نشرت
صحيفة "
واشنطن بوست" مقال رأي لغيرشون غورينبيرغ أشار فيه إلى الكيفية التي ألغت فيها إسرائيل جائزة كانت
منحتها لعالم رياضيات لكونه وقع على رسالة عارض فيها تصنيف حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات
(بي دي أس) كحركة معادية للسامية، وبسبب مواقفه الصريحة من الاستيطان. وقال إن إسرائيل
بمنحها ثم سحبها الجائزة أهانت نفسها.
وفي
شباط/فبراير الماضي، قررت لجنة من الخبراء منح الأستاذ في معهد وايزمان عوديد غولدريتش للعلوم جائزة
إسرائيل للرياضيات، وهي أعلى جائزة تمنحها الدولة.
ومن
يفهمون سبب الاختيار قالوا إن عمل غولدريتش مهم في عمليات الحوسبة اليوم. وقام وزير
التعليم في حينه، يؤاف غالانت من حزب الليكود بتعيين لجنة الخبراء التي أبقي على سريتها.
لكنه اتخذ قرارا بحجب الجائزة أو قل إلغائها مدعيا أن أستاذ الرياضيات دعم حركة المقاطعة
وسحب الاستثمارات والعقوبات (بي دي أس) ضد إسرائيل، ولهذا يجب حرمانه من أعلى جائزة
للدولة. وذهبت اللجنة التي اختارها غالانت إلى المحكمة العليا للاحتجاج على قراره.
ولكن القضاة حولوا الموافقة على القرار إلى وزيرة التعليم الجديدة ييفات شاشا- بيتون،
من حزب متطرف صغير، حيث رفضت منح الجائزة للعالم، مما دعا لجنة الخبراء للعودة مرة
ثانية إلى المحكمة وطلبوا منها التدخل.
ويؤكد
غالانت وشاشا- بيتون أن آراء غولدريتش متطرفة لدرجة لا يمكن فيها منحه جائزة الدولة.
وترد لجنة الخبراء أن مواقف العالم لا علاقة لها بقواعد الجائزة التي تمنح لإنجازه
العلمي فقط.
ويقول الكاتب إنه قبل النظر إلى غرابة المزاعم الموجهة
إلى غولدريتش، دعونا نفكر في الموضوع الأكبر: هل هناك وقت يجب فيه استبعاد شخص من جائزة
بسبب مواقفه حتى وإن كانت لا علاقة لها بالحقل العلمي الذي يعمل فيه؟ ويجيب بنعم ولكن،
هذا يعتمد على من يمنح الجائزة. فمؤسسة أو منظمة غير حكومية تحتفظ بحق وضع الحدود وتقرير
أن منح الجائزة لشخص قد يؤكد مواقفه التي ترى أنها كريهة. وفي هذه الحالة يجب التعامل
مع الوضع بحذر.
فمن
الناحية النظرية، فيحق لاتحاد علماء الرياضيات العالمي التراجع عن قرار منح "ميدالية
فيلدز" (تعادل جائزة نوبل) بعد اكتشافها، مثلا، أن الشخصية التي منحت جائزتها
له من دعاة نظريات المؤامرة والمعادي لتلقي اللقاح ضد كوفيد- 19. إلا أن كل قرار يعطي
فكرة أن الجائزة الممنوحة للشخص لا تتعلق بموهبته الرياضية أكثر من كونها وساما للقبول
العام له.
وتظل
الحكومة مختلفة، هذا إن زعمت أنها ديمقراطية. ذلك أن شرعيتها تقوم على ضمان حرية التعبير، بما فيها حرية الأفكار التي يراها
معظم المواطنين مقيتة. فلو اعتمد منحك الجائزة للشعر أو الفيزياء الكمية على ما قلته
هذا العام، فالديمقراطية قد تقلصت في بلدك.
وهذا هو الموقف العام الذي قدمته المحكمة العليا
من جائزة إسرائيل. فهذه تمنح سنويا في عدد من المجالات والحقول التي تتغير كل عام.
وعادة ما تكون الاختيارات مثيرة للجدل، ففي عام 2004 منحت للرسام والنحات إيغائيل توماركين،
فرغم فنه الطلائعي عرف عنه تعليقاته المروعة عن يهود المغرب واليهود الأرثوذكس والجماعات
الأخرى. ورفضت المحكمة العليا ثلاث دعاوى قضائية لأمر وزير التعليم سحب الجائزة منه.
وقالت إن من حق الرأي العام انتقاد الاختيار لكن الوزير له حق التدخل لو وجد عيوبا
في عملية الاختيار مثل تضارب المصالح.
وفي
العام الماضي رفضت المحكمة دعوى مشابهة بعدم منح جائزة الأدب الديني اليهودي إلى الحاخام
ياكوف أرييل، رغم تاريخه في إصدار التعليقات المعادية للمثليين. وقالت المحكمة إن تعليقاته
"أهانت جماعة بكاملها" لكنها "مضمونة بحرية التعبير".
وبدأ الجدل بشأن غولدريتش عندما حاول غالانت تجاهل
قرار اللجنة وإلغاء قرارها. وكان دليله كما ظهر، هو توقيع غولدريتش على رسالة مع باحثين
يهود وإسرائيليين إلى البرلمان الألماني لمعارضة تصنيف (بي دي أس) كحركة معادية للسامية.
لكن الرسالة توضح أن بعض الموقعين عليها يرفضون رؤية (بي دي أس) في الوقت الذي يتعاملون
فيه مع اتهامات معاداة السامية بالمخادعة. وقال غولدريتش هذا العام إنه يعارض مقاطعة
إسرائيل ولكنه ينتقد بشدة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والاستيطان.
أما
الدليل الثاني الشاجب لغولدريتش، فهو توقيعه على رسالة هذا العام موجهة للاتحاد الأوروبي
وتحثه على عدم تمويل برامج بحث في الجامعة الإسرائيلية بمستوطنة أرييل في الضفة الغربية.
وقالت وزيرة التعليم الحالية شاشا- بيتون إن غولدريتش يهاجم الحرية الأكاديمية ولا
يمكنه والحالة هذه زعم حق حماية حرية التعبير.
ولكن
المنطق الذي تتمسك به وزيرة التعليم ليس قويا، لأن الرسالة الموجهة للاتحاد الأوروبي
تنص، كما قال محامي غولدريتش، مايكل سفارد، على دعوة ضرورة التزام الاتحاد بالاتفاق
الثنائي مع إسرائيل. فهو ينحصر في حدود ما قبل 1967 وبالتالي يستبعد المستوطنات. ووقعت
إسرائيل على هذا الاتفاق الذي استبعد جامعة أرييل. والرسالة التي وقعها غولدريتش لم
تكن عن الحرية الأكاديمية ولكن عن المشروع الاستيطاني وإن كان شرعيا وأخلاقيا.
وقال
سفارد: "هذا السؤال قسم المجتمع الإسرائيلي" و"هو أساس النقاش السياسي".
وهو محق، فغالانت وشاشا- بيتون يدعمان الاستيطان، أما غولدريتش فهو معارض مبدئي وصريح
له. وحرمانه من الجائزة لهذا السبب يعني أنهما يجلبان العار على الحكومة، وهذا ليس
احتفاء بالرياضيات.