هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعدته سيبوهان أوغاردي قالت فيه إن خالد مامي، فرح بسقوط معمر القذافي على أمل أن يقود نهاية نظامه لمرحلة من الازدهار، وبدلا من ذلك دخلت ليبيا مرحلة من النزاع.
ومع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار
العام الماضي كان تجارة مامي في الملابس قد تأثرت بالأزمة الاقتصادية ومات أحد أولاده
جراء قنبلة هاون أطلقت على منزل العائلة في جنوب العاصمة.
ويخشى مامي، 48 عاما من أن تقود
الانتخابات المقرر عقدها نهاية هذا الشهر إلى مرحلة جديدة من الاضطرابات. ومن بين
98 شخصا قدموا أوراق ترشحهم اثنان مثيران للخلاف والانقسام، سيف الإسلام، المطلوب من
محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وحفتر، أمير الحرب في شرق ليبيا
والذي شن حملة عسكرية استمرت عاما ضد العاصمة طرابلس. وسجل رئيس الوزراء الانتقالي،
عبد الحميد دبيبة الذي تعهد بعدم الترشح اسمه في قوائم المرشحين.
ويحظى الأشخاص الثلاثة بدعم
قطاعات الشعب الليبي ولكن أيا منهم لا يعطي صورة عن شخصية قادرة على توحيد البلاد.
وعلى العكس، يخشى الكثيرون من أن تحرك الانتخابات المشاعر ومظاهر السخط وتجر البلاد
من جديد إلى الحرب الأهلية.
وقال مامي "لا أريد أن اختار شخصا آخر من القمامة"
و "لماذا يريد الجميع حكم البلد بالقوة؟". ورغم تمتع ليبيا بمصادر النفط
ولديها أكبر احتياط في أفريقيا إلا أن عقدا من الاضطرابات زاد من فقر الكثيرين وحول
حرب الوكالة فيه إلى ساحة تنافس للدول الخارجية: تركيا والإمارات العربية المتحدة وروسيا
والتي تدخلت أحيانا وأرسلت ألاف المقاتلين الأجانب.
ودفعت الحكومات الغربية والأمم
المتحدة لعقد الانتخابات التي ستعقد الجولة الأولى فيها في 24 كانون الأول/ديسمبر ووصفت
بالخطوة المحورية ومساعدة البلد على التعافي من آثار الحرب، وهددت بمعاقبة أي جهة تحاول
تخريبها. وستعقد الانتخابات البرلمانية في مرحلة لاحقة. وقال عماد السايح، رئيس المفوضية
الوطنية العليا للانتخابات أن صندوق الاقتراع مهم "لتحديد مستقبل المسار السياسي
لليبيا". وإما "سيواصل البلد المسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة"
أو أنه "يعود إلى المربع صفر حيث ستندلع الحرب". ويتوقع الكثيرون الأسوأ
لو فاز حفتر أو القذافي و "ستكون هناك حرب" حسب صلاح التومي، الذي يملك شركة
إنشاءات في العاصمة، ويخطط لمنح صوته لدبيبة على أمل أن يجنب البلاد مزيدا من سفك الدماء.
وكان حفتر حليفا ثم منافسا للقذافي
وهو رصيد سابق لسي آي إيه ويحمل الجنسية الأمريكية، حيث عاش لفترة طويلة في شمال ولاية
فيرجينيا. وهو يقود ما يعرف بالجيش الوطني الليبي ويسيطر على أجزاء مهمة في الشرق.
وشن في عام 2019 هجوما على طرابلس وحاصرها على أمل الإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا.
وتم رد الحصار بقوة واتهم حفتر في دعاوى قضائية بالمحاكم الأمريكية بارتكاب جرائم حرب
أثناء الهجوم، وحاول التمسك بالحصانة.
واعتقل سيف الإسلام القذافي
عام 2011 وبعد فترة قصيرة من مقتل والده في الانتفاضة التي أطاحت به، وظل مسجونا لعدة
سنوات في الزنتان. وأصدرت ضده محكمة في طرابلس حكما بالإعدام. وبعد غياب طويل عن المشهد
العام عاد وظهر هذا العام.
أما دبيبة فهو رجل أعمال ثري
وولد في مدينة مصراتة وترأس مؤسسة الاستثمار والتنمية الليبية أثناء حكم القذافي. ودخل
السياسة لاحقا وعين رئيسا للوزراء في شباط/فبراير كجزء العملية التي قادتها الأمم المتحدة.
ومنذ توليه المنصب حصل على شعبية من بعض القطاعات وذلك لتعهده بدعم المتزوجين الجدد
ماليا. وترى الصحيفة أن خطوط الصدع بين المرشحين الثلاثة هي جغرافية، فقاعدة دعم حفتر
في الشرق وتتركز قاعدة دبيبة في الغرب أما سيف الإسلام فهي في الجنوب.
ويرى أنس القماطي، مدير مركز
الصادق الليبي، "هناك نزاع يلوح في الأفق بين المعسكرات الثلاثة". وقال إن
حفتر والقذافي هما مرشحان يجلبان معهما منظور "مزيد من الحرب وليس السلام".
وأثيرت أسئلة حول صلاحية الثلاثة للترشح لكونهم خرقوا معايير المشاركة، وطرحت
مسألة إدانة سيف الإسلام تحديدا، أما دبيبة فلأنه تعهد بعدم الترشح ولم يستقل قبل ثلاثة
أشهر من الانتخابات. وتم الحديث عن مسألة ازدواجية الجنسية بالنسبة لحفتر.
ورفضت هيئة الانتخابات طلب القذافي
ودبيبة، لكن الأخير سمح له بالمشاركة بقرار يوم الأربعاء. وأعلنت محكمة في الزاوية،
شمال- غرب البلاد أن القذافي لا يمكنه المشاركة، ولا يعرف ما هي خطوته المقبلة. ويمكن
أن تؤدي الاستئنافات لعملية مطولة قد تؤخر الانتخابات وتزرع بذور الشك والغضب بين داعمي
المرشحين.
وقالت كلوديا غازيني، المحللة
البارزة في شؤون ليبيا بمجموعة الازمات الدولية "هناك مخاوف ملموسة من كون المرشحين
هؤلاء مصدر استقطاب وسيعترضون على النتائج شاركوا أم لم يشاركوا، ربحوا أم خسروا".
وعبر الكثير من الليبيين عن تفاؤلهم من العملية الديمقراطية إلا أن عددا أكبر
يشعر بالتشوش لمن سيصوتون. وقال رجل الأعمال والمرشح البرلماني رياض علي جحا، 50 عاما
"لا أثق بأي واحد منهم" و "كلهم لصوص". لكن البعض يدعمون سيف الإسلام
رغم نهاية حكم والده بطريقة مشينة. وكان مبروك علي كسك، 23 عاما صغيرا عندما أطيح بالقذافي،
لكنه يستمع جيدا عندما يتحدث والديه بحنين عن أيام القذافي قبل الثورة والاضطرابات
التي تبعت ذلك. ويعتقد علي كسك " ربما نحتاج للعودة إلى نفس النظام". وأضاف
"لم نفعل شيئا خلال 10 أعوام" وتوقف وهو يعمل في محل لبيع الملابس الرجالية
بطرابلس قائلا: "قلبي ميال لسيف الإسلام".
ويخشى مامي من اندلاع حرب، فقد
هرب وعائلته من طرابلس اثناء حصار حفتر لها وخلفوا وراءهم مزرعة في عين زارة، جنوب
العاصمة. وتنقل مامي بين أقاربه وأخذت زوجته هنا ابنته إيلاف وأولاده سليمان وحمودي
ونور الدين للعيش مع أقاربها. وعندما هدأت الأمور وأصبح الوضع آمنا عادوا جميعا إلى
بيتهم الواسع المحاط بأشجار الزيتون والبرتقال، ثم جاءت قنبلة الهاون التي فتحت رأس
سليمان وأصابت نور الدين في بطنه واحتاج لعمليات استنفدت مالية العائلة. ويحمل مامي
قوات حفتر المسؤولية، ومات حمودي البالغ من العمر 10 أعوام قبل وصولهم المستشفى. وكلهم
لا يزالون يعانون من الكوابيس ويستيقظون في الليل ويدفعون فاتورة أدوية كبيرة ويندبون
فقدان حمودي وسريره الفارغ ويعتنون بشجرة إبرة الراعي التي زرعها قبل ثلاثة أيام من
وفاته. وتقول هنا ومامي إنهما سيقبلان بأي مرشح يمكنه الفوز بنزاهة ولكنها يعرفان أن
الرئيس المقبل لن يعيد إليهما حياتهما الماضية. وتقول هنا "كل ليلة أضع رأسي على
المخدة وأكرر نفس السيناريو: من سيعيد لي حياتي الماضية".