هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
القدس لم تقع يوما من عيون الإسرائيليين، والفلسطينيين، فقد ظلت مطمعا للسياسات الإسرائيلية التوسعية، وتجفيف الوجود الفلسطيني فيها بشرا كانوا أو مقدسات ومؤشرات على هويتها العربية. في كل رمضان يشدّ الفلسطينيون الرحال إليها، بالرغم من إجراءات الاحتلال، التي تحاول عبر وسائل مختلفة، تقليل أعداد الراغبين في الوصول إليها.
قرار ترامب، الاعتراف بالقدس كلها عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، عززا الدوافع الإسرائيلية، وعجلا في توفير كل الإمكانيات المتاحة، لحسم المعركة على المدينة، التي يتمسك الفلسطينيون بعروبتها وهويتها الفلسطينية.
بمسلميها ومسيحييها، تتعرض القدس لإجراءات قاسية، وتضخ فيها إسرائيل مليارات الدولارات، في الوقت الذي تضيق فيه على الفلسطينيين لإرغامهم على الرحيل من بيوتهم.
الكل في إسرائيل، من الحكومة والأحزاب، والمؤسسات وقطعان المستوطنين والجيش وأجهزة الأمن والشرطة، الكل متفق ويشتغل على مخططات التهجير، وإحلال اليهود مكانهم.
بين كل هذه المؤسسات القمعية التي تديرها الحكومات الإسرائيلية تظهر جماعات إرهابية متطرفة، تعمل بكل راحة، وبدعم من المؤسسات الرسمية وحمايتها، لا تتوقف عن اقتحام المسجد الأقصى، وتدنيسه.
منظمة "أمناء الهيكل"، منظمة "تدفيع الثمن"، "شباب التلال" وأخيرا وليس آخرا، مجموعات جديدة بدأت تتشكل تحت عنوان مباشر لقتل العرب.
الإمكانيات الهائلة التي تملكها إسرائيل، تصعّب الأمور على المقدسيين، لكن إرادة الفلسطينيين أقوى من كل تلك الإمكانيات، لأنها تتمسك بالحق التاريخي، وبالإيمان بالانتصار، إن لم يكن اليوم، فغدا.
عبثا يصرخ المقدسيون ومعهم كل الفلسطينيين، طالبين الدعم والإسناد من العالمين العربي والإسلامي للدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. يكتفي هؤلاء كمؤسسات جامعة، وأنظمة منفردة بإصدار البيانات، وإطلاق التحذيرات والإدانات، لكن البعض تجاوز ذلك بالمعنى السلبي. بينما يتصدى الفلسطينيون لقطعان المستوطنين وإرهاب الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية، يقوم بعض المطبّعين العرب الجدد بتوقيع اتفاقيات رسمية مع إسرائيل.
في رمضان هذا العام، اجتمعت أسباب عديدة للتركيز على وضع القدس؛ فمنها تريد إسرائيل وتعمل على إفشال الانتخابات الفلسطينية، مقابل إصرار فلسطيني جماعي شامل على ضرورة إجراء الانتخابات بمشاركة حقيقية ترشيحا واقتراعا لأهل القدس.
في الأساس قلنا وقال الكثيرون؛ إن الانتخابات معركة ينبغي أن يفوز بها الفلسطينيون رغم الرفض الإسرائيلي لمشاركة أهل القدس. المعركة شاملة بما في ذلك القدس، التي لا مجال أبدا لإجراء الانتخابات دون مشاركة أهلها ترشيحا واقتراعا، ولأن هذه المعركة هي لمصلحة الفلسطينيين، لا بد من كسر العناد الإسرائيلي، وثمة وسائل مختلفة لضمان مشاركة المقدسيين في الاقتراع بعد ان أصبحوا جزءا من معظم القوائم الانتخابية، التي تسلمتها لجنة الانتخابات المركزية.
لجنة الانتخابات المركزية جاهزة للتعامل مع أسوأ الاحتمالات، وهي تدرك مسبقا طبيعة العقبات التي يمكن أن تلجأ إليها سلطات الاحتلال لإفشالها، لذلك؛ فإن القرار هو للمستوى السياسي وليس للجنة الانتخابات.
أيام الجمعة، وبالذات الجمعة الأخيرة، شهدت تصاعدا في استخدام العنف من قبل الشرطة والجيش والجماعات الإرهابية والمستوطنين ضد المصلين، الذي يتصدون ببسالة وثبات.
مئات الجرحى، ومئات المعتقلين، وعديد الإجراءات الإرهابية يتعرض لها أهل القدس، والفلسطينيون حتى خرجت الإدارة الأمريكية عن صمتها واكتفت بالتعبير عن قلقها إزاء تصاعد العنف في القدس.
لن يفعل المجتمع الدولي شيئا لكسر الذراع الإسرائيلية التي تتطاول على القرارات الدولية، وحقوق الفلسطينيين السياسية والإنسانية، ذلك أن الإدانة أو الشعور بالقلق، لا يثير قلق الإسرائيليين، فإن ترك أثرا عند الحكومة، فإنه لا يترك اثرا عند الجماعات الإرهابية والمستوطنين.
إذن، لا سبيل للمواجهة إلا من خلال وحدة الإرادة الفلسطينية سواء على المستوى الرسمي والفصائلي، أو على المستوى الشعبي.
من غير المعقول بعد كل هذه التضحيات، أن يستسلم الفلسطينيون بسبب الاعتراض الإسرائيلي على مشاركة أهل القدس في الانتخابات، فثمة آليات مختلفة يمكن من خلالها ضمان مشاركتهم لقهر السياسات والأهداف الاحتلالية الإسرائيلية.
نتنياهو الذي يدرك أبعاد ما تقوم به أذرع الاحتلال في حال استمرت بارتكاب جرائمها، دعا الجميع إلى الهدوء، وهي دعوة لا تسري على الفلسطينيين، وإنما تسري على سلطاته الاحتلالية.
أهل غزة البعيدون عن ساحة المعركة في القدس، يشتاطون غضبا؛ فقد خرجت تظاهرات ليلية عفوية، وخرج مئات الشبان نحو الشريط الفاصل، يقذفون قوات الاحتلال بما تملك أياديهم.
الفصائل أمرها مختلف، فهي بسبب طبيعتها الوطنية، مشاركة من خلال كوادرها وعناصرها في المعركة ميدانيا. ولكن بالإضافة إلى ذلك، تحركت فصائل المقاومة، وأطلقت عددا من الصواريخ، في سياق رسالة ساخنة للاحتلال. هذه الصواريخ والرد الإسرائيلي عليها، لا تخرج عن الحسابات التي يقرؤها كل طرف عند الطرف الآخر، بما يعني أنها لا تعبر عن رغبة في تفجير الأوضاع، لكنها تشير إلى ما يمكن أن تشهده الأراضي المحتلة في حال أصرّت إسرائيل على إفشال الانتخابات.
ما يجري في القدس ينطوي على مؤشرات للمرحلة المقبلة، حيث يمكن أن تخرج الأمور عن السيطرة، نحو حالة من الصراع الساخن، والفوضى والفلتان، ما لا تتمنّى إسرائيل أن تواجهه، ما يعني أن الأوضاع مفتوحة على مختلف السيناريوهات.
(الأيام الفلسطينية)