ملفات وتقارير

BBC: كيف تبدو علاقات أمريكا والصين بعيدا عن "الحرب الباردة"؟

هذه ليست "الحرب الباردة الثانية" وإنما هي أخطر من ذلك بكثير- جيتي
هذه ليست "الحرب الباردة الثانية" وإنما هي أخطر من ذلك بكثير- جيتي

نشرت شبكة "بي بي سي" البريطانية تقريرا سلطت فيه الضوء على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، في وقت يتزايد فيه الحديث عن "حرب باردة" بين العملاقين.

 

وبحسب التقرير، فإنه سيكون الاجتماع المرتقب بين كبار مسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظرائهم الصينيين أول فرصة يلتقي فيها الجانبان وجها لوجه، من أجل تقييم مسار العلاقات بين القوتين العظميين الأكثر أهمية ونفوذا في العالم.

 

فمن المقرر أن يجتمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع كبير الدبلوماسيين الصينيين يانغ جيشي ووزير الخارجية وانغ يي، في ولاية ألاسكا الأمريكية الخميس.


ومما لا شك فيه، بحسب التقرير، أن العلاقات الحالية بين الصين والولايات المتحدة هي الأسوأ منذ عدة سنوات، ويبدو أنها تتجه نحو المزيد من التدهور.

 

فقبل تعيينه في منصبه الحالي، شارك سوليفان مع كبير مستشاري بايدن للشؤون الآسيوية كورت كامبيل في كتابة مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" قالا فيه بصراحة ووضوح إن "حقبة التواصل مع الصين وصلت إلى نهايتها".

 

اقرأ أيضا: بايدن يمضي بتحالف "الرباعي" ضد الصين.. ناتو جديد؟

 

وأصبح من المألوف وصف العلاقة بين الصين والولايات المتحدة بأنها "حرب باردة" جديدة، وذلك في إشارة إلى المواجهة التي دامت لجيل كامل بين الأخيرة والاتحاد السوفييتي والتي ألقت بظلال قاتمة على موسكو في النصف الثاني من القرن العشرين.


ولا تخلو طريقة توصيف العلاقة بين بكين وواشنطن من أهمية، فهي تساعد في صياغة نوع الأسئلة التي نطرحها والردود التي نستلمها، كما تحدد أطر الخيارات المتعلقة بالسياسات. فنظرتنا إلى هذا الموضوع قد تقودنا إلى السير في طرق معينة وربما تغلق في وجهنا طرقا أخرى.


ووفق التقرير، فقد اصطلح على القول إن المقارنات التاريخية تعدّ من الأدوات المفيدة في توضيح الخيارات والسياقات والمعضلات. ولكن ثمة من يجادل بأن هذه المقارنات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، فالتاريخ لا يعيد نفسه بهذه الطريقة وقد تتغلب الخلافات على أوجه التشابه.


فإذا كان المرء يقصد بتعبير "الحرب الباردة" وجود صراع هائل يشمل كل أوجه القوة والجبروت بين نظامين سياسيين غير متوافقين، فسيصبح من الواضح أن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تشبه إلى حد بعيد تلك التي دارت بين واشنطن وموسكو في النصف الثاني من القرن العشرين.

 

وكما نصّت وثيقة إستراتيجية السياسات الخارجية المؤقتة لإدارة بايدن التي نشرت في وقت سابق من الشهر الحالي، فإن "صيناً أكبر نفوذا وأكثر إثباتا لوجودها هي المنافسة الوحيدة التي لديها القدرة على حشد قدراتها الإقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتقنية لتحدي النظام العالمي المستقر والمنفتح بشكل دائم".


وأصبحت الترنيمة التي تسمع في زوايا البيت الأبيض في عهد بايدن تقول إنه ينبغي مواجهة الصين إن كان ذلك ضروريا والتعاون معها إن كان التعاون ممكنا.


وتتخذ الصين من ناحيتها موقفا مشابها، فهي تعبر عن رغبتها في تأسيس علاقات بناءة بينما تصرّ في الوقت ذاته على إعلاء مصالحها الخاصة- مثل قمع الحركة المطالبة "بالديمقراطية" في هونغ كونغ ومعاملتها القاسية لأقلية الإيغور المسلمة في إقليم تركستان الشرقية (والتي وصفها بلينكن بالإبادة الجماعية).

 

اقرأ أيضا: بريطانيا تطلق استراتيجية ضد الصين وتتحدث عن "مخاطر أخرى"


ولا تدع بكين أي فرصة تمر دون أن تؤكد على مثالب النظام الأمريكي، فقد استغلت الطريقة الكارثية التي تعاملت بها إدارة دونالد ترامب مع وباء كوفيد-19 وأعمال الشغب التي تكللت باقتحام مؤيدين لترامب لمقر الكونغرس الأمريكي لتثبت أن نموذجها الاجتماعي والاقتصادي هو المتفوق.

 

أخطر من مجرد حرب باردة


ولذا، فإنه يمكن القول بلغة سطحية، وفق التقرير، إن وصف العلاقة بين القوتين الكبريين "بالحرب الباردة" يبدو مناسبا، ولكن إلى مدى هو مفيد فعليا هنا؟ في الحرب الباردة الأصلية، كان الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه معزولين إلى حد كبير من الاقتصاد العالمي، وكانوا خاصعين لقيود مشددة على صادراتهم ووارداتهم.

 

ولكن الوضع الآن يناقض ذلك الوضع بشكل جليّ. فالصين أصبحت الدعامة الرئيسية للاقتصاد العالمي، علاوة على أن اقتصادها مندمج إلى حد كبير مع الاقتصاد الأمريكي.


وبحسب "بي بي سي"، فقد كانت الحرب الباردة الأصلية عبارة عن صراع سياسي لا هوادة فيه ولا تفاهم، ينفي فيه كل من الجانبين شرعية الجانب الآخر.


وعلى الرغم من أنه من النادر أن تنشب مواجهات مباشرة بين الأمريكيين والسوفييت، إلا أن عددا هائلا من البشر فقدوا أرواحهم في صراعات خاضها الجانبان بالوكالة (أي من خلال أطراف أخرى) في أرجاء عديدة من العالم.


وفي المحصلة النهائية، دحر أحد الجانبين، فقد طوت صفحات التاريخ النظام السوفييتي.


ويخشى كثيرون من أن النظر إلى المنافسة الراهنة بين الصين والولايات المتحدة بهذه الشروط الأيديولوجية الواضحة قد يؤدي إلى سوء تقدير عند الجانبين المتنافسين، ويعطي الصين تحديدا مبررات أكثر لاتخاذ مواقف قد تكون نتائجها كارثية من أجل تجنب أي هزيمة ممكنة.


ولكن الصين ليست الاتحاد السوفييتي، فهي أقوى بكثير، فعلى سبيل المثال لم يبلغ الناتج المحلي الإجمالي السوفييتي في ذروته إلا 40 في المئة من نظيره الأمريكي. إلا أن الصين ستتساوى مع الولايات المتحدة في هذا المعيار خلال هذا العقد.


وتعد الصين أقوى منافس تواجهه الولايات المتحدة منذ القرن التاسع عشر، ولذا فإن العلاقة بين البلدين يجب أن تدار بحكمة وربما لعدة عقود قادمة.


وهذه المنافسة هي المنافسة الجوهرية والأساسية التي تهيمن على زمننا الراهن، ويجب علينا التخلي عن الكليشيهات والمقاربات التاريخية الكاذبة في توصيفها. فهذه ليست "الحرب الباردة الثانية"، وإنما هي أخطر من ذلك بكثير.

التعليقات (0)