هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار قرار وزير الأوقاف الأردني محمد الخلايلة، بإيقاف الدورات التي يقيمها معهد شرعي تابع لأكبر جمعية قرآنية في المملكة، ردود فعل غاضبة، خصوصا أنه تزامن مع قرار الحكومة الأردنية بفتح النوادي الليلية والبارات وصالات الديسكو التي كانت مغلقة بسبب أزمة فيروس كورونا.
وطلب وزير الأوقاف في كتاب وجهه في 29 آب/أغسطس الفائت، لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، التي تضم عشرات الفروع وأكثر من ألف مركز، "عدم الإعلان عن دورات العلوم الشرعية إلا بعد الحصول على موافقة الوزارة، واعتماد المدرسين المرشحين للتدريس، وخلافا لذلك سيتم تطبيق أحكام المادة 16 من نظام المراكز القرآنية".
وتنص المادة 16 من النظام المذكور على أنه "إذا خالف المركز أيا من أحكام هذا النظام أو التعليمات الصادرة بمقتضاه؛ تتخذ بحقه أي من الجزاءات التالية: أ- إنذاره خطيا بقرار من مدير المديرية لتصويب أوضاعه خلال المدة المبينة في الإنذار. ب- إغلاقه بقرار من اللجنة بناء على تنسيب مدير المديرية. ج- إلغاء ترخيصه بقرار من الوزير بناء على تنسيب اللجنة".
ويحتوي النظام على مواد ترى الجمعيات القرآنية بأنها متشددة ومجحفة، كاشتراط ألا تقل مساحة المركز عن 100 متر مربع، وأن يكون مديره متفرغا، وأن يكون لكل نشاط إسلامي يمارسه المركز مدرسٌ حاصل على شهادة اعتماد من الوزارة، وحظر ممارسة نشاط رياض الأطفال ما لم يتم ترخيصها من وزارة التربية والتعليم، وقيود أخرى على التبرعات والعاملين في المراكز.
ولم تصدر جمعية المحافظة على القرآن الكريم تعليقا رسميا على قرار الوزير بوقف الدورات الشرعية، إلا أن رئيسها الدكتور محمد خازر المجالي كتب منشورا أمس الجمعة قال فيه: "حين نشرِّع الرذيلة، ونضيِّق على الفضيلة؛ فنحن أمة ذليلة"، وهو المنشور الذي فُهم منه أنه انتقاد لقرار "الأوقاف" وتم تداوله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار ردود فعل واسعة.
وتمثلت أبرز ردود الفعل في بيان أصدرته 768 شخصية، بينهم علماء شريعة وأكاديميون وصحفيون، طالبوا فيه بـ"إعادة النظر في الإجراءات الأخيرة التي تقوم بها الوزارة تجاه الجمعيات والمؤسسات العاملة في نشر العلم والدعوة وتعليم القرآن".
وأشاد البيان بـ"تلك المؤسسات والجمعيات التي تركت بصماتها الإيجابية، ومكنت للتدين الواعي والوسطية في أرجاء الوطن خلال أكثر من ربع قرن"، مؤكدا أن "المطلوب مكافأة هذه الجمعيات والمؤسسات، وتقدير العاملين عليها، لا التضييق عليها وخنق رسالتها بحجة قانون جديد وليد".
بدوره؛ قال الناطق الإعلامي لوزارة الأوقاف، حسام الحياري، إن الوزارة طلبت من الجمعية والمراكز الإسلامية أن تصوب أوضاعها وفق النظام الجديد لتتمكن من ممارسة أنشطتها، إلا أن "قلة قليلة من القائمين على هذه الجمعيات والمراكز يرفضون بشكل غير مباشر العمل تحت مظلة القانون، وهو ما يستوجب تطبيق القوانين عليها".
وأضاف في بيان صحفي تلقته "عربي21" اليوم السبت، أن "هناك الكثير من المراكز والجمعيات التي صوبت أوضاعها ولا يوجد أي تعقيدات، بل تتم أمور التصويب وفقا للتعليمات الصادرة".
اقرأ أيضا: 600 شخصية أردنية تبعث برسالة إلى وزير الأوقاف بشأن المساجد
"قوانين تعجيزية"
ومنذ تأسيسها عام 1991؛ كانت جمعية المحافظة على القرآن الكريم تتبع لوزارة الثقافة، إلى أن تحول ترخيصها لوزارة الأوقاف في 2016، ومنذ ذلك الحين وهي تتعرض من قبل الوزارة لتضييقات ومحاولات خنق وحصار، وفق مصادر من داخل الجمعية طلبت عدم ذكر اسمها.
وقالت المصادر لـ"عربي21" إن وزارة الأوقاف بعد عشرات الزيارات الرقابية؛ لم تجد عند الجمعية أي مخالفة مالية أو إدارية تذكر، فذهبت باتجاه سن قوانين تعجيزية هدفها إغلاق المراكز التابعة للجمعية، والتضييق عليها.
وأضافت أن مسلسل وضع اليد الرسمية على جمعية المحافظة، وعلى الخطاب الديني بشكل عام، بدأت صورته تتضح مع إصدار الحكومة لـ"نظام المراكز الإسلامية" في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والذي جاء ضمن الخطة التي أعلنت عنها الدولة في 2014 لـ"محاربة التطرف والإرهاب".
وأوضحت المصادر أن النظام الجديد منع الجمعية من ممارسة أي نشاط إلا بإذن من وزارة الأوقاف، ووضع شروطا أخرى تعجيزية، لافتة إلى أن "الوزارة تتحدث عن تصويب الأوضاع، مع أن أوضاعها هي غير صائبة، ومن ذلك فإن عددا كبيرا من مساجدها ليس فيها أئمة".
وأشارت إلى أن الحكومة تفتح المجال لمراكز "المتصوفة" (نسبة للطرق الصوفية) التي تتوسع في عمان والعقبة وبقية المحافظات، في حين تضيق الخناق على جمعية المحافظة على القرآن "لأنها تعتبرها مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، وجمعية الصالحين التي تعتبرها محسوبة على السلفيين".
وحول معهد علوم الشريعة التابع لجمعية المحافظة، والذي قرر وزير الأوقاف الأردني وقف الدورات الشرعية التي يقيمها؛ بيّنت المصادر أن المعهد الذي انطلقت أعماله قبل 21 عاماً؛ ينتشر في معظم المراكز التابعة للجمعية، ويحاضر فيه أكثر من 250 دكتورا متخصصا في الشريعة الإسلامية واللغة العربية والتربية والتاريخ والثقافة الإسلامية.
وأضافت أن هذه الدورات تخرّج منها آلاف الطلبة، وخصوصا من ربات البيوت، مشيرا إلى أنه "كان من المفترض أن يبدأ المعهد غدا الأحد فصلا جديدا من دوراته، ليأتي قرار وقف هذه الدورات بجرة قلم من وزير الأوقاف، بعد التوافق مع المدرسين الذين يقدم كل واحد منهم 14 محاضرة في الفصل الواحد".
وقالت المصادر إن إدارة الجمعية عقدت عدة لقاءات مع وزير الأوقاف للحوار معه حول التضييق على الجمعية "ولكن دون جدوى"، إضافة إلى أنها قدمت مرافعة قانونية غداة صدور نظام المراكز الإسلامية كمقترح على موقع ديوان التشريع والرأي "ولكن لم يطرأ عليه أي تغيير".
ويذهب مراقبون إلى القول بأن استهداف جمعيتي المحافظة والصالحين يأتي استكمالا لمشروع تصفية الحركة الإسلامية وتجفيف قاعدتها في الشارع، بالإضافة إلى تقويض حالة التدين في البلاد لصالح المشروع الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة.
اقرأ أيضا: وزير الأوقاف الأردني يثير جدلا بمقاضاة عدد من منتقديه
إضعاف الحركة الإسلامية
ويرى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن "الحكومة مستمرة في عملية تفكيك وإضعاف الحركة الإسلامية بشكل عام بحجة محاربة التطرف والإرهاب"، مشيرا إلى أن "الدولة صاغت عددا من القوانين والأنظمة لهذا الغرض، والتي لم يكن آخرها نظام المراكز الإسلامية".
وقال أبو هنية لـ"عربي21" إن الدولة سيطرت على قوة جماعة الإخوان المسلمين الاقتصادية والاجتماعية من خلال وضع يدها على جمعية المركز الإسلامي، ثم سحبت ترخيص الجماعة وأغلقت فروعها، لتأتي اليوم كي تستهدف جمعية المحافظة المنتشرة في محافظات المملكة.
ولفت إلى أن الدولة تتحالف اليوم مع التيارات الصوفية والأشعرية لمواجهة السلفيين والإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن "هذا التحالف تكتيكي وقتي وليس استراتيجيا، وهو يمثل جزءا من تحكم الدولة بالمجال الديني".
وأضاف أبو هنية أن "الحكومة منحت وزارة الأوقاف جميع الصلاحيات المتعلقة بالمجال الديني، حتى أصبح هناك تضخم في أعمال الوزير تحت شعار مكافحة الإرهاب"، مشيرا إلى أن "الأردن وأكثر الدول العربية تتوسع في مفهوم الإرهاب كي تستهدف كل ما هو معارض لها".
وأوضح أن "مما يدلل على توسيع صلاحيات وزير الأوقاف؛ تقدُّمه مؤخرا بشكاوى ضد ناشطين وليس فقط مؤسسات، بحجة الاعتراض على بعض قراراته، بما يتعارض مع حرية التعبير التي كفلها الدستور، وخصوصا ما يتعلق بالشخصيات الاعتبارية العامة".
وبيّن أبو هنية أن الحالة الأردنية على التناقض والازدواجية، "فهناك خطاب رسمي يتحدث عن الإصلاح، لكن على أرض الواقع يتم تقييد الحريات، وتعطيل أي محاولة للإصلاح، وفرض المزيد من السيطرة على الحالة الدينية"، لافتا إلى أن "هذا النهج مغاير للدعوات الملكية إلى تطوير الحياة السياسية والحزبية بما يتيح مزيدا من الحريات".
وتجدر الإشارة إلى أن جمعية المحافظة على القرآن الكريم تضم 42 فرعا، وألفا و50 مركزا، موزعين على محافظات المملكة، وخرجت أكثر من ثمانية آلاف حافظ للقرآن، وأكثر من 15 ألف مجاز بالتلاوة، وأصدرت أكثر من 200 كتاب في العلوم الشرعية، أكثرها في علوم القرآن.
ومن أبرز وأهم إنجازاتها؛ طباعة المصحف الشريف بطريقة بريل الذي صدرت طبعته الأولى في 2005، وتفسير القرآن الكريم للصم والبكم، والمقرأة الإلكترونية العالمية.