سياسة عربية

اليسار المغربي بخندق المعارضة لأول مرة منذ ربع قرن.. هل يتوحد؟

لأول مرة منذ 23 عاما لا يشارك أي حزب يساري مغربي في الحكومة- الأناضول
لأول مرة منذ 23 عاما لا يشارك أي حزب يساري مغربي في الحكومة- الأناضول

يجد اليسار المغربي نفسه في خندق المعارضة، وذلك للمرة الأولى منذ 23 سنة، في ضوء انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر الماضي، التي أفضت إلى تكوين أغلبية حاكمة تضم ثلاثة أحزاب.


ومنذ ستينيات القرن الماضي، قاد اليسار المعارضة لعقود قبل أن يقود حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" اليساري حكومة التناوب ما بين 1998 و2002.


وحافظت الأحزاب اليسارية المغربية على حضورها باستمرار في الحكومات المتعاقبة على البلاد، منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة، في تموز/ يوليو 1999، إثر وفاة والده الراحل الحسن الثاني، وحتى حكومة سعد الدين العثماني، المنتهية ولايتها، والمعينة في 17 آذار/ مارس 2017.


وتصدر "التجمع الوطني للأحرار" نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بـ102 مقعد، متبوعا بحزب "الأصالة والمعاصرة" الذي حاز على 86 مقعدا و"الاستقلال" بـ81 مقعدا.


وفي العاشر من الشهر ذاته، عين الملك محمد السادس، أخنوش رئيسا للحكومة وكلفه بتشكيلها.


وفي 22 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن أخنوش، أن الائتلاف الحكومي سيتشكل من أحزاب التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، إضافة إلى بعض الوزراء المستقلين فضلا عن ترأس رشيد الطالبي العلمي عن حزب الحاكم لمجلس النواب.


ويرى محللون أن أمام اليسار فرصة للوحدة أو لتعزيز التنسيق على الأقل، شرط استبعاد عوامل التفرقة والتشرذم.


ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الأول الحكومية عباس بوغالم في تصريح نقلته وكالة الأناضول أن تواجد كل الأحزاب اليسارية في المعارضة لا يعني بالضرورة وجود تقارب بينهم.


وتابع: "رغم التباينات الموجودة بين العائلة اليسارية، فإن هناك نفس المقولات المرجعية التي تؤطر هذه الأحزاب، وهو ما يجعلها قادرة على بلورة خطاب سياسي يعكس المرجعية الأيديولوجية".


تراجع شعبية اليسار


ويتزعم حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الأحزاب اليسارية، لكن شعبيته ومكانته السياسية تراجعت كثيرا بعد الربيع العربي.


وبلغ "الاتحاد الاشتراكي" ذروة نجاحه عندما ترأس زعيمه التاريخي عبد الرحمن اليوسفي، حكومة التناوب (1998-2002) التي ضمت كلا من الحركة الشعبية (يمين) وحزب التقدم والاشتراكية (يسار)، بالإضافة إلى حزب الاستقلال (محافظ).


وتمكن الاتحاد الاشتراكي، من الفوز بالمرتبة الأولى في انتخابات 2002، وكان اليوسفي ينتظر أن يستدعيه الملك محمد السادس لتشكيل الحكومة، إلا أن الأخير اختار إدريس جطو المستقل.


ومني الاتحاد الاشتراكي بهزيمة قاسية في انتخابات 2016 وحل سادسا بـ20 مقعدا، أما حزب التقدم والاشتراكية فحل في المرتبة الثامنة بـ12 مقعدا من إجمالي 395.


ورغم الهزيمة، إلا أن "الاتحاد الاشتراكي" و"التقدم والاشتراكية شاركا في حكومة سعد الدين العثماني، إلى جانب التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الدستوري، فضلا عن حزب العدالة والتنمية الفائز بالانتخابات حينها.


ورفعت الأحزاب اليسارية في الانتخابات الأخيرة من حصتها في البرلمان، حيث تقدم الاتحاد الاشتراكي إلى المركز الرابع، بـ35 مقعدا، دون أن يسمح له بالمشاركة في الحكم، ذلك أن الائتلاف الحاكم الجديد يملك أغلبية مريحة في البرلمان.

 

اقرأ أيضا: المغرب.. العثماني يعود لمهنة الطب النفسي من جديد


وتعد "فيدرالية اليسار الديمقراطي"، أبرز تجربة للوحدة اليسارية، التي تشكلت في عام 2016، من تحالف بين الحزب الاشتراكي الموحد، وحزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي.


وكانت نتائج أحزاب اليسار الثلاثة، أسوأ من حصيلة ما يسمى بـأحزاب "اليسار الإصلاحي"، إذ لم تحصد سوى مقعدين فقط، في انتخابات 2016 ونفس العدد في انتخابات 8 أيلول/ سبتمبر الماضي.


"فرصة سانحة"


وبحسب بوغالم، فإنه "من شأن تواجد كل الأحزاب اليسارية في المعارضة، إعادة ترتيب المشهد الحزبي".


وزاد بوغالم: "لدينا أحزاب متقاربة في مرجعيتها بالأغلبية (الحكومية)، مع وجود العائلة اليسارية في المعارضة، ما قد يؤدي إلى بروز قطبية منتظرة".


وتابع: "من المتوقع حدوث إرهاصات أولية، لإعادة ترتيب المشهد الحزبي، في ضوء أنه يكون عندنا فرز واضح للأحزاب على أساس أيديولوجي".


وأضاف بوغالم: "نظريا أحزاب العائلة اليسارية المفروض أنها تتقاسم نفس الأيديولوجية، وهي الأقرب للوحدة، لكن الواقع يعطينا نتيجة عكسية".


"المعارضة اليسارية لن تتوحد"


وقال عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، بمراكش للأناضول: "لا أظن أن اليسار سيتوحد فقط لأنه موجود في المعارضة".


وتابع: "هناك أسباب اختلاف غير قابلة لتقريب فجوة الخلاف بين اليساريين حاليا".


وأوضح العلام، أن "هناك تيارات يسارية تطالب بالملكية البرلمانية أي إن الملك يحكم ولا يسود، مثل فيدرالية اليسار والحزب الاشتراكي الموحد، وهناك يسار آخر لا يشارك في الانتخابات".


ويرى أنه "من الصعب جدا إيجاد مساحات للاتفاق والتنسيق بين أحزاب يسارية راديكالية، مع حزب الاتحاد الاشتراكي مثلا، الذي تجاوز مطلب الملكية البرلمانية".


وأضاف: "حزبا الاتحاد الاشتراكي، والتقدم والاشتراكية، من الصعب تصور توحدهما، فقط لاصطفافهما معا في المعارضة، فإن هناك أسبابا شخصية تستبعد ذلك أيضا، إذ إن العديد من قيادات الأحزاب السياسية لها رغبة في الاستمرار في القيادة".


وخلص الأكاديمي إلى القول، إنه "رغم ذلك، فإن ما يمكن استشرافه من المعارضة القادمة، هو أن الفروقات بين اليسار ستتضاءل، ويمكن أن تؤدي إلى تنسيق، لنشهد ما يشبه تحالف الكتلة الذي كان يجمع ثلاثة أحزاب، وهي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية اليساريين، وحزب الاستقلال المحافظ".


نقد ذاتي


ودعا الأكاديمي عباس بوغالم، أحزاب اليسار إلى "القيام بنقد ذاتي، ومراجعات، لتجاوز واقع التشرذم".


وتابع: "واقع التشرذم سيعزز انعدام الثقة في التيارات اليسارية، وسيحد من توسعها وانتشارها، إن لم يحدث نوع من القطيعة مع الواقع السابق، نحو تشكيل تكتل تنتظم فيه كل الحساسيات اليسارية، وفق هوية جديدة، ربما تنسجم مع متطلبات المرحلة والواقع السياسي".


واستطرد: "بدون إحداث نوع من القطيعة، سيظل الأمل في الوحدة مجرد حلم وتمنّ، ما لم تكن هناك ثورة فكرية من داخل العائلة اليسارية".


وخلص بوغالم إلى أنه "يلزم الكثير من العمل لتجاوز واقع التشرذم، باستحضار رؤية جديدة تقرأ المشهد السياسي بعمق، وتحقيق نوع من الامتداد على مستوى الجماهير".

التعليقات (0)