هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسارع المفوضية العليا للانتخابات الخطى لتنفيذ انتخابات رئاسية وبرلمانية بدون قاعدة دستورية، وبقوانين صاغها طرف سياسي، ورفضتها قوى سياسية شريكة للبرلمان في التوافق حول بعض القوانين، مثل قوانين الاستفتاء على مسودة الدستور والانتخابات. وفي جل حواراته حول العملية الانتخابية، يطالب رئيس المفوضية المعترضين باللجوء للقضاء، وهو يعرف أن الدائرة الدستورية المناط بها النظر في الدعاوى الدستورية معطلة، ولم يعلن المجلس الأعلى للقضاء عن موعد لعودتها.
تكاد تصبح الانتخابات بحد ذاتها هدفا لابد من تحقيقه بصرف النظر عن نتائجها، وكل اعتراض على هذه الأسس الخاطئة، والتحذير بأنها لن تعالج مشكلة الصراع وما ترتب عنه، بل قد تزيد من حدته، وتنهي حالة الهدوء النسبي السائدة الآن. فأي انتخابات لا تتوافق الأطراف الرئيسية على أساسها القانوني مع كافة الضمانات المطلوبة لنزاهتها ستكون عرضة للمقاطعة، ما سيخفض من شرعية إفرازاتها، فضلا عن عدم الاعتراف بنتائجها من الأطراف التي لم تشارك في صياغة قوانينها.
لكل هذه الأسباب كان ينبغي على المفوضية التريث، وتجاهل كل الضغوطات التي من المؤكد أنها كانت عرضة لها من أطراف محلية ودولية، ولن تصمد حجتها بأنها تتبع السلطة التشريعية وملزمة بتنفيذ القوانين المحالة لها من البرلمان، لأن أحدا لن يلومها إذا نأت بحياديتها عن هذه التجاذبات والصراعات السياسية. ودافعت بأن قوانين البرلمان تفتقد قوة الشرعية لأنها خالفت الإعلان الدستوري الذي ينص على وجوب توفر النصاب القانوني في الجلسات وموافقة مائة وعشرين نائبا على القوانين الخاصة بالانتخابات والاستفتاءات.
جبهة المعارضة لهذه القوانين الباطلة بدأت تتبلور وتنظم صفوفها لتخوض معركة جديدة، ضد قوى التزوير والتضليل التي منيت بهزيمة عسكرية على أسوار طرابلس، وها هي تعود في كرة أخرى عبر الانتخابات المفصلة لتمكين مجرم حرب وعميل من خوضها والفوز بها، مع منحه فرصة العودة لموقعه إذا خسر.
في كل الأحوال ليس من المتوقع أن يأتي المؤتمر بأي جديد، وسيكون نسخة أخرى من مؤتمر برلين 2، سوى أن فرنسا هي الراعية هذه المرة
ومن المؤكد أن المعركة لن تقل ضراوة عن المعركة العسكرية، ولكن أدواتها ووسائلها مختلفة تستدعي بالضرورة التنظيم وترتيب القيادة، وعدم التوقف عن دعوة الناس إلى المطالبة بحقهم في انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية، مؤسسة على قاعدة دستورية صلبة، عبر كل الوسائل السلمية المتاحة، حتى تقتنع قوى البغي الدولية الداعمة لهذا التزوير، أنه لا سبيل لتمرير أي مؤامرات لتمكين عملائهم من السلطة والسيطرة على مقدرات البلد. انتخابات هدفها الأول والأخير تحقيق إرادة الشعب ومصالحه ومستقبله لا مصلحة شخصيات مهووسة بالسلطة.
ملف الانتخابات الليبية سيكون محور مباحثات مؤتمر باريس، إلى جانب ملف القوات الأجنبية والمرتزقة، وهو آخر مؤتمر قبل موعد الانتخابات في ديسمبر. ستتمحور الخلافات في قاعة المؤتمر بين موقفين، موقف داعم لإجراء الانتخابات بصرف النظر عن الخلافات الحالية، بحجة أن الخلافات لن تحسم، ويتعذر التوصل إلى إرضاء كل الأطراف، وموقف مضاد بدأ يتبلور مؤخرا يدعو للتريث، وعدم المبالغة في الضغط على الأطراف الليبية لإجراء الانتخابات، دون منح المزيد من الوقت للتوصل إلى توافق يضمن القبول بنتائجها.
الدولة الليبية ممثلة برئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة ستكون حاضرة على منصة الرئاسة إلى جانب فرنسا وإيطاليا وألمانيا، وقد ساهم المؤتمر في تجميد الخلاف الطارئ بينهما على خلفية توقيف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن ممارسة مهامها، ليتوجها للمؤتمر برؤية موحدة تليق بسلطة مناط بها توحيد مؤسسات البلاد، ولكن تجدد الخلافات عقب المؤتمر وارد في أي وقت، ولا نعرف هل ستكون رؤيتهما المطروحة في المؤتمر متطابقة، تكشف بشكل جلي معوقات إجراء الانتخابات في الظروف السائدة؟
في كل الأحوال ليس من المتوقع أن يأتي المؤتمر بأي جديد، وسيكون نسخة أخرى من مؤتمر برلين 2، سوى أن فرنسا هي الراعية هذه المرة، في محاولة لتصدر الموقف الدولي من الأزمة الليبية ومنافسة روسيا وتركيا، فإذا كان مؤتمر برلين 2 قد حقق بعض التقدم، فإن هذا المؤتمر سيحصد الفشل إذا تجاهل مطالب الأطراف السياسية المصرة على الانتخابات، ولكنها ترفض قوانينها المخالفة للتشريعات الليبية والاتفاق السياسي.