هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يغضب المسلمون في العالم إذا تم رسم النبي صلى الله عليه وسلم في رسومات مسيئة، لكنهم يسكتون حين يتم شتم
النبي ووالدته في القدس، وكأن الرسم وحده الذي يؤذي، أما الكلام، فلا.
يوم أول من أمس وخلال مسيرة الأعلام التي
اجتاحت مدينة القدس، تعرض مستوطنون إسرائيليون وبلغة عربية مبينة، تثبتها
الفيديوهات المتداولة، إلى شرف النبي، وعرضه، وأمه، وإلى مقامه هو أيضا، خلال
المظاهرات التي لم تترك شيئا إلا وقالته، وصولا إلى التهديد بهدم مسجد قبة
الصخرة، وحرق القرى والمدن الفلسطينية، وكل ذلك تحت عيون أجهزة الأمن الإسرائيلي.
وزير الخارجية الإسرائيلي خرج ليصرح لاحقا بأن
هذه الشتائم، قاصدا قتل العرب وحرق مدنهم وقراهم، عار على شعب إسرائيل، ودليل على
العنصرية، ولم يتطرق الوزير إلى قصة التعرض للنبي وعائلته، وعرضه وشرفه، وكل ما
قيل بحقه، جهارا نهارا.
الموضة السائدة في العالم العربي، التخلي عن
الخصوصيات الدينية، فإذا دافعت عن شرف النبي، أو بيته، أو عن حرمة المسجد الأقصى،
يخرج عليك من يرى أن الصراع ليس دينيا، ولا يجوز تحويله إلى صراع ديني، بل إن كثرة
تتخلى عن كل ما يخص هويتها، ويعاد هندسة شخصيتها الدينية والاجتماعية، حتى لا يقال
عنها متدينة، مثلا، أو متطرفة، أو متشددة، أو ليست بنت زمنها، أو ليست متنورة.
الكارثة أننا نتخلى عن أخص خصوصياتنا، مقابل
الهوان، فيما غيرنا في هذه الدنيا يتشدد إزاء كل ما يخص هويته الاجتماعية،
وثقافته، ومنطقته، ودينه، وحضارته.
غير أن شتم النبي في القدس، حيث المدينة التي
لها مكانة عنده، وهو شتم لم يحرك مشاعر الغيرة لدى كثيرين، ليس غريبا في المطلق،
إذ إن المشروع الإسرائيلي ذاته ليس مجرد احتلال عادي، فهو مشروع ديني، يستند إلى
التوراة، مثلما أن سياسات إسرائيل على مدى أكثر من ثلاث وسبعين سنة، قامت على أساس
طمس الهوية الإسلامية في فلسطين، وهدم المساجد، وحرقها، ومحاولة تغيير هوية القدس،
وقد رأينا بأنفسنا مؤخرا حرق المساجد في مدينة اللد، وما عشناه سابقا من مذابح في
الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وغير ذلك، وهي تصرفات لا يمكن ربطها بالمتطرفين
فقط ، كونها في الأساس تعد من سياسات الاحتلال.
الأزمة هنا، ليست في علنية الشتائم فقط، بل في
طبيعة المشروع الإسرائيلي المهددة للعرب، عموما، ولكل المسلمين، لكن المؤلم حقا، إننا
نعيش في زمن غريب، فلا قتل الفلسطينيين، ولا جرح الأبرياء، ولا هدم البيوت،
والاعتداء على المساجد، بما في ذلك تدنيس المسجد الأقصى، وصولا إلى الاعتداء على
مقام النبي صلى الله عليه وسلم، يثير غضبا عند كثيرين، فتحتار إلى أي أمة ينتسب
هؤلاء، ومتى نرى الحمية الغائبة، ولو بكلمة واحدة، وذلك اضعف الإيمان؟
الأدهى والأمر، أن الدول العربية والإسلامية،
أيضا، لا يهمها الأمر، فهي تتحدث عن علاقات دولية، ومحددات قانونية، وعن وسائل
تعبير سياسية، ولا تعتبر هذه الإهانات أمرا مهما، ولا تلتفت إليها، بل إن بعضها قد
يقول إن الشاتم مجرد شخص غائب عن الوعي، لا يجوز أن يستدرجنا إلى رد فعل، هذا على
افتراض أن هذه الدول لديها القدرة أساسا على بلورة فعل.
يعز النبي صلى الله عليه وسلم علينا جميعا،
ونراه بأبهى الصور وأحسنها، لا تلك الصورة التي يراد إلصاقها به، وتشويه سمعته،
ولأنه يعز علينا، فإننا نشعر بغضب بالغ أمام هذه الإساءات التي يتم توجيهها إلى
النبي في مدينته التي أسري به إليها، وصلى بها.
المفارقة هنا أن هذه الشتائم لو قيلت بحق شخص
عربي عادي من صغار القوم وعائلته، لقامت الدنيا ولم تقعد، وربما رفع كثيرون السيوف
على بعضهم، وحدث ما نعرفه جميعا، من عنف ودموية وثأر وانتقام، على الطريقة
العربية، في هكذا قصص تحدث أحيانا في العالم العربي.
التفريط والسكوت أمام شتم النبي صلى الله عليه
وسلم يضاف إلى قائمة طويلة من الاعتداءات، فيما سكوتنا على مس أخص خصوصياتنا لا
يعبر إلا عن قلة غيرة وهوان.