هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إدارة سقف التوقعات من مستجدات الأوضاع في الانفتاح على سورية أمر مهم واستراتيجي يرتبط بمصالح الدولة العليا.
البعض يعتقد أن الحدود الشمالية سوف تمطر ذهبا بعد فتح الحدود الأخير وعودة حركة التجارة بين البلدين، وآخرون يذهبون بالتوقع لعودة معدلات النمو للارتفاع جراء المنافع الاقتصادية من سورية. هذه مبالغات رفعت سقف التوقعات لدى الأردنيين وسيكون لها تكلفتها السياسية مع الرأي العام.
من الضروري التذكير أن العلاقات الاقتصادية مع سورية لم تكن يوما بأهمية العلاقات مع العراق، ولا حتى تقترب من ذلك، ولا بأهمية العلاقات مع الخليج، أو أميركا، لذلك علينا الموازنة، ومقاربة هذا الملف بشكل شمولي، وألا ننساق لتعميمات تطلق هنا أو هناك من مستفيدين من المبالغة بالعائد الاقتصادي جراء فتح الحدود مع سورية.
الملف برمته يفتقد للمعلومة الدقيقة، فمن نقاط ضعفنا فيه أننا لا نستطيع أن نحدد بشكل دقيق ما هي مكاسبنا من الانفتاح، أو ما هي خسائرنا جراء الإغلاق وتعثر التجارة وتوقف النقل واضمحلال أعمال المنطقة الصناعية المشتركة بين البلدين. لن يستطيع أي مسؤول أردني إعطاء رقم شبه دقيق عن خسائرنا اليومية أو السنوية جراء توقف النشاط الاقتصادي بين سورية والأردن، وهذا كان له أثر في احتسابنا للأرقام في خطط الاستجابة للأزمة السورية. نعم هناك عائد اقتصادي إيجابي للانفتاح على سورية، ونعم هناك اقتصاد ظل غير محسوب تعتاش من ورائه مئات العائلات، لكن المبالغة بتقييم ذلك ستوقعنا في مغالطات مع الرأي العام نحن في غنى عنها، ولذلك وجب أن يكون خطابنا رشيدا عاقلا موضوعيا.
وعلى أهمية البعد الاقتصادي، فثمة بعد سياسي استراتيجي لا يجب إهماله في تعاطينا مع هذا الملف الشائك. العالم بالمجمل غادر هدف إسقاط النظام أو تغييره، لأسباب عسكرية ميدانية وأخرى استراتيجية ترتبط بخطر انتشار الإرهاب والتطرف الذي يحتاج فيه العالم للنظام السوري، لكن من المهم جدا الانتباه إلى أن العالم ما يزال يضرب حصارا على سورية؛ أمميا وأميركيا، جراء الكثير من القتل والجرائم التي ارتكبت، وعدم قول لا للانفتاح على سورية، لا يعني أنها نعم، لذلك فالأردن معني أن يوازن بدقة بين شبكة علاقاته الدولية والإقليمية وهو يحاول أن يطبق رؤيته الجديدة بضرورة “تغيير سلوك” النظام في سورية وليس “تغيير النظام”، وعلينا أن ندرك أن هذه الرؤية الأردنية البراغماتية المتقدمة والعقلانية تعتمد كثيرا على أفعال وأقوال سورية في المرحلة المقبلة.
مهم أيضا أن يكون لدينا اشتباك اتصالي سياسي فعال مع حلفائنا في العالم والإقليم، لنشرح لهم أن الأردن بمقاربته الجديدة مع سورية لم ولن يخرق نظام العقوبات المفروض، فالأردن كان دوما ملتزما بمنظومة العمل الدولية، وهذا ما أكسبه احتراما وتأثيرا عالميا. وبالتزامن مع ذلك، فمن الأهمية بمكان أن نوضح للرأي العام المحلي أننا بالفعل ملتزمون بتطبيق نظام العقوبات المقر دوليا على سورية، ونقارب الانفتاح على سورية بما لا يتعارض معه. هذه التوضيحات والشفافية ستجنبنا تحديات سياسية واقتصادية محليا ودوليا نحن في غنى عنها.
(الغد الأردنية)