مقالات مختارة

أفغانستان بين الفوضى والتفاوض

حسن أبو طالب
1300x600
1300x600

قبل يومين من لقاء الرئيس الأمريكى بايدن مع نظيره الأفغانى أشرف غنى وعبدالله عبدالله رئيس مجلس المصالحة الأفغانية، نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً إخبارياً تضمن توقعاً منسوباً للاستخبارات الأمريكية يُقر بسقوط الحكومة الأفغانية بعد إتمام الانسحاب الأمريكى والقوات الدولية سبتمبر المقبل. التوقع مُسرب من أحد التحليلات الاستخبارية، بيد أن الصحيفة لم تنوه إلى أن هذا مجرد أحد الاحتمالات من بين عدة احتمالات أخرى تضمنها التقرير، الذى كان يضع جملة من السيناريوهات المتوقعة، وكل منها مشفوع باستنتاجات وتوصيات للبيت الأبيض بكيفية التصرف فى كل حالة على حدة. وهو ما أشار إليه مصدر استخبارى رسمى فى مجال دحضه لما نشرته الصحيفة كتوقع وحيد.


المعروف أن «وول ستريت جورنال»، جريدة ذات صلات وثيقة بمؤسسات صنع القرار الأمريكى، وكثيراً ما تنشر أخباراً وتحليلات غير محددة المصدر، ولكنها تؤخذ على قدر عالٍ من الجدية والثقة من قبل مجتمع القراء والمسئولين على السواء. وحين تقوم الصحيفة بنشر جزء محدد من تقرير استخبارى متنوع المشاهد والاحتمالات، باعتباره السيناريو الأكثر قابلية للحدوث، أو أنه السيناريو الوحيد المتوقع، وقبل يومين فقط من لقاء «بايدن» وأشرف غنى، يصبح الأمر مثيراً للتساؤل حول دوافع الصحيفة من هذا النشر المجتزأ. وبالطبع ليس مسموحاً أن تُنشر التقارير الاستخبارية ذات الطبيعة السرية على الملأ، بيد أن التقاليد الصحفية فى الولايات المتحدة، تقبل بنشر المحتوى العام لمثل هذه التقارير أو بعضها. هنا يثار التساؤل: هل أرادت الصحيفة أن تُفشِل لقاء «بايدن» و«غنى» قبل حدوثه، أم أنها أرادت التنبيه إلى مخاطر الانسحاب الأمريكى على بقاء حكومة أفغانية تعتبر صديقة، وقد استثمرت فيها الولايات المتحدة الكثير من الأموال والضحايا الجنود والزمن على مدى عقدين؟

كلا التفسيرين يتمتعان بقدر من الدقة، مع ميل نسبى إلى التفسير الثانى الذى يهدف إلى التنبيه من تداعيات الانسحاب الأمريكى بعد حوالى عشرة أسابيع فقط. والسؤال هنا هل ستتراجع إدارة بايدن عن الانسحاب، أم أنها ستبحث عن وسائل أخرى لضمان بقاء حكومة «غنى» مع بعض التعديلات التى تعنى تحديداً مشاركة طالبان فى تلك الحكومة وفق مساحة مناسبة، أى بقاء النظام السياسى إجمالاً مع إجراء تغيرات فى بعض مرتكزاته بحيث يسمح لطالبان بالمشاركة وفق ما تراه متوافقاً مع القيم الرئيسية للمجتمع الأفغانى. وهو الخيار الذى تطمح إليه إدارة بايدن ولكنها ليست واثقة من إمكانية حدوثه عملياً. ووفقاً لتأكيدات الرئيس بايدن لنظيره الأفغانى فإن المرحلة الجديدة ما بعد الانسحاب لا تعنى غياب الدعم الأمريكى، بل سوف يستمر هذا الدعم ولكن بصيغة مختلفة، جوهرها إنسانى وسياسى، وفروعها مساعدات عسكرية وأمنية واستخبارية، بحيث تظل أفغانستان بعيدة عن التحول إلى بؤرة مرة أخرى للإرهاب والتطرف وتهديد مصالح أمريكا وحلفائها.

مشكلة هذا التصور، الذى يقبله أشرف غنى وعبدالله عبدالله، ويدفعان لتطبيقه، أن طالبان لا تهتم بمبدأ المشاركة فى الحكم حتى ولو استحوذت على شق كبير من المسئوليات الوزارية كما يُعرض عليها بالفعل. الرؤية الطالبانية فى الأساس هى رؤية إقصائية، لا تقبل أحداً آخر يشارك معها حكم أفغانستان الذى تعتبره الهدف الأسمى لكل ما فعلته طوال العقدين الماضيين، ولا يتوقف الإقصاء عند استبعاد النخبة السياسية التى تعتبرها صنيعة أجنبية، بل استبعاد كل من يخالف رؤيتها لما تعتبره نظام الحكم الإسلامى الذى سوف تطبقه حين إحكام قبضتها على العاصمة كابول.

تنطلق رؤية طالبان من مبدأ أنها الأحق بحكم البلاد لأن جوهر ما تفعله هو العودة إلى ما قبل الحملة الأمريكية نهاية ديسمبر 2001 حين كانت تحكم البلاد منفردة، وبالتالى فهى الأحق بوضع الدستور الجديد، والأحق بإدارة شئون الدولة والمجتمع على السواء، بعد تطهيره من شوائب الحكم المدعوم أجنبياً. وهى الرؤية التى تفسر عدم قبول طالبان التفاوض مع حكومة أشرف غنى سواء فى وجود قوات أمريكية ودولية، أو بعد خروج جميع تلك القوات. وبناء على ذلك فإن دعوات التفاوض لتقاسم السلطة غير مقبولة، كما أن القبول بوجود مجتمع مدنى داعم للتحديث وفق مفاهيم غير تقليدية، بما فى ذلك السماح للمرأة بالتعلم والتوظف فى الحكومة أو القطاع الخاص، هو أمر مرفوض تماماً لدى طالبان.

ما سبق وإن يعطينا مؤشرات على صعوبات التفاوض مع طالبان من جهة، وارتفاع مستوى الثقة فى الذات من جهة أخرى التى تدعمها التحليلات الأمريكية من قبيل ما نشرته «وول ستريت جورنال» من جهة أخرى، فإن مجمل الأمور لا تبدو محسومة تماماً لصالحها. فعلى الرغم من نجاحها فى التمدد فى عدد من المراكز والقرى، فإنها تسيطر على نسبة محدودة، تقدر بـ81 مركزاً من بين 419 مركزاً تتشكل منها المناطق الإدارية الأفغانية، كما لا تسيطر على عاصمة أى إقليم، كما أن اعتمادها على العلاقات القبلية للانتشار فى بعض المناطق، هو نفسه عائق أمام الانتشار والتمدد فى مناطق أخرى. وبالرغم من أن الجيش الأفغانى الشرعى لديه أوجه ضعف وقصور عديدة، من حيث توافر المعلومات والقدرة على الحركة السريعة بين منطقة وأخرى ومحدودية القدرات الجوية، إلا أن تصور انهيار قوات عسكرية وأمنية يصل عددها إلى 350 ألف جندى، هكذا فى يوم وليلة هو أمر يصعب قبوله على إطلاقه. والمرجح أن حكومة أشرف غنى وباقى المكونات السياسية والمدنية حال تماسكها فى وجه طالبان، ودعمها عملياً ومعنوياً لتلك القوات، وبمزيد من الدعم التقنى والاستخباراتى الدولى والإقليمى، يمكنها الصمود فى وجه مسلحى طالبان بالرغم من خروج القوات الدولية.

المتغيرات مجتمعة تسمح بتوقع مواجهات عسكرية، وقدر من الفوضى، وكثير من التضحيات لبعض الوقت، وفى الآن نفسه لن يتوفر الأمان الكامل لسيطرة طالبانية على الدولة الأفغانية كما يطمح إليها صقور الحركة ومؤيدوها الإقليميون. بعبارة أخرى أن المباراة الصفرية، وأن يَسحق طرف كل الأطراف الأخرى، يستحيل تحقيقه، والبديل حينذاك مفاوضات للشراكة وفقاً للقدرات الفعلية وليست الطموحات المستحيلة. ويظل الشرط الرئيسى للوصول إلى هذا الوضع التفاوضى العملى مرهون بمدى قدرة القوى المدنية على الصمود وحماية المكتسبات التى تحققت. إنه الشرط الذى يُفترض أن القوى الدولية والإقليمية الرشيدة عليها أن تدعمه بقوة، وإلا أصبحت فى يوم وأفغانستان بؤرة جدية لنشر التطرف والإرهاب.

 

(نقلا عن صحيفة الوطن المصري)

 

1
التعليقات (1)
من سدني
الأربعاء، 30-06-2021 11:28 ص
مجرد اعلان تحكيم الشريعه الاسلاميه في اي بلد مسلم ترى المنبطحين والليبراليين وكل اصاحب النظريات المدنيه يقدمون العروض والتحاليل والتحذيرات للدول الصليبيه ودول الاحتلال ويقدمون النصائح لعدم تسليم السلطه لاي مكون ديني وخاصة ان كان هذا المكون من اهل السنه ولا مانع ان يكون بعمائم سوداء فارسيه مجوسيه وتحت حكم الولي السفيه الايراني اما تحكيم شرع الله بكتابه وسنة نبيه فهذا (شر مستطير ) بنظر هولاء الاقلام الماجوره ولا يريدون تحكيم شرع الله في عباده وبحجة الديمقراطيه والحريه والمساواة وحرية المراة والتحريض بعودة الارهاب والتطرف وكل ذالك حقداً وكرهاً وحرباً على تطبيق شرع الله لانه لايوافق اهواءهم وانحرافهم ونرى كثيراً ا من الأقلام المأجوره وكانهم من صلب لينين وماركس او احفاد ريتشارد ونابليون والله اعلم.