هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد واقعة كابول، وكما يبدو، فإن محللين وخبراء سياسة وعلاقات دولية بالغوا في نبوءة سياسة إدارة بايدن، وما تحمل من استراتيجيات راديكالية وانقلابيه على سالفه الرئيس ترامب.
والبعض ذهب إلى ما هو أبعد، بأن بايدين سيقود حملة علاقات عامة، وحملة تحسين صورة أمريكا بعد ترامب، وحملة لترميم السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك على خلفية ما أصابها من نزعات فردانية وطوطابية، وبراغماتية وعدائية ترامبية للعالم، وتذكرون كيف أوغل ترامب في توتير العلاقة السياسية والتجارية مع الصين وصفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، وفتح أبوابا لسلام عربي جديد مع إسرائيل.
من المتفائلين في بايدن، كانوا يظنون أنه سيخرج في خطاب تلفزيوني ويعتذر من الشعوب العربية والعالم الثالث، ويزور رام الله ويقدم اعتذرا لمحمود عباس والسلطة الوطنية، ويصدر قرارا بحبس ترامب، والقبض على «جماعة ترامب» في الإدارة الأمريكية.
أوهام وإسقاطات شخصية، تعبر عن فائض من موروث شخصي لمحللين وخبراء سياسة، لا يدركون، ولا يريدون أن يفهموا أن أمريكا بلد مؤسسات، وأن نظامها ديمقراطي، وأن الرئيس قائد رأي عام، وليس زعيما بالمعنى الشرقي والعربي والكلاسيكي للكلمة.
ماذا تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد مر حوالي عام على انتخاب الرئيس بايدن؟ قرار الانسحاب من أفغانستان كان مبتوتا أمره من أيام الرئيس أوباما، وتبني الزخير لسياسة الصبر الاستراتيجي في إدارة أمريكا لأزمات وحروب العالم الملتهبة والساخنة، وسياسة عدم التدخل والانسحاب العسكري الميداني من بؤر متوترة كالعراق وسوريا، وتأسيس لحروب بالوكالة.
خطاب بايدين في حملة الترشح تبدل وتغير، وهذا أمر مألوف وعادي في العالم كله. مرشح الانتخابات يعلي من سقف التوقعات، وينثر رمالا من ذهب، ويقدم خطابا دعائيا في الشعارات لجلب التعاطف والولاء والداعمين والفوز بأصوات الناخبين.
وماذا اختلف ترامب بكل عنهجيته وتطرفه عن سابقه الرئيس أوباما؟ في السياسة الخارجية لا شيء يذكر. بل إن ترامب سار على خطى أوباما في التعامل مع الملفات الكبرى كالحرب التجارية مع الصين، والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي وانسحاب بريطانيا من بريكست، والعلاقة مع روسيا والحرب على الإرهاب، والصراع السوري والليبي، والقضية الفلسطينية، والعلاقة مع تيارات الإسلام السياسي في المنطقة.
أوباما قبل أن يرحل من البيت الأبيض بعام، قدم في خطاب مبادرة سلام أشبه بصفقة القرن وبكامل مفرداتها، ورماها كمشروع سلام في وجه الإسرائيليين والفلسطنيين، واعتبرها من آخر الفرصة التاريخية لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، وأكمل ترامب السير على خطى أوباما في تبني خطة السلام الأمريكية والترويج لها.
الرئيس في أمريكا والدول الديمقراطية ليس اسما مستعارا وحركيا لحزب، ولا يسير في صناعة القرار بمعزل عن مؤسسات الدولة ومستشارين والكونغرس القادر على إبطال قرارات الرئيس، وحدث ذلك أكثر من مرة.
كيف تفهم السياسة الأمريكية؟ سؤال ليس صعبا ولا معقدا، ولا يحتاج إلى نظريات ومقدمات في علوم السياسة والدبلوماسية، ولكي تكتشف وتفهم الظاهر والباطن في السياسة الأمريكية، في تجربة العرب شعوبا وحكومات مع الإدارة الامريكية، فكل رئيس أمريكي جديد نترحم على سابقه، ونقول.. والله إنه كان أفضل وأحسن، وقلبه ميال مع العرب.
حسابات عاطفية بحتة، ولربما هي حسابات الضعفاء وفاقدي ومعدومي الإرادة والقرار والاستقلال، ومن ينامون في أسرة خارج التاريخ، ينتظرون رئيسا أمريكيا يعطف على أحوالنا، ورئيسا ينقلب على أعمدة الثوابت في السياسة الأمريكية، لكي يدعم العرب ويساندهم في قضاياهم ومصالحهم وصراعاتهم.
وذلك ما يغيب عن تفكير كثيرين في تحليل وتأويل وفهم السياسة الأمريكية، وأكثر ما يغلب لديهم العاطفة والانجرار وراء الانطباعات، شخصنة الأمور على فقه ضيق الأفق ومعدوم البصيرة، ولا يتعلم من دورس التاريخ وتجارب الآخرين، ويمارسون إسقاطات، وفي كل صفعة أمريكية تكون أقسى وألعن من سابقتها.
نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية