هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكثر من شهر بأيام قليلة
بقيت حتى موعد الاستحقاق الانتخابي الأول بينما يشتد الصراع مع الاحتلال الذي يعمل
بوسائل خبيثة لإفشالها، وعلى خط مواز يحتدم التوتر بين القوائم الانتخابية
الأساسية.
قبل موعدها بدأت عمليا وبوسائل قانونية،
الحملات الانتخابية، حيث انشغلت لجنة الانتخابات المركزية والمحكمة بفحص مئات
الطعون التي ظهرت قبل ساعات من إغلاق الوقت المخصص لاستقبالها.
هذا التأخير في تقديم الطعون إلى الساعات
الأخيرة، يشير إلى عمق أزمة الثقة بين الأطراف التي انتظمت في قوائم انتخابية،
وتشير أيضا إلى سوء النوايا.
وبينما رفضت لجنة الانتخابات كل الطعون، ولم
تقبل إلاّ واحدا فإن محكمة الانتخابات لا تزال منشغلة في هذا الملف، في إطار الوقت
المحدود والمتبقي أمامها.
الاحتلال يشكل عقبة كبيرة وأساسية أمام إجراء
الانتخابات وهو يفعل ذلك انطلاقا من مصلحته في إبقاء واقع الحال الفلسطيني على ما
هو عليه، ولذلك فإنه يواصل اعتقال مرشحين، وتهديد آخرين ومنع أي نشاط للمرشحين في
القدس.
والاحتلال أيضا لا يزال يبقي ورقة القدس حتى
وقت متأخّر، والأرجح أن يلقيها في وجه الفلسطينيين في وقت لاحق وقبل أن
يصلوا إلى موعد فتح باب الاقتراع، وإلى ذلك الحين يرفض السماح للمراقبين
الأوروبيين والدوليين بالإشراف عليها في القدس.
الغريب أن الأوروبيين يكتفون بما يشبه الشكوى،
دون أي فعل أو ممارسة للضغط على الاحتلال، أو فضح سياساته.
إذا كان الاتحاد الأوروبي قد أثبت عجزه عن
ممارسة أي ضغط أو تأثير على السياسات الإسرائيلية، وعلى ملف العملية السلمية، فإن
ثمة شكا كبيرا بشأن الموقف الأمريكي القادر على إرغام إسرائيل على الامتثال فيما
لو أرادت الولايات المتحدة ذلك.
هذا يعني أن الإدارة الأمريكية تضيف إلى رصيد
مواقفها مؤشرا آخر، على إمكانية أن تقوم الولايات المتحدة بجهد حقيقي جدي نحو فتح
باب مفاوضات ذات مغزى، يمكن أن تدفع الأحداث نحو إحياء الأمل بجدوى المفاوضات
والركض خلف سلام على أساس رؤية الدولتين وقرارات الأمم المتحدة.
التحدي يشتد أمام الفلسطينيين، الذين يترتب
عليهم خوض هذه المعركة والفوز فيها انطلاقا من المصلحة الوطنية الفلسطينية. هو تحد
للضغوط الخارجية وفي مقدمتها الضغوط الاحتلالية وهو أيضا تحد مع الذات، يتجاوز الحسابات
الفئوية، والمخاوف غير المنطقية. تثير القلق تصريحات مسؤولين فلسطينيين بشأن
إمكانية المضي قدما نحو إجراء الانتخابات، وتجاوز العقبة الإسرائيلية التي يفترض
أنها لم تغب عن الأذهان حين التقت الفصائل، وتوافقت قبل أن يصدر الرئيس محمود عباس
المراسيم الخاصة بها.
بعض المسؤولين أكثر من الحديث عن خطط بديلة من
نوع إقامة حكومة وحدة، إذا لم تجر الانتخابات بسبب عقبة القدس، وثمة من تحدث عن
ضرورة البحث عن بدائل سياسية، فيما الكل يسرف في التصريحات التي تتعلق بملف القدس،
إلى الحد الذي يثير الشكوك.
في هذا السياق لعل الأكثر وضوحا وشفافية
وشجاعة، المبادرة التي تقدمت بها قيادات حركة فتح في السجون الإسرائيلية، والتي
تعزف على أوتار حسابات خاصة بحركة فتح، وربما تدغدغ أفكارا مكبوتة لدى الكثيرين
ممن يمتنعون عن المطالبة بتأجيل الانتخابات حتى لا يضعوا أنفسهم أمام المسؤولية عن
إفشالها مبكرا.
بصراحة ليس هناك وطني فلسطيني حقيقي، يرغب في
أن تعاني حركة فتح مما تعانيه من انقسامات، ولا نقول انشقاقات طالما أن الخلاف يقع
في اطار الحرص على الدور التاريخي للحركة، والذي يتمسك به الجميع.
غير أن هذا الحرص دونه حاجة لمغادرة عقلية
الإقصاء، ما تتحمل عنه المسؤولية اللجنة المركزية للحركة، التي تملك سلطة القرار
الحركي، وعليها تقع المسؤولية في اتجاه إعادة ترميم صفوف الحركة.
المبادرة، تتحدث عن تعديل في النظام السياسي
الفلسطيني من خلال تعديل المادة 38 من النظام الأساسي. بحيث يجري انتخاب رئيس
ونائب رئيس ضمن ورقة واحدة، على غرار الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
تقترح المبادرة تأجيل الانتخابات التشريعية،
دون أن تحدد موعدا آخر، وتقترح أن يكون الأخ مروان البرغوثي نائبا للرئيس محمود
عباس ما يتيح إعادة دمج قائمة البرغوثي القدوة في قائمة موحدة للحركة. وفي السياق
تدعو المبادرة اللجنة المركزية للعودة عن قرارها بفصل القدوة، وإعادته إلى صفوف
اللجنة المركزية.
المشكلة في هذه المبادرة هي أنها تضع مصير
الانتخابات في يد الرئيس واللجنة المركزية، ما يحمّل الحركة المسؤولية عن إفشال
الانتخابات قبل أن تبدأ محطتها الأولى، فضلا عن أن ذلك سيؤدي إلى استفزاز الفصائل
والقوى الأخرى، التي يجري تجاهلها إزاء دورها في الشأن العام الوطني.
المشكلة الأخرى، هي في كون المبادرة تعترف
صراحة، بأن المشكلة الأساسية أمام إجراء الانتخابات هي أوضاع الحركة، وليس موضوع
القدس، الذي تشير إليه المبادرة وكأنه ذريعة كافية.
أمام هذه المعطيات والمؤشرات تتراجع الثقة
بإمكانية الالتزام بإجراء الانتخابات، استنادا إلى المراسيم الرئاسية، وبالتالي
غياب اليقين بشأن الإجابة عن سؤال هل ستجرى الانتخابات أم لا.
في كل الحالات، من غير المنطقي أن يهزم
الفلسطيني نفسه في هذه المعركة، وإن حصل ذلك، فإن موجة جديدة عاتية من الاتهامات
والصراع ستنشب، بما يؤدي إلى تعميق الانقسام وتسميم المناخات الوطنية.