هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كنا نظن الطريق ما يزال طويلا بشأن الحديث عن نتائج التواصل الاستراتيجي السعودي الإيراني الذي احتضنه العراق، واعتقدنا أن التصريحات الإيجابية بين الطرفين، ما هي إلا مبادرة حسن نوايا لبناء ثقة متبادلة لتسهيل وإنجاح الحوار الاستراتيجي بين الطرفين. تبين أن الأمور تسير بأسرع مما توقعت الأغلبية، فالأمور تسير باتجاه إعادة فتح قنصليات خلال أسابيع، ليتبع ذلك فتح السفارات التي أغلقت بعد الهجوم على السفارة السعودية في طهران في أعقاب إعدام قيادات سعودية شيعية. فتح السفارات معناه تسهيل وتفعيل لقنوات الاتصال، ما يهيئ لتقدم مطرد وتفاهمات حول الملفات العالقة الأمنية التي يتم الحديث حولها بمكاشفة في جولات الحوار التي تبين أنها بدأت نيسان الماضي.
لا ندري ما الذي ستنتجه هذه الحوارات، وإلى أي مدى ستردم الهوة الكبيرة بيم البلدين، الثابت يبقى، أن نجاحا في التقارب الاستراتيجي السعودي الإيراني سيغير وجه الشرق الأوسط كما نعرفه منذ الثورة الإسلامية التوسعية الإيرانية العام 1978، وما تبعها من حرب عراقية إيرانية امتدت لثماني سنوات. أن تعود إيران لتكون دولة طبيعية غير توسعية، تحترم مبادئ حسن الجوار وتتوقف عن تصدير اللااستقرار كأداة من أدوات سياستها الخارجية، فيه خير كثير للأمن والاستقرار والازدهار في الإقليم، بعد أن أرهقت الحرب الباردة مع إيران وحلفائها الإقليم برمته، وبددت موارده وحرمته من الازدهار.
لا ندري إذا كان هذا ما سيحدث، أو أن التفاهم سيكون على قاعدة قبول السعودية بنفوذ إيران في لبنان وسورية والعراق واليمن وألا تتوسع بغير ذلك، وأن تتوقف إيران عن مد أيديها في الإقليم وتقليل دعم واستعمال أذرعها الممتدة في عدة دول، مقابل تعاون وتفاعل وربما استثمارات متبادلة بين الطرفين. لا ندري هل وصلت إيران لمرحلة إنهاك إقليمي وأنها بصدد تغيير رؤيتها الاستراتيجية في الإقليم، أم أنها تراوغ وتناور كعادتها لكن استراتيجيا ما تزال هي إيران ذاتها المقلقة لمن حولها.
التحول في السياسة الأمريكية نحو آسيا والمحيط الهادئ ذو أثر مباشر فيما يحدث، فالسعودية وعدد من دول الإقليم تدرك معنى إعادة التموضع الأمريكي، وإنها الآن معنية بتقليع شوكها بيدها، وهذا أمر لا يرتبط بالإدارة الأمريكية الحالية، بل بدأ منذ عهد بوش الابن، وترامب نفسه لم يحرك ساكنا وهو يرى الحوثيين المدعومين من إيران يقصفون أهدافا سعودية حساسة. حدود الحماية الأمريكية تراجعت كثيرا والتزمت فقط بالأمن بمعناه الصلب، ولن تتدخل لوقف تمدد إيران المتدرج الناعم في الإقليم. ظنت إسرائيل أنها ستملأ الفراغ الذي أحدثه إعادة التموضع الأمريكي، لكن ذلك لم يكن كافيا ولا مقبولا من قبل دول الخليج، فبادرت لانفتاحات متباينة مع إيران، آخره كان التواصل الاستراتيجي بين الندين السعودية وإيران.
الآمال معقودة في نتائج حوارات تعدل من سلوك إيران الإقليمي على قاعدة قبولها دولة فاعلة مرحب بها في الإقليم لا تتدخل بشؤون غيرها، فهذا سيغير بالفعل شكل الشرق الأوسط سياسيا وعسكريا وأمنيا. هل سيحدث ذلك وتتغير إيران؟ شخصيا سأصدق ذلك عندما أراه بعيني، فلست ممن يثقون بأقوال الساسة الإيرانيين، وأعلم أنهم معجونون على إخفاء عكس ما يظهرون.
(الغد الأردنية)