قضايا وآراء

حاتم علي.. طراز تاريخي فقده العرب

محمد فهيم
1300x600
1300x600
فقد الفن العربي المخرج السوري حاتم علي، أحد المبدعين العرب الذين قدموا التاريخ الإسلامي والعربي والحديث في أبهي صوره الفنية، مغادرا الدنيا من إحدى فنادق القاهرة التي كانت آخر محطاته في الغربة والفن معا.

العشرات من الأعمال الدرامية الإبداعية ولأكثر من ثلاثة عقود شق بها حاتم علي (1962- 2020)، التاريخ وأخرج منه أجمل وأبدع ما فيه في قالب فني؛ تُرجم وتم دبلجة بعضه لعدة لغات.

لن ينسى له تاريخ الفن العربي أعمالا راقية في زمن الغثاء؛ بداية من السيرة الشعبية في "الزير سالم" (2000)، ثم إبداعاته مع الكاتب الفلسطيني الدكتور وليد يوسف، في رائعة "صلاح الدين الأيوبي" (2001)، التي صححت ما ألمّ بـ"الناصر صلاح الدين" على يد المخرج المصري يوسف شاهين.

رونق آخر ونقلة إبداعية فنية ليس لها مثيل في تاريخ الفن العربي من وجهة نظري؛ قدمها علي، في ثلاثية الأندلس (صقر قريش 2002، وربيع قرطبة 2003، وملوك الطوائف 2005)، والتي كشفت عن حجم ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في الأندلس بصورة زانها التأنق والتألق والإبداع الفني الراقي.

"التغريبة الفلسطينية" (2004) حدث آخر فارق في تاريخ الدراما والتاريخ العربي الحديث من علامات الراحل حاتم علي، تلك الحلقات التي عبرت عن ألم الشعب الفلسطيني، وما زالت تعبر عنه وعن كل شعوب الأمة التي تشعر بالغربة داخل أوطانها من قهر المحتل في فلسطين ومن وكيله الجالس فوق كل كرسي عربي.

وفي إنصاف لملك مصر المغبون، قدم حاتم علي مفاجأة مصرية خالصة عبر مسلسل "الملك فاروق" (2007)، ليعيد للرجل كثيرا مما سلبته منه الأعمال السينمائية والدرامية المصرية. وكان مفاجأة في كل شيء للمشاهد المصري الذي اكتشف علي وتعرف عليه، ولكن هذه المرة من قلب القاهرة.

"عمر" (2012) ذلك العمل الرائع حسب النقاد، والذي لم أشرف بمشاهدته بعد، أظنه آخر أعماله التاريخية، ليبدأ حاتم علي نفسه مشوار الاغتراب إثر الثورة السورية بين كندا ومصر التي عمل فيها بعض الأعمال الجيدة، حسب النقاد.

ولكن من وجهة نظري فإن ما قدمه علي مؤخرا في القاهرة هي أعمال بعيدة عن المجال الذي أبدع فيه، وأحبه الجمهور العربي منه، وانتظره بين الحين والآخر ليخرج عليه بقبضة من التاريخ يعرضها كتحفة فنية وإبداعية متكاملة الأركان في متحفه البديع.

أعتقد أن أحلام علي لم تكتمل، والحالة والعربية السورية أوقفتها إلى حين، حيث عاش مؤخرا وسط غثاء مخرجين ومنتجين وممثلين أغلبهم لا يعرفون من الفن إلا خلع الملابس، ووقائع غرف النوم، وضرب السنج والمطاوي، والألفاظ البذيئة، وتنفيذ أجندات الأنظمة.. ثم رحل وتركنا فريسة لسعارهم.

عزيزي، جرب مرة أن تستمع لحوار من حوارات مسلسلات حاتم علي، لتكتشف أن هذا هو الفن الراقي، ولتتأكد أنك كمشاهد عربي تضيع وقتك وعمرك في مشاهدة أناس لا يستحقون لحظة من عمرك الثمين.

في بداية الألفية الجديدة أتذكر كيف جأر النقاد في مصر خوفا من إبداع علي؛ على القاهرة (هوليود الشرق) التي هدد المبدع السوري ريادتها الفنية العربية بأعماله التاريخية، والتي حاولت القاهرة تقديم ما يضاهيها، وبرغم ما كان ينفقه نظام حسني مبارك على الإنتاج الدرامي التاريخي والديني كل عام، ظلت أعمال حاتم علي أشد توهجا في قلب وعقل المشاهد العربي والمصري منه أيضا.

فكيف خسر الفن العربي مخرجا عبقريا في زمن طغى فيه الابتذال؟ وهل يخرج من بين هذا الغثاء نموذج يكمل مسيرة حاتم علي؟ أم أن الذين قتلوا أحلام علي، سيواصلون مسيرة قتل أحلام العرب في فن راقٍ؟
التعليقات (0)