نموذج للحداثة العربية التي تستلهم التراث العربي باحتراف وباحترام شديد.
توفي عن 43 عاما غير أنه حفر اسمه في المكتبة الشعرية العربية، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية.
إنتاجه الشعري زاخر، لكن قصيدته " لا تصالح" خلدت اسمه على مر الأجيال العربية.
أمل دنقل المولود تحت اسم "محمد أمل فهيم محارب دنقل" عام 1940 بمحافظة قنا في صعيد مصر، نشأ لأب كان عالما من علماء الأزهر الشريف مما أثر في شخصية وقصائده بشكل واضح فيما بعد.
سُمّي بهذا الاسم لأنه ولد بنفس السنة التي حصل فيها والده على إجازة عالمية فسمّاه باسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه، رغم أن الاسم أنثوي.
تأثر أمل بوالده الذي كان يكتب الشعر العمودي، وكانت لديه مكتبة ضخمة تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما وفر له بيئة خصبة لعبت دورا كبيرا في وعيه المبكر، وفي تكوين اللبنة الأولى لهذا الأديب المؤثر.
فقد أمل دنقل والده وهو في العاشرة من عمره مما أثر عليه كثيرا واكسبه مسحة من الحزن تجدها في كل أشعاره.
بعد أن أنهى دراسته الثانوية رحل إلى القاهرة والتحق بكلية الآداب، لكنه انقطع عن الدراسة من أجل العمل موظفا في محكمة قنا وفي الجمارك ثم بعد ذلك موظفا في منظمة التضامن الأفروآسيوي، بعد أن تحمل مسؤولية أسرته كاملة وأصبح يلعب دور الأب بامتياز.
كان عاشقا للقراءة فكان يكاد لا يخرج من مكتبة والده إلا للنوم أو تناول الطعام، وكثيرا ما تقمص الطفل أمل دور الأب العالم الأزهري، عندما كان يخطب الجمعة ويلقي قصائد المدائح النبوية خلال المناسبات الدينية في القرية.
ولم يتفق أمل مع غالبية المدارس الشعرية في الخمسينيات فقد استوحى قصائده من رموز التراث العربي، وقد كان السائد في هذا الوقت التأثر بالميثولوجيا الغربية عامة واليونانية خاصة.
عاصر أمل أحلام العروبة والوحدة العربية والثورة المصرية مما ساهم في تشكيل بنيته النفسية، لكن هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967 شكلت له صدمة مثل غيره من المثقفين العرب فكتب رائعته "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" ومجموعته "تعليق على ما حدث ".
ولم يفق أمل من صدمة الهزيمة حتى جاءت هزيمة أخرى بتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر ودولة الاحتلال فأطلق رائعته "لا تصالح" ومجموعته "العهد الآتي". وكان توقع "اتفاقية السلام" بداية الصدام بين دنقل والسلطات المصرية التي ضيقت عليه كثيرا.
أُصيب أمل بالسرطان وعانى منه لنحو 3 سنوات وتتضح معاناته مع المرض في مجموعته "أوراق الغرفة 8" وهو رقم غرفته في المعهد القومي للأورام والذي قضى فيه ما يقارب 4 سنوات، وعبرت قصيدته "السرير" عن آخر لحظاته ومعاناته، وهناك أيضا قصيدته "ضد من" وكانت آخر قصيدة كتبها دنقل قبل رحيله هي "الجنوبي" التي تكتنفها رؤية فلسفية عميقة للموت والحياة، ليرحل بعدها بساعات قليلة في 21 أيار/ مايو عام 1983.
أرملة الشاعر أمل دنقل، الصحفية عبلة الرويني، تحكي عن تجربة مرض زوجها قائلة "كان لا يعرف الخوف، صخريا شديد الصلابة، لما اكتشفنا إصابته بالسرطان لم يهتز قط، بل واجه تلك المرحلة بشجاعة كبيرة أدهشت كل من حوله، وحين تمكنت الأورام السرطانية منه قرر الأطباء أن يقيم مدة عامين تحت الرعاية الطبية في معهد الأورام حيث نضجت موهبته، وقدم للمكتبة الشعرية أفضل ما كتب من شعر عربي في مواجهة الموت والمرض".
صدرت له ست أثناء حياته مجموعات شعرية هي:
"البكاء بين يدي زرقاء اليمامة " 1969. "تعليق على ما حدث"1971. "مقتل القمر" 1974. "العهد الآتي " 1975 ."أقوال جديدة عن حرب بسوس " 1983 ."أوراق الغرفة 8" 1983.
وصدر بعد مرور أكثر من 30 عاما على وفاته كتاب بعنوان "أمل دنقل.. قصائد لم تنشر"، يضم عشرات القصائد التي لم يسبق نشرها لهذا الشاعر العربي الهوى.
في مقدمة الكتاب شرح المؤلف أنس دنقل، وهو شقيق الشاعر، أسباب تأخر صدور الكتاب بوجود خلافات بين أرملة شقيقه الرويني التي التقى بها أمل حين كانت تعمل في صحيفة "الأخبار" المصرية، وبين عائلته وهو ما أعاق صدور هذا الكتاب لمدة طويلة.
ولا تزال لدى أسرته عددا من الأعمال الأدبية التي تركها الشارع الراحل ولم تخرج للنشر حتى الآن، وتضم مسرحية شعرية بعنوان "الخطأ" و20 قصيدة غالبيتها قصائد غزلية، ما زالت تبحث عن فرصة للطباعة تناسب القيمة الشعرية للراحل، علما أن أرملته الرويني تحتفظ بمسرحية لم تنشر أيضا بعنوان "الحاكم بأمر الله".
حمل دنقل آلام الأمة العربية وضياع هيبتها وكرمتها عبر هزيمة 1967 و"معاهدة السلام"، متجرعا مرارة كل ذلك، مما انعكس على نفسيته المرهفة حيث عومل من قبل السلطات المصرية معاملة لا تليق بشاعر عربي كبير، يعتبره النقاد الأفضل بين شعراء مصر في النصف الثاني من العقد الماضي.
وتبدو وصيته الشعرية صالحة لك زمان ومكان وهي تستنهض الشعوب لرفض التطبيع والرضوخ لإرادة المحتل:
لا تصالح
لا تصالح
ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى؟
هي أشياء لا تشترى
لا تصالح.. ولو توّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيك
وكيف تصير المليك.. على أوجه البهجة المستعارة
كيف تنظر في يدي من صافحوك، فلا تبصر الدم في كل كف
لا تصالح.. فليس سوى أن تريد
أنت فارس هذا الزمان الوحيد.
5
شارك
التعليقات (5)
ابراهيم نصور حمد
الإثنين، 24-05-202104:35 ص
جاء المقال في الوقت المناسب وفي يوم المناسب وهو توفيق من كاتبه لأن الشاعر كان يعلم نفسية أعداء أمته وصدق حين قال لاتصالح ليس معناها المطلق لكن بمعناها الخاص وكان يقصد إسرائيل ولحسن الحظ عرض المقال الاستاذ فوزي في عرب تايمز ، وعرف بأسلوبه الشيق بصديقه أمل وأثنى على الكاتب وبالتالي المقال أدى الدور المطلوب وخاصة لدى الأجيال التي لاتعرف أمل دنقل ، وكذلك جاء في وقت أمل للشعب الفلسطيني وقضية الأمة المحورية شكرا للكاتب
احمد الحمد المندلاوي
الإثنين، 17-05-202101:17 م
ممتاز رحمه الله و الجنة مثواه
اسماء
الإثنين، 17-05-202110:48 ص
اروع الشعراء في الوطن العربب
محمد العراقي
الإثنين، 17-05-202109:41 ص
حبذا لو يقرا كل العرب قصيدة (لا تصالح) ويعملوا بها حفظا لكرامتهم التي أهدرتها الأنظمة القمعية.
إرتحت من عناء هذه الدنيا البائسة
الأحد، 16-05-202106:13 ص
رحمك الله، إرتحت من عناء هذه الدنيا البائسة، حياة الشقاء والحزن وحياة الترف والسعادة دائما تنتهي بالموت، أنا لا أخاف من الموت ولكنني أخاف ما بعد الموت.