هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يمثل إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية، "إلى حين موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات في القدس المحتلة" مرحلة جديدة يمكن أن تكون انطلاقا لانقسامات أعمق، ولكنها بالمقابل يمكن أن تكون نقطة تحول في المشروع الوطني الفلسطيني، إذا أحسنت المكونات الوطنية التعامل معها، وإذا (ونضع تحتها ألف خط) قرر عباس أن يتوقف عن أوهام برنامجه السياسي الذي ثبت فشله.
تثبت التفاعلات الفلسطينية بعد إعلان عباس عدة حقائق، تحدث عنها كثيرون عند اتفاق حركتي حماس وفتح على الانتخابات، وكانت مثار جدل كبير في الساحة الإعلامية، ولكن التأجيل يجعل هذه الحقائق أكثر وضوحا، وأكثر مصداقية، لأنها باختصار صارت واقعا وليس مجرد تحليلات أو تكهنات.
أولى هذه الحقائق هي أن الانتخابات لن تكون سببا في وحدة الفلسطينيين وإنهاء الانقسام كما روج داعموها، بل على العكس تماما، فقد كانت سببا في الانقسامات عند إعلان إجرائها وكذلك عند تأجيلها! مع إعلان النية لإجراء الانتخابات وبدء التحضير لها، شهدت الساحة الفلسطينية جدلا كبيرا حولها، وظهرت الخلافات داخل مؤيدي الفصيل الواحد، وانقسمت حركة فتح إلى ثلاث قوائم، وهكذا أصبحت الانتخابات عاملا للانقسام بدلا من أن تكون عاملا للوحدة.
أما عند الإعلان عن تأجيل الانتخابات، فقد تسبب هذا الإعلان في عودة التراشق الإعلامي وخصوصا بين حركتي حماس فتح، ولكنها شملت الفاعلين السياسيين عموما في الساحة الفلسطينية. اتهمت حماس وفصائل وقوائم أخرى محمود عباس بإلغاء الانتخابات لأنه أدرك أن حركته لن تحصل على الأغلبية، في ظل تشكيل قائمتين فتحاويتين إحداهما لمحمد دحلان والأخرى لناصر القدوة ومروان البرغوثي، وهذا اتهام محق بلا شك، لأن مواجهة الاحتلال في القدس تكون بفرض المعادلة عليه ومناكفته وليس بالتراجع، ولكن من الواضح أن عباس أدرك أن الانتخابات ليست في صالح حركة فتح فلجأ لهذا الخيار المريح. بالمقابل اتهمت حركة فتح القوائم التي انتقدت التأجيل وعلى رأسها حماس بأنها غير معنية بقضية القدس، وبهذا تحول موضوع الانتخابات لفصل جديد من التراشق والتصدعات في الساحة السياسية الفلسطينية.
لم نكن بحاجة لقرار عباس الأخير لندرك أن الانتخابات تحت سقف أوسلو هي خيار عبثي لن يزيد سوى من الانقسام والتيه
اقرأ أيضا: هذا ما توصلت إليه الفصائل الفلسطينية بعد اختتام حوار القاهرة
يظهر قرار عباس هذا الخلل الجوهري في مسار المصالحة بشكل عملي، فمن جهة هو اتخذ القرار منفردا بدون مشاركة الفصائل الفلسطينية ولمصلحة فتحاوية كما هو واضح، ومن جهة أخرى فقد أعلن في إطار قرار التأجيل عن تشكيل حكومة وحدة وطنية "تلتزم بالاتفاقيات الدولية"، وهو تعبير "مشفّر" عن "شروط الرباعية الدولية" التي كانت شرطا لرفع العقوبات عن الحكومة التي تمخضت عنها انتخابات 2006، وهذا يعني أن الانتخابات الجديدة إذا عقدت فإنها ستحمل نفس سيناريو الانقسام والحصار الذي تبع الانتخابات الماضية، اللهم إلا إذا فازت فتح بالأغلبية وهو أمر يبدو أنه بات مستحيلا!!
لم نكن بحاجة لقرار عباس الأخير لندرك أن الانتخابات تحت سقف أوسلو هي خيار عبثي لن يزيد سوى من الانقسام والتيه، ولم نكن بحاجة لهذا القرار لنتأكد من خلل مسار المفاوضات الثنائية بين حماس وفتح، ولكن القرار قد يمثل فرصة لحركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى لتفرض على فتح والسلطة ورئيسهما محمود عباس خيارا وطنيا يتمثل بالمصالحة على أساس الاشتباك مع الاحتلال وفق ما تتيحه الظروف الوطنية والإقليمية، والاتفاق على إصلاح منظمة التحرير قبل انتخابات السلطة.
قد يكون هذا الخيار صعبا بسبب تعطيل عباس لأي اتفاق حقيقي خارج برنامجه السياسي الذي ثبت فشله لأكثر من 30 عاما، ولكنه على الأقل يعزل هذا البرنامج، وقد يشكل انطلاقة لاتفاقات وتحالفات فلسطينية خارج نفق أوسلو، وعلى قاعدة مقاومة الاحتلال، بدلا من الاستمرار بمنحه احتلالا ثمنه صفر!