هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ أن عبرت عن رأيي في الأزمة السياسية التي فجرها نشر تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي كانت قد صدرت عنه قبل أن يعين في منصبه الوزاري بزمن وأنا أراجع من قبل أصدقاء سوريين ويمنيين، أشفقوا علي لما اعتبروه شهادة مني لصالح قرداحي المنحاز لخصومهم، والذي من وجهة نظرهم لا يستحق أن يشاد به على الإطلاق، وهو الذي يؤيد النظام السوري ويشيد ببشار الأسد، الذي وقف في وجه رغبة الشعب في التغيير وآثار حرق البلاد وتشريد العباد، مستعيناً في ذلك بإيران وروسيا لتصفية الثائرين عليه.
وبالفعل، تحدث قرداحي في لقائه المسجل عن عديد القضايا وعبر عن عديد المواقف إلا أن الذي فجر الأزمة تحديداً كان انتقاده للحرب السعودية في اليمن واعتباره أن الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ويصدون عدواناً خارجياً على بلادهم. ولربما أسخط النظام السعودي على قرداحي وصفه الحرب على اليمن بالعبثية قائلاً إنه آن لها أن تتوقف. وهذا هو الموقف الذي أيدته فيما كتبته، لأنني أيضاً أرى أن الحرب المدمرة على اليمن – كما هو موقف كبريات منظمات حقوق الإنسان حول العالم – كارثية وارتكبت فيها من الانتهاكات الفظيعة ما يمكن أن يعتبر جرائم حرب.
دار حوار بيني وبين صديق سوري عبر المسنجر أرى فيه نموذجاً لنقاش نحن بحاجة لأن نديره بيننا بكل سعة صدر وتقبل، لأن الانقسامات في الرؤى شديدة والهوة عميقة، ليس فقط على مستوى الأنظمة أو الأحزاب والمنظمات، بل نجدها في وسطنا نحن عامة الناس، تفرضها علينا الآلام والآمال، ولعلنا من خلال الحوار الهادئ والرصين نتمكن من الاقتراب شيئاً فشيئاً من بعضنا البعض.
كتب لي صديقي السوري عبر المسنجر يقول:
نحن السوريون ... زعلانين منك. البوست الذي كتبته حضرتك عن ( البوق ) والشبيح جورج قرداحي ...لم يكن موفقا .أرجو ان تتراجع عنه. هدانا الله واياك سواء السبيل.
أجبت صديقي: آمين. ربنا يهدينا جميعاً. نسأله تعالى سعة الصدر والأفق. الأزمة الحالية لا علاقة لها بسوريا ولا بموقف قرداحي من سوريا ومن ثورتها، إنما تتعلق بالحرب السعودية على اليمن.
فقال: هل تعلم ان جورج قرداحي ... من اكثر المؤيدين للمجرم طاغية العصر بشار أسد. كيف يعقل ان يتعاطف مع الحوثيين؟ بينما يشبح على السوريين ويدعم قاتلهم؟! هل الاعلامي ينظر بعين واحدة؟ ام بكلتا عينيه؟
قلت: من حق السوريين أن ينددوا بقرداحي كيفما شاءوا ومتى ما شاءوا، لكن ما نحن بصدده الآن يتعلق بنقده للحرب السعودية على اليمن، وفي ذلك كان محقاً، فهي حرب عدوانية وعبثية.
قال صديقي: حتى هذه النقطة ... ليست دقيقة، فالحوثيون ... منقلبون على الشرعية وهم ذراع إيران الخبيث في اليمن. وأذرع إيران في اليمن وسوريا ولبنان والعراق ...ليست بريئة
أجبته: الحوثيون في أصل المشكلة اليمنية لم يكونوا ذراعاً لإيران بل كانوا ذراعاً للسعودية التي أرادت منهم أن يكونوا رأس حربة في الحرب على التجمع اليمني للإصلاح، ولكن سياستها كانت حمقاء، فانقلبوا عليها، فأرادت تأديبهم فغاصت في مستنقع اليمن.
قال صديقي: الخلاصة هي أنهم تحولوا للحضن الإيراني. وأصبحوا أداة قتل وإجرام، بيد الإيراني. أنا اختلف مع كثير من سياسات السعودية وأغلب سياسات الخليج ...لاسيما في الموضوع السوري . لكن هذا لا يبرر لأي سبب كان ان نعاديهم ونتحول للحضن الإيراني.
قلت لصديقي: أنا أعذر الإخوة السوريين في رؤية الأمور من زاوية التدخل الإيراني في سوريا، لكن في رأيي ليس هكذا ينبغي النظر إلى الأمور في المنطقة. بل إن النظام السعودي أخطر على الإسلام من كل الأنظمة الأخرى، فهو الذي قاطع قطر بسبب إيران وغزا اليمن بسبب إيران، وها هو الآن يتصالح مع إيران ويسوي معها خلافاته.
قال صديقي بكل ثقة: لن يتصالحوا. وأنا أدرك أن كل الانظمة العربية الحالية هي خطر على الشعوب. لكن تبقى إيران رأس الشر والإرهاب.
فأجبته: في السياسة لا يوجد عداء دائم ولا صداقة دائمة، والتحالفات تتبدل حسب تغير ميزان القوة وحسبة المصالح
قال صديقي: رحم الله سيدنا عمر بن الخطاب عندما قال اللهم اجعلنا بيننا وبين فارس جبلا من نار. تبقى المبادئ أهم من المصالح.
قلت: نعم صحيح، المبادئ أهم من المصالح، لكن الأنظمة الحاكمة لا تعمل ضمن هذه القاعدة.
فقال: لسنا مختلفين هنا. الفكرة باختصار ...أن إيران هي رأس الشر حاليا. فإيران تحتل ٤ عواصم عربية، وتقتل الشعوب باسم الدين. لا شيء أخطر من ذلك على الشعوب حاليا.
أجبته: هذه وجهة نظر عاطفية نعذر فيها الشعوب التي اكتوت بسبب التدخل الإيراني في بلدانها، لكنها لا تصلح منطلقاً في التحليل السياسي لمجريات الأمور من حولنا. فإيران ليست اللاعب الوحيد فيما يجري من تدافع.
فقال: عندما تحتل كل دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال أذرعها الخبيثة ... قد ندرك أن هذه النظرة العاطفية كانت أقوى من النظرة المنطقية والسياسية !!
قلت: على كل حال ليس من الحكمة إحالة كل شيء على الاختلاف مع إيران. فالأزمة الحالية بين السعودية ولبنان لها علاقة بشيء واحد، ألا وهو انتقاد قرداحي للحرب السعودية على اليمن. وبلغ الكبر بالسعودية أن تشتاط غضباً، بينما لم يؤثر فيها كل ما قاله قرداحي عن سوريا وعن مصر.
قال صديقي: لو انك عبرت بهذا الكلام ...لكان كلامك منطقياً جداً
أنا: شكراً لك.
هو: العفو
عاد صديقي ونقل لي عن وكالة الأناضول أن الخارجية القطرية تقول: نعرب عن استيائنا الشديد واستنكارنا للتصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني. وقال: يعني حتى القطريون ... المتضررون من سياسة السعودية ... غير مرتاحين (لتصريحات قرداحي).
قلت له: تلك هي السياسة الدولية. عندما تصالحوا مع السعودية كان لابد أن يجاملوها، رغم أن المشكلة كان لمنصة تابعة للجزيرة نصيب في إشعالها. فتصريحات قرداحي كانت في برنامج سجل قبل تعيينه وزيراً، ومعروف أنه لو لم يكن وزيراً لما عبأ أحد بتصريحاته. وحسبما بلغني، على ذمة الراوي، فقد طالبهم بعدم بث الحلقة التي سجلت معه لأن الظروف لم تعد مواتية ولكنهم أصروا ومضوا قدماً فيها.
قال صديقي مبتهجاً: تحية للجزيرة. إن صح ذلك.
قلت له: لا، هذا أسلوب غير مهني.
فقال: بل على الاعلام ان يتحلى بالشفافية والمصداقية الكاملة. لقد زاد اعجابي بالجزيرة. هههههه.
قلت له موضحاً: لا علاقة للأمر بالشفافية والمصداقية. عندما تسجل لقاء مع شخص، ثم تتغير ظروفه ويطالب بعدم البث ينبغي احترام رغبته، لأن التصريحات قيلت لما كان مواطناً عادياً، فإذا ما أصبح وزيراً يكون لها وزن مختلف وتداعيات أخطر.
فقال: تبقى المبادئ أهم من المصالح. والنفاق السياسي غير مقبول ابدا، فالقيم لا تتغير. سواء كنا وزراء ام من عامة الشعوب
قلت: طبعاً هذا الكلام غير صحيح. فصاحب المسؤولية لا يستطيع التعبير عما في خاطره بقدر ما يملك ذلك الإنسان المتحرر من المسؤولية. معلوم أن المواطن العادي لا يمثل إلا نفسه ولا يوجد لديه ما يخشاه، أما المسؤول في الدولة فهو يمثل تلك الدولة، وكلامه يحسب عليها.
فرد صديقي قائلاً: إذا لم يكن المسؤول يمثل صوت الشعب واذا لم يكن صوتا للحق و الحقيقة ...فلا حاجة لنا بتمثيله للدولة لأنه عند ذلك سيكون بوقاً يسبح بحمد الحاكم .
فأجبته: الكيانات السياسية، سواء كانت حكومات أو منظمات، تلزم مسؤوليها بخطوط معينة، ومن يتجاوزها يمكن أن يفقد موقعه. هذا هو واقع العمل السياسي في كل مكان.
لربما لم يفلح أي منا بإقناع الآخر بكل ما لديه من وجهات نظر، بدليل أن صديقي أنهى كلامه قائلا: حمى الله شعوبنا العربية والاسلامية ...من خطر ايران الذي يشبه السرطان.
فرغم انتقادي لسياسات إيران وتنديدي بدورها التخريبي السافر في كل من سوريا واليمن والعراق، إلا أنني لا أرى خطراً أشد على أمتنا من الكيان الصهيوني الذي يتهدد المنطقة بأسرها ويعيث فساداً في كل ناحية منها. أما إيران فتبقى جارة لنا، لا مفر من أن نجد سبيلاً للتعايش معها والحد من تغولها، ولولا أن أنظمة الحكم في العالم العربي فاشلة فاسدة بائسة لما تغولت إيران قيد أنملة.
مع ذلك وجدت أنني وصديقي السوري، ورغم القراءة المتباينة للحدث، نتفق في الكثير. كان الحوار مفيداً، وينبغي أن يستمر، لعلنا نقترب أكثر.