هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتشاغل السياسيون في الأردن بالصراعات، فيما بينهم، وضد بعضهم بعضا، بما يكشف أن كل الطبقة السياسية، تترصد ببعضها بعضا، بطريقة مريعة، تعبر عن سوء هذا المشهد.
كل الأولويات في الأردن غائبة، وأهمها تحسين الوضع الاقتصادي، وحل مشكلة البطالة، وترميم الروح المعنوية للأردنيين، واستعادة الثقة بين الناس، والمؤسسة الرسمية، إضافة إلى أخطار الجوار، وغير ذلك من أزمات تبدأ بملف المياه، وتمر بالصحة والتعليم، وتنتهي بكل شيء.
على هامش اولويات الأردنيين، يجد السياسيون وقتا للتنابز بالألقاب، والطعن في الظهر، وتبادل الاتهامات، فيما بينهم، والأدهى والأمر، أن كل واحد منهم يريد ذات الهدف، أي تبرئة تجربته، وتحميل وزر الوضع الحالي للآخرين، وهذه ظاهرة بتنا نراها خلال السنوات القليلة الماضية، وربما لم تستثن أحدا من السياسيين، فالكل يعبر عن صراعاته الصغيرة بطريقته المكشوفة.
هذا الوضع تسبب أيضا بتواري سياسيين محترمين عن الأنظار، فقد قرروا الابتعاد وترك هذه المناطحة لمن يريدها؛ لأنهم يعلمون أنها غير منتجة، ومحرقة شخصية، فوق أنها تجتذب ردود فعل سيئة من الأردنيين الذين يقصفون اليوم كل سياسي حالي، أو سابق، ويسألونه عن تجربته وماذا فعل هو أيضا، مع إعرابهم عن عدم تصديقهم لكل هذه الحكمة التي يفيض بها علينا.
أزمة السياسيين في الأردن، تكمن في الأساس، أن كل واحد منهم يريد أن يكون عراب المرحلة، وإلا فالأردن خربة، على كل المستويات، كما تتجلى أزمتهم في كونهم كانوا يشتكون سابقا من غيابهم عن مراكز القرار، بعد خروجهم، وعدم حصولهم على تحديث للمعلومات حول آخر القضايا، مما دفع عمان العليا، ذات مرحلة، إلى تحديث معلومات كل السياسيين السابقين بشكل منتظم، حتى لا يتذرعوا بغياب المعلومات عند حركتهم، أو حديثهم، أو نشاطاتهم، لكن الذي حصل كان أسوأ، حيث اختبأ جزء منهم وفضل الابتعاد عن مواجهة الجمهور، وقام جزء آخر بمواصلة اللعبة ذاتها، أي البحث عن شعبية، ومحاولة التحلي بجرأة زائفة، في وقت كان الجمهور قد وصل إلى رأي يقول؛ إن كل هذه الطبقة مسؤولة عما نحن فيه، ولا نستثني منهم أحدا وفقا لتعبيراتهم.
لا يحرم على السياسي أن يتحدث، ولو عدنا إلى أرشيف التصريحات التي أدلى بها سياسيون، ووزراء سابقون، وغيرهم، في برامج تلفزيونية، أو ندوات، أو مقالات، أو جلسات، لوجدنا فيضا من هذه التصريحات، الحافلة بالغمز واللمز من غيرهم، وإذا حللنا الصورة الإجمالية، وصدقنا تماما ما يقولون، فإن الخلاصة تقول؛ إن من يحكم الأردن هم الأشباح، وليسوا هؤلاء، وكأننا أمام فاعل مبني للمجهول في هذه الديار، التي أكلنا وجهها بسوء أفعالنا، وتدبيرنا، ومصالحنا الصغيرة.
هذا الكلام ليس تجريما في المطلق بحق أي سياسي يتحدث في الأردن، فلا أحد له حق منع الكلام، لكننا أمام ظاهرة نادرة في العالم، شخوص المعارضة، تؤدي دورا يتشابه مع ذات دور شخوص الموالاة، أو لنقل العكس، وكأن الطرفين اتفقا على نقد الواقع، مع اختلاف الدوافع في كل حالة، ووفقا للشخص، ومضمون كلامه، وإذا كان هذا المشهد يعبر عن خطورة جوهرية، وهي خطورة لا يمكن التخفيف منها، عبر الحديث عن حرية النقد ومشروعيته، فإننا أمام الظاهرة الأكثر غرابة، فالكل يطلق النار، لكن الفرق أن المعارض يطلقها مع صراخ وعويل، فيما المسؤول السابق والموالي يطلقها مع بسملة، وقليل من العسل الذي يتم به طلي الكلام، لجعله أقل كلفة، وأهون على السامعين، وكل هذا يصب على العصب العام في الأردن، ويحرف اتجاهات البوصلة.
لنتوقف عن كل هذه الصراعات، وهذا التشاغل غير المنتج، وقدح بعضنا بعضا، ولنسأل بعيدا عن الشخصنة، إلى أين يسير الأردن، فيما إذا أصروا على مواصلة لعبة قدح بعضهم بعضا فليكملوا، ودعونا نتسلى ونتفرج، في هذه البلاد الطيبة التي امتحنها الله بالصبر، هي وأهلها.
العمل السياسي يفرض على صاحبه التقدم بوصفة حل مفيدة أو برنامج مقنع، بدلا من الرقص في السيرك، حيث لم نعد نفرق بين الأسد، والقرد، والمهرج. أيها السادة الكرام في عمان وأخواتها؛
هذه بلاد لا تستحق منا كل ما نفعله فيها.. أليس كذلك؟
نقلا عن (الغد)