مقالات مختارة

ليبيا من الفوضى إلى الدولة

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

للمرة العشرين، تلتقي مختلف الفصائل الليبية من انتماءات جهوية وقبلية وسياسية مختلفة أو متخالفة في مؤتمر جينيف، (وقد أعلن لسوء حظنا يوم السبت الماضي أنه فشل ولم يصل المتحاورون إلى اتفاق!) جاء لقاء جينيف بعد أن طاف الليبيون مختلف المدن الأوروبية والروسية والمغاربية في لقاءات رعتها منظمة الأمم المتحدة أو الاتحاد المغاربي أو جامعة الدول العربية أو الاتحاد الأوروبي، لكنها تقريبا منيت بالفشل الراهن نفسه، وعادت الفصائل إلى ليبيا أو إلى المنافي التقليدية! أي إنهم عادوا كل إلى قاعدته وفريقه وسلاحه ومرتزقته والقوى الراعية والممولة له في انتظار صدام مسلح جديد أو بادرة سلمية جديدة.


هذا المسار الصعب، توجته الإرادة الليبية بانتخاب مؤقت لحكومة ولبرلمان حددت لهما مهمة واحدة أساسية، هي إنجاح موعد 24 كانون الأول/ديسمبر القادم، حيث تواعدوا جميعا بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تطوي الصفحات السوداء إلى الأبد.


نعم طال عمر الفوضى في الشقيقة ليبيا 43 سنة تحت حكم العقيد القذافي، ذلك العسكري غريب الأطوار الذي طلع ذات صباح الفاتح من أيلول/سبتمبر 1969 الذي أصبح يسمى الفاتح العظيم، كما تحول كل ما يقرره العقيد بأوهامه "عظيما"، فالمملكة الليبية الأصيلة بملكها الزاهد المعتكف إدريس السنوسي، أصبح اسمها المرفوع شعارا متحديا، هو (الجماهيرية الليبية العظمى). وأذكر ذات يوم من أيام السبعينيات، كنا حول الزعيم بورقيبة حين استقبل العقيد فبادره بالسؤال عن سر التسمية بالعظمى؟ فأجابه العقيد بكل عفوية الثوري محدود المعارف التاريخية والجغرافية: "لماذا تسمى بريطانيا بالعظمى ولا تسمى ليبيا بالعظمى؟". فاندهش بورقيبة لهذا الجواب، وتمالك صبرا حتى غادر ضيف تونس قصر قرطاج، فالتفت لنا نحن المتحلقين حوله وقال؛ "إن القذافي شاب متحمس لعبد الناصر، وهو لا يعرف أن أصل تسمية بريطانيا بالعظمى ليس تعظيما، بل لأنها أخذت اسمها من مقاطعة فرنسية هي بريطانيا، فأراد ملوكها تمييزها بنعتها بكونها كبيرة أو (غريت) بالتفخيم! المهم أن الظرف الحالي لا يبعث على الأمل الكبير بعد أن تحدى المتمرد خليفة حفتر الحكومة الجديدة بتنظيم استعراض عسكري في بنغازي، كأنما قصد العودة بليبيا إلى ما قبل حكومة السراج!

 

ومن جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة أن ترتيبات أمنية غير عادية تبحثها الحكومة الليبية حاليا لإقرارها بشكل عاجل، وقالت المصادر؛ إن حالة استنفار أمني أعلنتها أجهزة وزارة الداخلية الليبية بعد تقرير مخابراتي قدمه رئيس الجهاز حسين العائب إلى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، يفيد بأن هناك تحركات لعناصر من تنظيم القاعدة (أو داعش!) لاستهداف مدن غرب ليبيا وجنوبها وتحديدا طرابلس والزاوية، واستلم رئيس الحكومة الليبية من رئيس المخابرات خطابا رسميا حمل ختم "سري للغاية"، حذر فيه الحكومة الليبية من تحركات مرصودة لتنظيم القاعدة الإرهابي لتنفيذ عمليات إرهابية خاصة في المنطقة الغربية.

 

وقال مصدر أمني مقرب من حكومة الدبيبة لوسائل الإعلام؛ إن أبرز النقاط التي تضمنها خطاب المخابرات إلى الدبيبة يحتوي تحذيرا "جادا جدا" بورود معلومات، بأن مدن طرابلس والزاوية وصرمان قد تتعرض لهجمات إرهابية من قبل تنظيم القاعدة أو ما تبقى منه في شكل خلايا نائمة، وأكد المصدر أن هناك ترتيبات أمنية يجرى اتخاذها حاليا من قبل الحكومة الليبية وقيادات وزارة الداخلية للتحقق من المعلومات الواردة في الخطاب، والعمل على إحباط أي تهديدات تتعرض لها المدن الليبية، وأشار المصدر الأمني إلى أن الخطاب ركز على أن التراخي الأمني الذي تشهده مدن الغرب الليبي، هو الدافع الأساسي لتنظيم القاعدة لاستهداف مناطق هناك، وأكد المصدر المقرب من الحكومة أن رئيس المخابرات الليبية طلب من رئيس الحكومة إصدار تعليماته برفع درجة الاستعداد القصوى والتأهب الأمني في المناطق المهددة في طرابلس، خاصة حيث لوحظت تحركات أمنية وعسكرية مكثفة تتمثل في تعزيز وجود عناصر الشرطة في محيط مؤسسات الدولة ومداخل العاصمة ومخارجها.

 

وتظل العقبة الكأداء التي لا تزال تعكر صفو الوفاق القائم اليوم، هي إشكالية تعيين وزير للدفاع؛ لأن معضلة ليبيا الكبرى بصراحة هي التمرد المارق على القانون الذي أعلنه، وما يزال الضابط المتقاعد خليفة حفتر المغرر به والموظف من قبل حكومات أجنبية تستثمر مع الأسف في الفوضى الليبية لأسباب مختلفة، لكنها تلتقي جميعا على تمديد عمر العنف الأهلي بين الإخوة الليبيين وزرع بذور عدم الاستقرار في إقليم المغرب العربي وحوض البحر المتوسط! وهي مؤامرات أجنبية تستهدف الجزائر وأمنها وتونس وانتقالها الديمقراطي، وتركيا ودورها الناجع في دعم الشرعية الليبية، والتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط. كل الآمال معلقة على وطنية الشعب الليبي، وتمسكه بوحدة بلاده ورغبته في السلام والأمن، والقضاء على بقايا الإرهاب والتمرد.

 

الشرق القطرية

 


0
التعليقات (0)