هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تكد الأزمة التي أحدثتها تصريحات الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون تهدأ، حتى بادر البرلمان الفرنسي بمشروع قانون أقلّ ما يُقال عنه أنّه إمعان في استفزاز الجزائريين، لأنّه يَرمي إلى الاعتذار للجزائريين الخونة الذين حملوا السّلاح ضد شعبهم ووطنهم، وحاربوا في صفوف الجيش الفرنسي في أثناء الثّورة التحريرية.
ويُعدّ مشروع القانون الجديد ترجمة قانونية لخطاب الرئيس الفرنسي الذي ألقاه في 20 أيلول/سبتمبر الماضي في قصر الإليزيه، حين طلب الصفح من الحركى الذين خدموا فرنسا – حسبه – وجازفوا بحياتهم وعائلاتهم من أجلها، وهو بالذات ما اعترفت به وكالة الأنباء الفرنسية.
يأتي مشروع القانون الفرنسي في عزّ الأزمة الدّبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، ما يُنذر بقطيعة سياسية واقتصادية بين البلدين، كما تُعدّ هذه الخطوة الاستفزازية من الجانب الفرنسي بمنزلة “رصاصة الرّحمة” على ملف الماضي الاستعماري الذي كان محلّ اهتمام بين الطرفين خلال الأشهر الماضية، رغم أنّ التّقرير السّطحي الذي رفعه المؤرخ بنيامين سطورا قتل المشروع في مهده، لأنّه كان مخيِّبا للآمال، ويكشف عن عقلية استعلائية لدى الأوساط الرسمية الفرنسية التي ترفض الاعتراف بالماضي الإجرامي لفرنسا في الجزائر.
لقد تعالت في الجزائر الأصواتُ المطالبة بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا طيلة 132 سنة في الجزائر، وبدل أن تعمل المؤسسات الرسمية الفرنسية في هذا الاتّجاه، فضلت التّوجّه بالاعتذار والتّعويض للخونة الذي أهانتهم فرنسا بعد هروبهم من الجزائر سنة 1962 وخصّصت لهم محتشدات تنعدم فيها شروط الحياة الكريمة.
واليوم؛ عندما تعتذر فرنسا للحركى، فإنّ ذلك لا يعبِّر عن ندمِها على التّعامل غير اللّائق مع هؤلاء الذين خانوا وطنهم ولا يمكن أن يكونوا مخلصين لوطن بديل، وإنما في ذلك رسالة بأنّ الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية غير مطروح، فما بالك الحديث عن التعويض عن ملايين الشهداء والمتضررين؟!
إنّ ما يحدث في فرنسا يجب أنْ يكون عبرة لبعض الجزائريين الذين لا زالوا يحرصون على رعاية مصالح فرنسا في الجزائر والدفاع عن نفوذها الاقتصادي والسياسي، ويصرّون على بقاء الجزائر في حالة تبعية لغوية وثقافية لفرنسا، بل إن الكثير من القطاعات السيادية في البلاد لا زالت تستخدم اللغة الفرنسية في مراسلاتها الرسمية، والكثير من المسؤولين في الإدارة لا زالوا يخاطبون المواطن البسيط بالفرنسية التي لا يفهمها!
(الشروق الجزائرية)