 100 خطبة في المساجد، قال المفكر الإسلامي الدكتور وصفي أبوزيد: "مما لا شك فيه أن الفنون مهمة، ولها تأثيرها الكبير في تكوين الوعي وتشكيل الرأي العام".

عضو "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "وبالفعل فإن مشهدا واحدا من المشاهد الفنية يؤثر بشكل واسع في طبقات شتى".

وأوضح، أن "هذا لا يعني التقليل من شأن الخطبة، فالخطبة لها وظيفتها ومهمتها التي لا تؤديها الفنون، وإن كانت الخطابة بذاتها فنا من الفنون".

ويرى الداعية والأكاديمي المصري، أن "المشكلة تأتي دائما من التطبيق، فما يُعرض في التليفزيون المصري والقنوات الفضائية الخاصة تحت حكم سلطة طاغية باغية، ومنه مسلسل الاختيار، هو تضليل للوعي، وتزوير للتاريخ وافتراء على الحقيقة، ومن هنا فالفنون لا يمكن أن تُقبل إذا كانت على هذا النحو".

وأكد أنه "بقدر ما تكون الفنون خادمة للشرع ومحققة لمقاصده تأخذ حكمها الشرعي، فللوسائل أحكام المقاصد، كما قال العز بن عبد السلام، والمقاصد الشريفة لا يمكن الوصول إليها بوسائل خسيسة".

وقال إن "تزييف الوعي، وقلب الحقائق، وتزوير التاريخ، وغير ذلك من قيم زائفة لا يمكن أن يكون إلا مضللا للرأي العام، ومغيبا للحقائق عن العقل، بل قالبا لها، وهذا ضد مقصد حفظ العقل".

وختم حديثه بالتأكيد أن "العقل لا يُحفظ فقط بتحريم المسكرات من ناحية العدم، ولا بتحصيل العلم من ناحية الوجود، وإنما أيضا بالإعلام صاحب الرسالة، وبالفنون ذات التأثير الإيجابي تعبيرا وتغييرا وتأثيرا".

"3.5 مليارات جنيه"

وفي السياق، انتقد الكاتب الصحفي وائل قنديل حالة الإسراف على دراما رمضان، مشيرا في مقال له إلى أن النظام "يُجوع الناس، وينفق بكل هذا البذخ لإنتاج أكاذيبه الشخصية وتقديمها في عبوات درامية باهظة الكلفة".

وأضاف: "هذا الذي يتسوّل باسم المكذوب عليهم، ويقف على أبواب العالم يطلب المعونات، مرددا (حالنا صعب قوي) لم يجد صعوبة، ولم يستشعر خجلا وهو يوجه كل موارد الدولة للإنفاق على ما يحبه من أكاذيب، جرت تعبئتها في 35 مسلسلا دراميا".

وأشار إلى أنه في أقلّ التقديرات، "المسلسل الواحد يكلف نحو مائة مليون جنيه على الأقل، بين أجور ممثلين وتكاليف إنتاج وتصوير وإخراج، وبقية عناصر العمل الفني"، لافتا إلى أن "بضرب 35 مسلسلا في مائة مليون جنيه، تكون الحصيلة 3500 مليون جنيه، أي ثلاثة مليارات ونصف المليار جنيه".

2
التعليقات (2)
khwater
الثلاثاء، 05-04-2022 11:06 ص
قول المؤرخ الفرنسي ???? غوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب"، ان الجنرال الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت عند عودته إلى بلاده فرنسا راجعًا من مصر سنة 1801، أخذ معه كتاب فقهي في شرح مذهب الإمام مالك بن أنس اسمه "شرح الدردير على متن خليل"، ويعتبر الفقه المالكي أول فقه إسلامي رافق الأوروبيين. هذا الكتاب الفقهي الذي أخذه بونابرت معه ، يقول لوبون، إنه بنى عليه القانون الفرنسي الذي كان أحد أهم أسباب نهضة أوروبا ، خاصة في مادة الأحكام والعقود والالتزامات، ليكون بذلك للفقه الإسلامي خاصة المالكي أثر كبير في التشريع الفرنسي خاصة مدونة الفقه المدني المعروفة بمدونة نابليون ، و صيغت منه قوانين الإدارة والتجارة والزراعة والعلاقات الفردية والعلاقة بين المواطن والنظام والعلاقات الدولية .. ثم اصبح اساس كل القوانين الاوروبية الغربية الحديثة . وفي هذا ويقول المؤرخ الإنكليزي ???? "ويلز" في كتابه "ملامح تاريخ الإنسانية" : (إن أوروبا مدينة للإسلام بالجانب الأكبر من قوانينها الإدارية والتجارية ..) . كما ان القانوني الكبير "فمبري" قال : (إن فقه الإسلام واسع إلى درجة أنني أعجب كل العجب كلما فكرت في أنكم لم تستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانكم وبلادكم ..) . ويقول "أدموند بيرك" : (إن القانون المحمدي قانون ضابط للجميع من الملك إلى أقل رعاياه ، وهذا القانون نسج بأحكم نظام حقوقي ، وشريعة الإسلام هي أعظم تشريع عادل لم يسبق قط للعالم إيجاد نظام مثله ، ولا يمكن فيما بعد ..) . ويقول "لين بول" في كتابه "العرب في أسبانيا" ???? : (فكانت أوروبا الأمية تزخر بالجهل والحرمان ، بينما كانت الأندلس تحمل إمامة العلم ، وراية الثقافة في العالم). في وقت كانت أوروبا ???? همج رعاع ، حينما قام علماء اوروبا بتعلم العربية وترجمة كتب الفقه الاسلامي والقوانين الحاكمة للمجتمع المسلم ونسخها كقوانين معدلة في أوروبا . وقتها ابتعدنا نحن عن كتبنا تحت تأثير الخرفان المقلدين للغرب الذين نقلوا من الغرب أسوأ ما فيه من عربدة وانحلال .. تقدم الغرب وقام بتطوير تلك القوانين مع الوقت وتخلفنا نحن تحت قيادة الحثالة من البشر . لأن البعض يتخيل أن الأوروبي الأبيض استيقظ الصبح وجد نفسه متحضر متقدم يسير على القمر ويطير في الفضاء واليوم حتى بعد 200 سنة من انهيار المسلمين بعض الذيول تتخيل أننا كمسلمين سبب خراب الكون وان الاوروبي الأبيض سبب السعادة .. وبعد هذه السنين الطويلة من عقدة النقص وطلب التقليد ، لم نقلدهم في جوانبهم المتحضرة ، ولم نرجع لشريعتنا التي نسخوها منا .
الحوت
الإثنين، 04-04-2022 08:22 م
العسكر من ايام عبدالناصر حتى الان خونه وعملاء ولكى يحصلوا على المال والسلطه لابد لهم من محاربة الاسلام وافساد الشعب ولو لحظنا ان كل من يفسد هم من يتعاطون ملايين الجنيهات بدايه من التمثيل والرقص والاعلام الى كرة القدم طالما هتفسد الشعب وتجعله جاهل علميا وجاهل دينيا تأخذ ملايين اللهم ارنا فى السيسى وكل من يتبعه فى الشهرالكريم

خبر عاجل