المصالحة مع العسكر.. "كامب طرة" بين الوهم والحقيقة

ما إن أعلنت تركيا عن تقارب وتفاوض مع النظام المصرى وطالبت قنوات المعارضة بتخفيف الخطاب، حتى طفت على السطح تصريحات ومنشورات لا تنتهى عن المصالحة بين العسكر والإخوان، حتى وصلت إلى الحديث عن لقاء تم بينهما!!

وأتوقف بهدوء:

1- المعلن والمعروف أن التفاوض التركي المصري يدور أساسا حول كل ما يخص ليبيا؛ من ترتيب للحكم وقوات عسكرية وبترول، ثم الأهم الحدود البحرية المصرية التركية الليبية وشرق المتوسط.

2- ما الذي يدفع العسكر لقبول التصالح مع الإخوان؟

أولا: لم يعد للإخوان قوة مؤثرة في داخل مصر بعد إجهاض العسكر لطرفي قوة الحركة للإخوان: ما أطلق عليه "العمليات النوعية" وتحريك الشارع بالمظاهرات، ثم ما تم من تغيير في الإخوان لخطابهم السياسي والإعلامي منذ سنوات.

ثانيا: ملف الإخوان أصبح أغلبه حقوقيا ويتعلق بالمعتقلين بنسبة 90 في المئة، والـ10 في المئة السياسي يعتمد على المنصات الإعلامية ودائرة اتصالات الإخوان.

ثالثا: لا يوجد مركز كتلة معارضة من الأتراك في مصر، وإن كان من الممكن أن يوجد أفراد من منظمة فتح الله غولن في مصر أو منظمات انفصالية كردية، ولكن لا أثر ملحوظا لهم.

رابعا: نظام العسكر الانقلابي استقر بشدة عما كان عليه منذ الانقلاب حتى نهاية 2015.

خامسا: يحظى نظام الانقلاب بدعم أمريك- "إسرائيل"- غربي، وسعودي- إماراتي، وكل تلك الأطراف مجتمعة على نبذ الإخوان والإسلاميين عامة.

3- ما الذي يدفع تركيا إلى طرح تصالح العسكر مع الإخوان؟

أولا: الإخوان المصريون ليسوا مثل الطرف الليبي؛ يمتلكون أرض طرابلس، ولا مثل المعارضة السورية التي تتواجد في إدلب رغم كل الدمار، إنما هم بين المنافي والسجون لا قوة لهم مؤثرة على الأرض.

ثانيا: الإخوان ليسوا الطرف الوحيد في المعارضة، فهم يمثلون 40 في المئة، و50 في المئة قوى إسلامية متعاطفة، و10 في المئة قوى سياسية مختلفة، فلا يمكن تقديمهم كطرف وحيد في المصالحة.

ثالثا: ماذا عند الإخوان وقوى المعارضة الإسلامية وغيرها من أوراق يمكن تقديمها في التفاوض؟ فهم لا يقومون بعمل مقاوم للعسكر (لا يوجد منذ خمس سنوات)،  ولا يحركون مظاهرات (لا توجد مظاهرات منذ أربع سنوات)، وكانوا عالة على المظاهرات التي حركها محمد علي.

تبقى فقط القنوات الفضائية، وهي رغم أن خطابها معارض إصلاحي وليس ثورىا، إلا أنه تم الطلب بتخفيف خطابها.

ولكن هل كان ذلك بصدد طرح التصالح بين الإخوان والعسكر؟ أم كان ذلك ورقة حسن نوايا تركية للتقارب مع النظام المصرى في شرق المتوسط وليبيا؟ ذلك هو الأقرب للمنطق؟

يبقى الآتي:

1- نظام الانقلاب له خيوط مع الإخوان يستفيد منها هو فقط، كما حدث مع يوسف ندا وغيره، واستطاع تحجيم الحالة الثورية في الإخوان بالقضاء على تنظيم محمد كمال من الواجهة تماما، واستطاع تمزيق الإخوان بالانقسامات.

2- نظام الانقلاب يعي تماما ما فعله من ظلم وسفك دماء، وأن الإفراج عن المعتقلين هو بمثابة إخراج حبل المشنقة ليلتف على رقبته مهما كانت التفاهمات، وهو يستفيد من ورقة اعتقالهم وتصنيفهم كإرهابيين في ظل فوبيا الإسلام، بخلاف أنه لا فائدة له مطلقا من خروجهم.

3- حتى تجربة السادات رغم عدم وجود مجازر وظلم مثلما فعل السيسي، إلا أن السادات أخرج المعتقلين باتفاق (لمصلحته) على دفعات، واستوفي أحكام المسجونين بالمؤبد بـ20 سنة سجنا فخرجوا في عام 1974.

4- نظام العسكر يعرف فشله الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويخشى من كل صوت معارض ويتعامل مع المعارضة كلها بطريقة حرب الصدمات الكاسحة، ولا يترك صوتا واحدا يتكلم، فلماذا يتصالح مع الإخوان؟

وأخيرا، يبقى أن الهرولة في تصريحات المصالحة تكشف عن غياب تام للوعي في الواقع السياسي، وحرص على تخدير المضطهدين. وأشد من ذلك، لغة التنازلات المتسارعة في التصريحات بدون أي فائدة، كأنهم على وشك التوقيع على "كامب طرة"، مما جعل السيساوية ينتظرون أن يعلن الإخوان "تسلم الأيادي".

وهذا يجعلني أتذكر حديث مساعد رئيس الجمهورية محمد مرسى رحمه الله، حيث قال لي إنه قابل اللواء العصار بعد الانقلاب وطالبه بوقف ما يحدث، فكان رد اللواء العصار: "ابتعد أنت، نحن نعرف الإخوان جيدا وسيأتون إلينا كما نريد".

لكني على يقين تام بأن الجموع العامة للإخوان والإسلاميين والمعارضة لن تكون أبدا كما يريد العسكر، ولكن الخلل في بعض من تم تصعيدهم عمدا لقيادة المشهد ويحيط بمواقفهم الغموض.