قضايا وآراء

بين السياسة والرياضة.. ملاحظات أساسية حول كأس الأمم الأفريقية 2022

ماجد عزام
1300x600
1300x600
يمكن تسجيل ملاحظات أساسية حول كأس الأمم الأفريقية 2022 الجارية الآن في الكاميرون من ثلاث زوايا رئيسية: الجدال حول البطولة نفسها بما في ذلك موعد إجرائها في الشتاء، بذروة المنافسة في البطولات الأوروبية "الخمس الكبرى "التي يلعب فيها أفضل نجوم القارة مع استثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها، ثم إصرار الكاميرون ومسؤولين أفارقة على إجراء البطولة في موعدها المقرر في كانون الثاني/ يناير الجاري بغض النظر عن جاهزية البلد من عدمها، علماً أنها كانت مؤجلة أصلاً من العام الماضي 2021، وأخيراً المستوى الفني الهزيل الذي شهدته البطولة، ولا ينفصل في الحقيقة عن المعطيات والملاحظات السالفة الذكر.

اندلع سجال حول موعد إجراء البطولة في الشتاء في ذروة الموسم الكروي بأوروبا، وبدت الأندية الكبرى من قبيل ليفربول ومانشستر سيتي وتشيلسي وميلان وإشبيلية وباريس سان جيرمان، وأندية أخرى عديدة، مجبرة على التخلي عن لاعبيها الأفارقة وفق القواعد التي يحددها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، رغم محاولات يائسة لمنع ذلك بحجج وذرائع متعددة منها المتحور الجديد من كوفيد 19.

ولا شك أن السجال شابته سمات عنصرية تستخف بالبطولة الصغيرة الضعيفة والهامشية، حسب التعبيرات المستخدمة، مع نبرة تعالي تجاه القارة الأفريقية بشكل عام. وبالتأكيد كان يجب إبداء الاحترام الكافي للبطولة من حيث المبدأ، بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى، كما فعل مثلاً مدرب كريستال بالاس، اللاعب الدولي الفرنسي السابق باتريك فيرا، وآخرون، مع نقاش موضوعي حول موعدها غير المناسب والمجحف فعلاً بحق الأندية الأوروبية التي تدفع رواتب عالية للاعبيها، وليس من المنطقي أن تخسرهم لأسابيع طويلة (شهر تقريباً) في ذروة المنافسة على الألقاب المحلية.
السجال شابته سمات عنصرية تستخف بالبطولة الصغيرة الضعيفة والهامشية، حسب التعبيرات المستخدمة، مع نبرة تعالي تجاه القارة الأفريقية بشكل عام. وبالتأكيد كان يجب إبداء الاحترام الكافي للبطولة من حيث المبدأ، بغض النظر عن أي تفاصيل أخرى

أما فكرة أن بعض الدول الأفريقية غير قادرة على استضافة البطولة سوى في الشتاء، بسبب الظروف المناخية الصعبة وموسم الأمطار صيفاً، فهي حجة لا تصمد أمام أي نقاش واقعي ومنطقي، خاصة مع إمكانية منح هذه الدول شرف تنظيم بطولات أفريقيا للمحليين والشباب والناشئين، كما تنظيم مباريات ودية استعراضية منتظمة فيها لكبار النجوم القارة والعالم برعاية مباشرة من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" ونظيره الأفريقي "كاف".

وفي هذا الصدد، حسناً فعل الاتحادان باعتماد الروزنامة الصيفية للبطولتين القادمتين (2023 و2025)، كما جرى فعلاً في البطولة قبل الأخيرة في القاهرة (2019)، ودائماً ضمن أجندة "فيفا" الدولية، وطبعاً بعد انتهاء الدوريات الأوروبية وحتى الأفريقية الكبرى (المغرب وتونس ومصر وجنوب أفريقيا)، تماماً كما هو الحال مع بطولتي أمم أوروبا وأمريكا الجنوبية.

الجدال احتدم أكثر حول البطولة وموعدها مع تولي أحد أساطير الكرة الكاميرونية والأفريقية، وهو صامويل إيتو، رئاسة اتحاد الكرة في بلاده. إيتو الذي عانى مراراً من العنصرية الأوروبية ضد الأفارقة، تعاطى مع الأمر بعناد وأصرّ على إقامة البطولة في موعدها ولو من باب النكاية بأوروبا وأنديتها، ناهيك عن اعتبار المسألة شخصية بالنسبة له إثر تسلمه منصبه الجديد.

إذن أصرّ إيتو على إجراء البطولة بغض النظر عن جهوزية البلاد، علماً أنه كان يفترض أن تنظمها في العام 2019 قبل أن يتم نقلها في الدقيقة 90 لعدم الجاهزية إلى القاهرة، على أن تنظم ياوندي البطولة في العام 2021، وهو ما لم يحدث لنفس السبب، أي عدم الجاهزية، إضافة طبعاً إلى تزامنها مع ذروة الموجة الأولى من جائحة كورونا.
السلطات الكاميرونية المستبدة التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي، والتي أصرّت أيضاً على إجراء البطولة في موعدها لتبييض صفحتها ولفت النظر عن جرائمها ضد معارضيها، في تصرف موصوف ومعتاد لأنظمة الاستبداد في القارة السمراء والعالم الثالث بشكل عام.

الأمر لم يتوقف على إيتو واتحاده، وإنما شمل أيضاً السلطات الكاميرونية المستبدة التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل منهجي، والتي أصرّت أيضاً على إجراء البطولة في موعدها لتبييض صفحتها ولفت النظر عن جرائمها ضد معارضيها، في تصرف موصوف ومعتاد لأنظمة الاستبداد في القارة السمراء والعالم الثالث بشكل عام.

وبالتأكيد فإن ما شهدناه منذ انطلاقة البطولة قبل أسبوعين يثبت أن الكاميرون لم تكن جاهزة لاستضافتها، وهي بالتأكيد تملك بنى تحتية لا بأس منها، وكان بالإمكان تنظيمها بشكل أفضل بدلاً من حالة الملاعب المزرية وتعطّل تقنية الفار وشكوى معظم المنتخبات من الخدمات السيئة. وتحدث مدرب جامبيا مثلاً عن نوم ستة من لاعبيه في غرفة واحدة، كما حصلت حالات تسمم للاعبي الرأس الأخضر قبل مباراتهم الحاسمة أمام السنغال بثمن النهائي، مع اتهامات بالتفرقة في المعاملة بين المنتخبات الكبرى والصغرى، كما صرّح مدرب منتخب مالاوي بافتقادهم إلى الملابس الجافة وحتى الحليب، وتحدى أن يحدث ذلك مثلاً مع منتخب السنغال ونجمها الشهير ساديو ماني.

ثم جاءت فاجعة التدافع في استاد "أولمبي" بالعاصمة ياوندي قبل مباراة الكاميرون وجزر القمر يوم الاثنين الماضي، والتي أدت إلى مقتل ثمانية مشجعين وإصابة قرابة 50 آخرين. وتعاطت معها السلطات وحتى اللجنة المنظمة بتعتيم ولا مبالاة، بما في ذلك إقامة المباراة نفسها وكأن شيئاً لم يحدث، لتؤكد المعطيات السابقة كما النمط الاستبدادي للنظام الحاكم سيئ الصيت.
المستوى الفني للبطولة الذي جاء باهتاً وضعيفاً، أيضاً لعدة أسباب؛ منها رفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 منتخبا، أي قرابة نصف دول القارة، وهو قرار عاطفي غير مدروس

الملاحظات الثالثة والأخيرة تتعلق بالمستوى الفني للبطولة الذي جاء باهتاً وضعيفاً، أيضاً لعدة أسباب؛ منها رفع عدد المنتخبات المشاركة إلى 24 منتخبا، أي قرابة نصف دول القارة، وهو قرار عاطفي غير مدروس كان قد رفضه عن حق رئيس كاف السابق وصانع نهضة أفريقيا الكروية، عيسى حياتو، وانعكس مباشرة على التنظيم السيئ والخدمات في قارة تفتقر دول عديدة فيها أصلاً إلى البنى التحتية الحديثة، مع الانتباه إلى أن الرفع التدريجي لعدد منتخبات البطولة من ثلاثة عند انطلاقها إلى ثمانية ثم 12 ثم 16 جاء مناسباً وملائماً ومنطقياً، وكان يجب أن يتوقف العدد عند 16 لدوافع تنظيمية وفنية أيضاً.

إلى ذلك، لم يظهر معظم نجوم القارة الكبار بنفس مستوياتهم مع أنديتهم الأوروبية، كما هو الحال مع محمد صلاح، وساديو ماني، ونابي كيتا، ورياض محرز، وأندريه أيوا، وكيليتشي إيهانتشو، وولفريد أنديدي، وأليكس أيوبي، على سبيل المثال لا الحصر، ما أدى إلى هبوط المستوى الفني بشكل عام، وهو أمر ليس مفاجئاً ويعود طبعاً إلى العوامل والمعطيات السابقة، إضافة إلى عوامل نفسية وذهنية عبر الانتنقال المفاجئ من مستوى تنافسي إلى آخر، وعدم أخذ الوقت للتركيز والاستعداد الذهني والنفسي اللازم.

هذا المعطى حضر أيضاً في تراجع مستوى المنتخبات الكبيرة التي يلعب معظم نجومها في أوروبا، وأدى إلى خروج غانا والجزائر من دور المجموعات، ثم نيجيريا وكوت ديفوار من الدور الإقصائي الأول، مع تأهل بصعوبة وشق الأنفس للكاميرون والمغرب والسنغال، رغم أنها واجهت منتخبات أقل منها بكثير.
بدت البطولة معبرة عن الواقع المتردي الحالي في أفريقيا على كل المستويات، حيث القارة الغنية بمواردها ومواهبها ولكن المفتقدة إلى التنظيم الجيد والحكم الرشيد. ورغم سطوع نجوم أفارقة كثر في الملاعب الأوروبية، إلا أن هذا لم ينعكس للأسف على مستوى المنتخبات الأفريقية

استفادت من ذلك بالطبع الفرق المغمورة والصغرى، مثل جامبيا وبوركينا فاسو وغينيا الإستوائية وحتى جزر القمر؛ المنتخب العربي الذي يستحق تحية خاصة بعدما تحدى الظروف والمهازل التنظيمية وقاتل حتى النهاية وخسر بصعوبة أمام مستضيف البطولة، كما مثلت مشاركته مناسبة أيضاً كي يبحث ويقرأ كثيرون عن الدولة الجميلة المنتمية للجامعة العربية.

في كل الأحوال، بدت البطولة معبرة عن الواقع المتردي الحالي في أفريقيا على كل المستويات، حيث القارة الغنية بمواردها ومواهبها ولكن المفتقدة إلى التنظيم الجيد والحكم الرشيد. ورغم سطوع نجوم أفارقة كثر في الملاعب الأوروبية، إلا أن هذا لم ينعكس للأسف على مستوى المنتخبات الأفريقية، كما رأينا في الدورات الأخيرة للمونديال والأولمبياد.

وهي بالتأكيد بطولة للنسيان، مع استثناء وحيد يتمثل بتمني فوز أحد منتخبات المغرب وتونس ومصر بها، كي يبقي اللقب عربيا بعد تتويج الجزائر ببطولة 2019.
التعليقات (0)