هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن التلفزيون الجزائري فجر السبت، وفاة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة.
يشار إلى أن انتفاضة شعبية أطاحت بالرئيس بوتفليقة في نيسان/ أبريل 2019، بعد 20 سنة قضاها في الحكم، إلا أن حزبه لا يزال يحظى بنفوذ كبير، وجاء متصدرا في الانتخابات التشريعية الأخيرة رغم الحراك الشعبي.
ويعيش بوتفليقة الذي يعاني من آثار جلطة دماغية في إقامة رئاسية غرب العاصمة، منذ تنحيه عن الحكم.
وحطم بوتفليقة عام 2012 لقب أكثر رؤساء البلاد مكوثا في الحكم، بعد لقب أصغر وزير في الجزائر المستقلة، لكنه دخل التاريخ أيضا كأول حاكم للبلاد يسقطه الشارع.
وقاوم الرئيس الجزائري، طيلة السنوات العشرين التي حكم فيها البلاد، عدة هزات سياسية نجح في تخطيها، في بلد خرجت لتوها من أزمة أمنية خطيرة، خلفت عشرات الآلاف من الضحايا والمشردين والمفقودين، لكن انتفاضة الشارع أسقطته في النهاية.
مولده ومسيرته
ولد الرئيس الراحل بتاريخ 2 آذار/مارس 1937 بمدينة "وجدة" على الحدود مع الجزائر، ويعد من الساسة الجزائريين الذين عايشوا أغلب فترات الحكم منذ استقلال البلاد عام 1962.
والتحق بوتفليقة بصفوف ثورة التحرير ضد فرنسا عام 1956 في سن التاسعة عشر من عمره، وكلف بجبهة مالي في أقصى الحدود الجنوبية للجزائر، من أجل حشد دعم القبائل حول الثورة ومطلب الاستقلال، وهو ما نجح فيه وأصبح يطلق عليه تسمية "عبد القادر المالي"، نسبة لدولة مالي المجاورة جنوبا، التي كان يقود منها نشاطه.
وشغل الرجل الذي يقود الجزائر منذ 1999 لأربع ولايات متتالية، منصب وزير الشباب والرياضة في أول حكومة بعد الاستقلال وهو في سن 25 سنة، قبل أن يصبح الرجل الثاني في نظام حكم الرئيس الراحل هواري بومدين (1965/1979)، بصفته وزيرا للخارجية في فترة شهدت بزوغ نجم الجزائر في الساحة الدولية، كمدافع عن قضايا التحرر ونظام اقتصادي عالمي جديد ينصف دول العالم الثالث.
وتلقى نكسة سياسية بعد وفاة الراحل هواري بومدين؛ إذ كان من أهم المرشحين لخلافته، لكن مؤسسة الجيش وقفت ضد طموحه، ونصبت الرئيس الأسبق شاذلي بن جديد رئيسا للدولة.
وكانت هذه المحطة منعرجا في حياته السياسية، إذ غادر البلاد عام 1980 وكانت وجهته الخليج العربي، حيث شغل منصب مستشار لحاكم الإمارات العربية المتحدة الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وفي نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حاول العودة إلى الساحة السياسية من بوابة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، لكن دخول البلاد في أزمة سياسية وأمنية بعد صدام بين الإسلاميين والنظام جعله يغادر البلاد مطلع التسعينيات.
وعام 1998 عاد بوتفليقة كمرشح للسلطة الحاكمة لرئاسة البلاد كخليفة لليامين زروال الذي قرر الاستقالة، ليعتلي الحكم شهر نيسان/أبريل 1999 في انتخابات انسحب منها ستة من منافسيه، واتهموا السلطة الحاكمة "بتزويرها لصالح المرشح عبد العزيز بوتفليقة".
لكن بوتفليقة رفض تلك الاتهامات وقال؛ إن "انسحاب منافسيه مناورة سياسية فقط، لا تستند إلى دلائل ملموسة حول التزوير".
ونجا بوتفليقة بأعجوبة من محاولة اغتيال نفذها انتحاري من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، استهدفت موكبه في 6 أيلول/ سبتمبر 2007 في "باتنة" جنوب شرقي الجزائر، لكن الانتحاري الذي اكتشف أمره استعجل بتفجير حزامه قبل وصول الرئيس.
كما قاوم الرجل متاعب صحية - رغم أن المرض أنهكه خلال الأشهر الأخيرة - وجعل هذا "السياسي المحنك"، كما يوصف من مؤيديه ومعارضيه، قليل الظهور في الواجهة.
وتعرض بوتفليقة في 27 نيسان/ أبريل 2013 لجلطة دماغية سميت رسميا "نوبة إقفارية عابرة"، نقل على إثرها للعلاج بفرنسا، وهي الوعكة الصحية الثانية التي ألمت به في فترة حكمه بعد تلك التي أدخلته المستشفى الباريسي عام 2005، إثر إصابته بـ "قرحة معدية" لينجو بأعجوبة من الموت، كما صرح هو شخصيا.
وبعد عودته للبلاد في تموز/يوليو 2013، مارس بوتفليقة مهامه في شكل قرارات ورسائل ولقاءات مع كبار المسؤولين في الدولة وضيوف أجانب، يبثها التلفزيون الرسمي دون الظهور في نشاط ميداني يتطلب جهدا بدنيّا، بحكم أنه ما زال يتنقل على كرسي متحرك.
كما صمد الرجل ضد دعوات وحتى احتجاجات من المعارضة تدعوه لترك الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب، وترشح في نيسان/ أبريل 2014 لولاية رابعة فاز فيها بأصوات 82 بالمائة من الناخبين، رغم طعن بعض منافسيه في الاقتراع بدعوى وجود تزوير.
وأطلق بوتفليقة مع وصوله الحكم أهم مشروعين؛ الأول للمصالحة الوطنية لحل أزمة أمنية وسياسية عاشتها البلاد خلال التسعينيات، وكان وراء نزول آلاف المسلحين من الجبال. والثاني هو إعادة البلاد التي كانت محاصرة بسبب الأزمة إلى الساحة الدولية.
وردّ الرئيس على انتقادات طالت فترة حكمه في تصريحات عام 2012 بالقول: "التاريخ والشعب الجزائري وحدهما سيحكمان على الجهود التي بذلت لعودة السلم الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وعودة الجزائر إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم".
وكانت المعارضة تنتقد بشكل مستمر فترة حكم بوتفليقة، وتعتبر أنها "اتسمت بانتشار الفساد والتضييق على الحريات وغموض التوجه الاقتصادي للبلاد".
أما الموالاة، فتصفه بـ"المنقذ" الذي أخرج البلاد من أزمتين أمنية وسياسية مع وصوله إلى الحكم، كما حمى البلاد من عاصفة ما يسمى الربيع العربي، التي أطاحت بأنظمة حكم في المنطقة العربية، كما جعل الجزائر دولة محورية في حل أزمات المنطقة بفضل تجربته الدبلوماسية الطويلة.