نشرت
صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا قالت فيه إن ملايين الإيرانيين والإسرائيليين
وجدوا أنفسهم في الفترة الأخيرة في وسط الحرب الإلكترونية الدائرة بين بلديهما.
في طهران،
قاد طبيب أسنان سياراته لساعات بحثا عن البنزين وانتظر في الطوابير الطويلة أمام أربع
محطات بنزين ليعود بدون شيء. وفي تل أبيب أصيب مذيع بالفزع عندما تم نشر معلومات تتعلق
بعلاقاته الجنسية ومئات آخرين سرقت من موقع للمواعدة بين المثليين وحملت على منصة للتواصل
الاجتماعي.
وتضيف
الصحيفة أن إسرائيل وإيران تخوضان منذ عدة سنين حربا سرية، بالبر والبحر والجو وعبر
الإنترنت، لكن الأهداف كانت حكومية أو عسكرية. ولكن الحرب السيبرانية باتت تستهدف المدنيين
وعلى قاعدة واسعة.
ففي
الأسابيع الماضية أدى هجوم إلكتروني على نظام توزيع الوقود إلى شلل في 4.300 محطة بالبلاد،
ولم يتم إصلاح الخلل إلا بعد 12 يوما. ونسب مسؤولان دفاعيان أمريكيان الهجوم إلى إسرائيل.
وتبعه هجومان إلكترونيان على إسرائيل استهدفا منشأة طبية وموقع مواعدة بين المثليين
على الإنترنت، وهما هجومان اتهم مسؤولون إيران بالقيام بهما.
ويأتي
التصعيد في وقت حذر فيه المسؤولون الأمريكيون إيران من مهاجمة منشآت حيوية وشبكات مستشفيات
في الولايات المتحدة. ومع تراجع الآمال بإحياء الاتفاقية النووية والعودة إليها، يتوقع
زيادة هجمات كهذه.
ولوحظ
تسرب عمليات القرصنة للحياة المدنية خلال الأشهر الماضية، فقد تعرضت شبكات سكك الحديد
الإيرانية للهجمات في تموز/ يوليو، لكن الهجوم هذا لم يكن متقنا وربما لم تنفذه إسرائيل
مثل الاتهام الذي وجه لإيران العام الماضي باستهداف نظام المياه الإسرائيلية.
وأدت
الهجمات الأخيرة إلى التسبب بضرر واسع على المدنيين، فشبكات الكمبيوتر غير الدفاعية
لا تحظى عادة بدفاع قوي مثل تلك المرتبطة بالأرصدة الأمنية. ولم تقع ضحايا في هذه الهجمات
لكن إن كان الهدف منها خلق الفوضى والغضب والضغط النفسي فقد نجحت.
وقال
بن كيودي، 52 عاما، المحرر في إذاعة إسرائيلية: "ربما كانت هناك حربا بين إسرائيل
وإيران، ومن المنظور المدني فقد أصبحنا سجناء في الوسط وعاجزين".
ولم
يخف بن كيودي ميوله الجنسية المثلية لكن القرصنة على موقع المواعدة هدد بفضح آلاف الإسرائيليين
الذين لم يكشفوا عن ميولهم المثلية.
وجمع
الموقع معلومات عن عاداتهم الجنسية وصورا فاضحة لهم.
ويقود
علي، 39 عاما سيارة مع شركة تكسيات وطنية في طهران وأضاع يوم عمل في انتظاره أمام محطة
البنزين التي امتد طابور الانتظار أمامها لأميال. وقال: "كل يوم تستيقظ فيه بهذا
البلد تواجه مشكلة"، و"ليست مشكلتنا فحكوماتنا هي العدو، ومن الصعب علينا
مواصلة العيش".
والهدف
من هذه الهجمات هو إرسال رسائل. وحدث الهجوم الإلكتروني على نظام توزيع الوقود في
26 تشرين الأول/ أكتوبر وقريبا من ذكرى مرور عامين على احتجاجات مضادة للحكومة والتي
اندلعت بسبب زيادة أسعار البنزين.
ويبدو
أن هدف الهجوم الأخير هو إحداث توتر مشابه. فقد توقفت محطات البنزين عن العمل بطريقة
مفاجئة، مع رسالة وجهت المستخدمين لتوجيه شكاوى إلى المرشد الأعلى للجمهورية آية الله
علي خامنئي، حيث ظهر على الرسالة رقم هاتف مكتبه.
وسيطر
الموجهون لعملية القرصنة على يافطات طهران وأصفهان واستبدلوا الإعلانات برسالة
"خامنئي أين بترولي". وقال محسن، صاحب محطة بنزين بشمال طهران: "في
الساعة الحادية عشرة صباحا توقفت المضخات عن العمل"، و"لم أر شيئا مثل هذا".
وانتشرت شائعات ان الحكومة هي التي هندست العملية
لزيادة أسعار الوقود. وزادت شركات السيارات على تطبيقات الإنترنت مثل "سناب"
و "تابسي" الأجرة ضعفين لأن سائقيها مضطرون لشراء البنزين بأسعار عالية،
وذلك حسبما أوردت الصحافة المحلية في إيران.
ولم
ينجح الهدف من دفع تظاهرات وأحداث شغب ضد الحكومة، وحاولت الحكومة تخفيف الضرر والتقليل
من مخاطر الهجوم. وعقدت وزارة النفط ومجلس الأمن الإلكتروني اجتماعا طارئا. وأصدر وزير
النفط جواد اويجي اعتذارا نادرا عبر التلفزيون الحكومي وتعهد بدعم صاحب كل سيارة بعشر
لتر من البنزين. وكان على الوزارة إرسال الفنيين لكل محطات الوقود في البلاد لإعادة
برمجة أجهزة الكمبيوتر فيها، وعندما بدأت العمل، أخذت ببيع النفط غير المدعم، وهو ضعف
سعر الوقود غير المدعم.
ولم
يتم التغلب على المشكلة إلا بعد لإعادة شبكة النفط المدعم والتي منحت كل سيارة 60 لترا
أو 16 غالون بالشهر، بنصف السعر المحدد.
لكن
الهجوم كان أخطر من الإزعاج الذي تسبب به للمسافرين وملاك السيارات. وبحسب مدير في
وزارة النفط وتاجر نفط على معرفة بالتحقيقات فقد شعر المسؤولون بالخوف من إمكانية حصول
المهاجمين على معلومات عن مبيعات النفط الدولية وسيطرتهم على حاويات تخزين النفط، مما
قد يكشف عن الطرق التي تستخدمها إيران لتجنب العقوبات المفروضة عليها.
ويشك
المسؤولون الإيرانيون بتلقي إسرائيل معلومات من الداخل، نظرا لعمل خوادم الكمبيوتر
التي تحتوي على هذه المعلومات الحساسة بطريقة منفصلة عن الإنترنت.
وبعد
أسبوعين من توقف مضخات البنزين في إيران حصل قراصنة على منفذ لبيانات موعد مواعدة إسرائيلي
"أطراف" وملفات معهد ماخون مور الطبي، وهي شبكة عيادات خاصة في إسرائيل.
وتم تحميل المعلومات التي تم الحصول عليها من عملية القرصنة، بما فيها معلومات خاصة
لحوالي 1.5 مليون إسرائيلي، 16% من سكان البلاد على قناة في تطبيق تيلغرام. وطلبت الحكومة
الإسرائيلية من تيلغرام حجب القناة، وهو ما فعلته الشركة.
ولكن
جماعة القرصنة التي أطلقت على نفسها "الظل الأسود" وضعتها على قناة جديدة،
وظلت تفعل هذا في كل مرة جرى حجبها.
ووضعت
الجماعة معلومات سرقتها من شركة التأمين الإسرائيلية "شيربيت" والتي تعرضت
للهجوم في كانون الأول/ ديسمبر الماضي وتتخصص بتأمين موظفي وزارة الدفاع. وقال المسؤول
الإسرائيلي الذي امتنع عن ذكر اسمه إن "الظل الأسود" إما هي مجموعة تابعة
للحكومة أو جماعة غير متفرغة تتعاون معها.
وقال
كيودي إن المعلومات من موقع المواعدة قد تكون كارثية "حتى لمن هم أعلنوا عن ميولهم"،
المثلية و"كل واحد منا له علاقة عاطفية وقريبة من أطراف". فهو لا يحتوي على
أسماء وعناوين ولكن "الأشياء الجنسية التي نفضلها ومن جاء فحصه للإيدز إيجابيا،
ومن يستخدم واقيات إلى جانب أن الموقع يسمح لنا بتحميل صور عارية ولقطات فيديو ذات
علاقة بنا وإرسالها لبقية المشتركين".
واشتكى
عدد من المشتركين في "أطراف" من أن حساباتهم على "انستغرام" و"فيسبوك"
و"جي ميل" قد تعرضت للاختراق.
ويقول
خبراء الأمن الإلكتروني إن هذه الهجمات ليست من عمل "الظل الأسود" ولكن مجرمين
استخدموا البيانات التي نشرتها الجماعة، وطلبوا في بعض الأحيان فدية مقابل فتح المجال
لهم باستخدام حساباتهم التي أغلقوها.
ولم
تتهم إسرائيل إيران بالهجوم فيما لام الإيرانيون الهجوم على جهة أجنبية دون تسمية إسرائيل.
ويقول لوطي مفنكلشتيان من "تشيك بوينت" وهي شركة أمن الكتروني إن الإيرانيين
حددوا نقطة ضعف في فهم الإسرائيليين للنزاع الإلكتروني. واكتشفوا أنهم ليسوا بحاجة
للهجوم على وكالة حكومية التي تتعرض لحماية و"لكن الهجوم على شركات خاصة وصغيرة
التي لا تتمتع بحماية إلكترونية عالية".
ويلوم
كل طرف على التصعيد، وحتى لو كانت هناك نية للتوقف فلا أحد يعرف كيفية إعادة الجني
للقمقم. وقال ميسم بهروش المحلل البارز في وزارة الأمن الإيرانية "نحن في مرحلة
خطيرة" و"ستكون هناك جولة ثانية من الهجوم السيبراني الواسع على بنانا التحتية
ونحن نقترب خطوة من المواجهة العسكرية".