برغم
الحرب التي تعيشها منذ ستة أعوام، إلا أن اليمن لا زالت مصدرا لأجود أنواع العسل.
صحيفة
"
الغارديان" البريطانية اهتمت بهذا الموضوع، وسلطت الضوء في تقرير لها
ترجمته "عربي21" على إنتاج العسل في اليمن التي تنهكها الحرب.
وفي ما
يلي نص التقرير:
اشتهرت
اليمن منذ فترة طويلة بإنتاج بعض أفضل أنواع العسل في العالم، وغالبا ما يتم مقارنتها
بعسل المانوكا من نيوزيلندا. يأتي بعض أجود وأنقى أنواع العسل من النحل الذي يتغذى
حصريا على أزهار السدر، وينتج عسلا شاحب اللون بطعم ناري يكاد يترك طعما مرا في الفم.
وبينما
جعلت الحرب السفر صعبا، وأغلقت العديد من الطرق، فإن حياة مربي النحل التقليديين هي
نفسها إلى حد كبير: فهم من الأشخاص الوحيدين في اليمن الذين يمكنهم اجتياز الخطوط الأمامية
بسهولة، ويتنقلون كل بضعة أشهر بحثا عن الزهور لنحلهم.
قال
سعيد العولقي، 40 عاما، عندما أخذ استراحة من الاعتناء بثمانين من خلاياه بالقرب من
قرية خمير في شبوة: "لا يهم من الذي يقود نقطة تفتيش ما. يرون خلايا النحل في
مؤخرة الشاحنة ولا نضطر للتوقف طويلا، حتى الحوثيون يخافون من النحل".
ينتج
ما يقدر بنحو 100000 من النحالين الصغار مثل العولقي في اليمن 1580 طنا فقط من العسل
سنويا، يتم تصدير 840 طنا منها، وفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2020.
يمكن
بيع عسل السدر بمبلغ يصل إلى 500 دولار (370 جنيها إسترلينيا) للكيلوغرام في دول الخليج
المجاورة مثل السعودية والإمارات. بينما يؤكد خبراء العسل أن المنتج اليمني يستحق سوقا
عالمية، فإن عقودا من عدم الاستقرار السياسي تعني نموا مضطربا ومحدودية الوصول للخارج.
حرصا
على تحسين الاستقرار الغذائي وجلب الأموال إلى البلاد، حددت الحكومة العسل باعتباره
قطاعا رئيسيا للتوسع، ويقول مربو النحل وتجار الجملة والمصدرون الذين التقتهم صحيفة
"الغارديان" في عتق، عاصمة شبوة، وحولها إنهم حريصون على مشاركة ذهبهم السائل
مع بقية العالم.
يستعرض
العولقي وموظفوه الثلاثة الشباب بحماس خلاياهم الخشبية المستطيلة، ويفتحون الأبواب
لعرض صفوف الأمشاط بالداخل. الدخان الناتج عن حرق شرائح من قماش القنب يبقي النحل يشعر
بالنعاس ويمنعه من اللسع، على الرغم من أن الأربعة يقولون إنهم محصنون بعد تعرضهم للهجوم
مرات عديدة.
وقضى
العولقي عشر سنوات في تربية النحل بعد أن تعلم هذه المهنة من عمه. وفقد رزقه بالكامل
عام 2015، بعد أن انتقل الحوثيون إلى شبوة وأغلقوا الطريق المؤدية إلى أبين المجاورة،
حيث مات نحله بعد نفاد الماء.
استغرق الأمر عامين ليبني عمله مرة أخرى حيث اشترى 300 خلية أخرى بتكلفة مليوني ريال يمني
(1850 جنيها إسترلينيا). والآن تنتشر خلايا النحل الخاصة به حول جبال شبوة والصحراء
والسهل الساحلي حسب الموسم.
لا يمكن
حصاد عسل السدر الثمين إلا مرة واحدة كل 12 شهرا، ولكن الطلح وزهور الصحراء الأقل درجة
توفر العمل على مدار العام.
وبقيت
خلايا النحل تربى في جذوع الأشجار الفارغة وتُنقل على ظهور الإبل حتى قبل جيل واحد.
ولكن الخلايا المصنعة والشاحنات الصغيرة المستوردة تجعل العمل أسهل، حتى لو كان مربو النحل، مثل كثيرين آخرين في اليمن، يعانون من نقص الوقود.
وبينما
هناك أموال يمكن جنيها من العسل، هناك أيضا العديد من التحديات التي يجب على مربي النحل
التغلب عليها. إذ جعلت حواجز الطرق أو القتال من المستحيل نقل خلايا النحل إلى مناطق
أكثر وفرة، سيموت النحل، كما يتعرض النحل أيضا لخطر الاستخدام غير المنظم للمبيدات
من قبل المزارعين.
تعني
الحرب أن تربية النحل أصبحت مهنة خطرة على البشر أيضا. الألغام الأرضية التي لا تحمل
علامات مزروعة في جميع أنحاء البلاد. وبينما يفضل مزارعو النحل تحريك النحل ليلا، عندما
تكون الحشرات نائمة، غالبا ما يُنظر إلى الحركة الليلية على أنها مشبوهة من قبل الأطراف
المتحاربة في اليمن، ويتم تتبعها عن كثب من الجو بواسطة طائرات بدون طيار سعودية وأمريكية.
قال
محمد بن لاشر، تاجر جملة في عتق، إن أحد مورديه استُهدف بغارة جوية في محافظة مأرب.
"لقد كان محظوظا لأنه نجا. ربما اعتقدوا أنه كان من تنظيم القاعدة".
على
الرغم من المخاطر، ومع ازدياد التضخم وندرة العمل الدائم، يبدو أن المزيد والمزيد من
الناس في شبوة يتجهون إلى تربية النحل كوسيلة بديلة للدخل.
بينما
يسعد المزارعون ذوو الخبرة بمشاركة ما يعرفونه عن هذا العمل مع المزارعين الجدد، إلا
أنهم قلقون أيضا من أن كثرة النحل في نفس المنطقة ستجعل من الصعب العثور على الغذاء
والماء المناسبين للنحل المتزايد، مما يؤدي إلى انخفاض المعايير والأسعار.
في الساحة
الرئيسية في عتق، يقوم العشرات من مزارعي النحل ببيع سلعهم للمتسوقين الأفراد وتجار
الجملة، لكن قلة من الناس كانوا يشترون.
قال
صالح الهانسي، 25 سنة: "هذا هو موسمي الأول كمربي نحل. أنا أحب ذلك، أستمتع بالعمل.
شجعني مربو النحل الآخرون على البدء وسوف أرى كيف تسير الأمور ".
قد يكون
هناك ما يكفي من العمل للجميع إذا تدخلت السلطات أو الجمعيات الخيرية المحلية للمساعدة
عن طريق زراعة المزيد من أشجار السدر، وهي خطوة يضغط عليها النحالون المحليون. تشمل
الخطوات الضرورية الأخرى لتوسيع القطاع إنشاء وكالة معايير ونظام شهادات سلامة الأغذية
للسماح لمربي النحل اليمنيين بتصدير منتجاتهم العضوية في جميع أنحاء العالم.
العولقي
فخور بعمله، ولن يتخلى عن النحل مقابل أي شيء: "يمكن أن تكون هناك وحدة في بعض
الأحيان ولا يمكنني رؤية عائلتي إلا مرة واحدة في الشهر. لكني كنت أقوم بأعمال البناء
في المملكة العربية السعودية وهذا أفضل بكثير من ذلك.. النحل والعسل نعمة من الله..
هناك الكثير لنكون شاكرين له".