صحافة دولية

"التايمز": حروب المياه هي المأساة السورية القادمة

الجفاف يضرب مناطق عدة في سوريا- جيتي
الجفاف يضرب مناطق عدة في سوريا- جيتي

نشرت صحيفة "التايمز"، تقريرا لمراسلها ريتشارد سبنسر، من تل طويل في شمال سوريا، قال فيه إن النهر الذي أمامنا كان مليئا بمياه الفيضانات قبل بضع سنوات فقط، لدرجة أنه كان بمثابة خط أمامي لا يمكن اختراقه في الحرب بين تنظيم الدولة وبين أعدائهم من الأكراد والمسيحيين.


ولفت إلى أن نهر الخابور اختفى الآن، وبدت أرضيته بنية اللون ومغبرة في شمس الخريف. ولم يعد السكان المحليون الذين فروا خلال الحرب لزراعة الأرض، والصحراء تتوسع في وجه الجفاف المدمر في جميع أنحاء سوريا.


وهناك العديد من الأسباب لهذه الكارثة الجديدة، بالإضافة إلى العديد من الأسباب في هذا البلد المنكوب.


والصراع المحلي ليس سوى أحد أسباب أزمة المياه؛ إذ ينعكس مصير الخابور، أحد روافد نهر الفرات، عبر العراق وسوريا، في الأرض التي كانت تُعرف سابقا باسم بلاد الرافدين، مهد الحضارات.


ودُمرت سهول نهر الفرات ودجلة وروافدهما التي كانت خصبة في يوم من الأيام بمزيج من الحرب وتغير المناخ والسياسات البيئية السيئة.

 

اقرأ أيضا: نحو مليون سوري شمالي شرق البلاد مهددون بانقطاع المياه

ويغادر المزارعون الأرض مع انهيار الغلات. ودخلت حياة من بقوا في حلقة مفرغة، حيث يستخدمون مضخات الديزل للعثور على المياه الجوفية أعمق من أي وقت مضى تحت الأرض، ما يؤدي إلى تعرية الخزانات وتلويث الأرض والهواء بالأبخرة والمخلفات.


وقال جاسم محمد، المزارع من دير الزور في الجنوب: "فشلنا في زراعة أي قمح هذا العام.. هذه كارثة، لا قمح ولا خبز".


وأضاف أنه تمكن من ري مزرعته، على بعد ميلين من نهر الفرات، مرة واحدة فقط حتى الآن هذا العام وكان يعتمد الآن على ضخ المياه الجوفية، لكن الجودة كانت سيئة للغاية بالنسبة لمحاصيله، موضحا أنها "تزداد سوءا كل يوم.. إذا أتيت إلى هنا، فسترى أطفالا ينامون بالقرب من المخابز حتى يتمكنوا من الوقوف في طوابير في الصباح الباكر، لأن الخبز أصبح نادرا جدا".


وذكر تقرير صادر عن تحالف من وكالات الإغاثة في آب/ أغسطس أن خمسة ملايين شخص في سوريا وسبعة ملايين في العراق "يفقدون الوصول" إلى المياه. ففي كلا البلدين، ينهار إنتاج القمح، وهو جوهر الزراعة بالنسبة للسكان الذين يشكل الخبز غذاءهم الأساسي.


وحذرت الوكالات من أن مغادرة المزارعين لأراضيهم سيؤدي في النهاية إلى أزمة لاجئين جديدة، حيث يبحث السكان عن فرص في أماكن أخرى، ليصبحوا أمثلة حية للهجرة الناتجة عن تغير المناخ.


وقال كارستن هانسن، المدير الإقليمي لمجلس اللاجئين النرويجي: "مع استمرار نزوح مئات الآلاف من العراقيين وما زال الكثيرون يفرون للنجاة بحياتهم من سوريا، ستصبح أزمة المياه التي تتكشف قريبا كارثة غير مسبوقة تدفع المزيد من السكان إلى النزوح".


وكانت الظروف بالتأكيد شديدة، حيث وصلت درجات الحرارة في بلاد الرافدين بانتظام إلى 50 درجة مئوية لأيام متتالية في الصيف في السنوات القليلة الماضية. وكانت هناك اختلافات كبيرة في هطول الأمطار، حيث انخفض من 430 ملم في شمال شرق سوريا في عام 2019 إلى 217 ملم في عام 2020. وكان هذا العام جافا أيضا.


وتفاقم الحروب في سوريا والعراق، الوضع، مع تضرر البنية التحتية الحيوية مثل محطات الضخ.

 

اقرأ أيضا: ينابيع المياه بجنوب سوريا تذهب هدرا.. وإسرائيل المستفيدة

ويعود الاستخدام المفرط للمياه الجوفية من قبل المزارعين السوريين إلى عقود منصرمة، عندما حاول حافظ الأسد، والد رئيس النظام السوري الحالي بشار، تعزيز الإنتاج الزراعي من خلال تشجيع الري الجماعي من خلال مضخات المياه باستخدام الوقود المدعوم. وانخفض منسوب المياه الجوفية بما يصل إلى 100 متر في بعض الأماكن.


وقالت منظمة Mercy Corps، وهي منظمة إغاثة أخرى، إن نقص مياه الشرب النظيفة أدى إلى عشرات الآلاف من حالات الإسهال الحاد هذا الصيف. وسجلت سبع وفيات جراء الغرق بين من سقطوا في قنوات الري أثناء محاولتهم العثور على المياه.


وقال مدير مشروع Mercy Corps الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: "الكثير من مضخات المياه خارج الخدمة ولا يوجد مصدر موثوق للمياه". وفقد ما يقرب من نصف مليون شخص في المنطقة إمكانية الوصول المنتظم إلى المياه النظيفة.


ويُتوقع حدوث الأسوأ من ذلك: هناك مخاوف من أن الطبقة وتشرين، السدّين اللذين يشغلان محطتي توليد الطاقة الكهرومائية اللتين توفران كل كهرباء شرق سوريا تقريبا، سيُخرجان من الخدمة، ما يتسبب في انهيار أوسع للبنية التحتية.


وهناك القليل من المؤشرات على حل سياسي شامل يمكنه تنفيذ سياسات لتخفيف الأزمة.


وتتعاون أمريكا وبريطانيا عسكريا مع قوات سوريا الديمقراطية. لكن ليس لديهما ولا أي شخص آخر فكرة كبيرة عن الشكل السياسي الذي ستتخذه المنطقة في نهاية المطاف.. وما إذا كان سيتم دمجها مع ما تبقى من أجزاء سوريا التي لا تزال تحت سيطرة نظام الأسد، أو ستبقى كيانا منفصلا، مثل الحكومة الإقليمية الكردية في العراق.


وقلة من الشركات أو الحكومات مستعدة للاستثمار على المدى الطويل على مثل هذا الأساس المهتز.


ودعت منظمة Pax المجتمع الدولي إلى إيجاد حلول "عبر الحدود". لكن في ظل حرب تركيا والنظام السوري وروسيا وأمريكا وإيران ومجموعة كاملة من المليشيات المحلية ضد بعضها البعض داخل البلاد -ناهيك عن الحدود- فإن هذه الحلول تبدو بعيدة المنال كما كانت دائما.

 
التعليقات (0)