اقترحت أسبابا كثيرة لتفسير السرعة والمدى المذهل لاتفاقيات
التطبيع الأخيرة بين الدول العربية وإسرائيل – وبدون أدنى ثمن، رغم أن ذلك كان يمكن أن
يكون في مقابل أن تعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية.
من بين العوامل التي أشير إليها لتفسير الحماسة التي
أبدتها كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان ثم أخيراً المغرب: ضمان الحصول
على أسلحة متقدمة من الولايات المتحدة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول إيران،
وضبط الطموحات الجيوسياسية لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان وجماعة الإخوان المسلمين، والتضييق
على فريق بايدن، ووقف الضم المنتظر للضفة الغربية.
وكل ما كان مطلوباً منهم في المقابل هو إلقاء الفلسطينيين
تحت عجلات الحافلة، مجازياً.
زاد من اندفاع هؤلاء إدراكهم بأن دونالد ترامب قد يخسر
انتخابات 2020. فقد علموا أن البيت الأبيض لن يدخله شخص أكثر تعاطفاً منه يشترك معهم
في نظرتهم للأمور ليس فقط فيما يتعلق بإيران وإنما أيضاً حول قضايا الديمقراطية وحقوق
الإنسان، والتي يرون أنه لا لزوم لها.
لم تكن هذه الأمور مما يأبه له ترامب، فقد كان رجل أعمال
يسبح بحمد الطغاة في كل مكان، وهو في نظر هؤلاء كان الرئيس المثالي لأمريكا.
والأكثر من ذلك، يغفر الله لك إن ظننت أن موجة التطبيع
كانت واحدة من تلك اللحظات التي تحقق فيها الإجماع الإقليمي وساد فيها الوئام والانسجام
بين الحكام والمحكومين.
وذلك أن وسائل الإعلام تغص بالقصص التي تتحدث عن مشاريع
وصفقات تجارية تم إبرامها وعن تبادل البعثات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة
بشكل خاص، فهي بلا شك اللاعب الأساسي في كل هذا الأمر، وما من بلد من البلدان التي
اعترفت بإسرائيل إلا ولديها نقاط ضعف تمارس من خلالها الإمارات الضغط الدبلوماسي عليها.
ولكن تبقى القضية الفلسطينية مسألة وجدانية في العالم
العربي، ولا يمكن حسابها بالعملة الصعبة. ولك أن تتأمل في التصريحات الأخيرة للأمير
تركي الفيصل، الذي ترأس المخابرات السعودية لما يزيد عن عقدين من الزمن وعمل سفيراً
للسعودية في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهي التصريحات التي كشفت بشكل واضح عن الانقسامات
التي يشهدها العالم العربي حول مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
تحدث الأمير تركي الفيصل في مؤتمر البحرين عن التطبيع
وقال إنه يمكن أن يتم بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل فقط كجزء من صفقة سلام
دائم يتم إبرامها من خلال حل الدولتين سبيلاً لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
إلا أن هذا الدفع قوبل بحملة مقززة من العلاقات العامة.
كيف تسنى ذلك؟ وكيف آل أمر الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهي القضية التي كانت متجذرة
في وجدان الإجماع العربي، إلى أن يلقى بها في عالم النسيان الرسمي بهذه السرعة الفائقة؟
يتعلق الأمر كله بالرواية، وهي في هذه الحالة تحوم حول
إسرائيل وحلفائها الجدد الذين ينمقون الرسائل حول التطبيع، وحول الجهود التي يبذلونها
من أجل تغيير السلوك الخليجي تجاه الفلسطينيين، وحول ما يبدو أنه إخفاق مأساوي من قبل
الفلسطينيين في إيجاد موطئ قدم راسخ لروايتهم في منطقة الخليج.
يبدو أن التعاطف مع الهم الفلسطيني قد وهن في أوساط النخب
الخليجية، أو على الأقل هذا ما تسعى الدعاية والدبلوماسية الإسرائيلية إلى إقناعنا
به.
بالكاد يتذكر أبناء الجيل الجديد من العرب انتفاضتي فلسطين
الأولى والثانية، ناهيك عن أن يتذكروا شيئاً عن الأيام التي كانت فيها رايات القومية
العربية ترفرف في الآفاق. لقد أضحى الاستعمار بالنسبة لأبناء هذا الجيل أمراً يقرأون
عنه في الكتب.
وهذه نقطة الضعف التي تسربت من خلالها الدعاية الإسرائيلية،
إذ اجتمعت جهود جيش الدفاع الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية والجماعات المناصرة
لإسرائيل مثل اللجنة اليهودية الأمريكية لكي تركز جل اهتمامها خلال العامين الماضيين
على استهداف الجيل الجديد، من خلال إجبار مواقع التواصل الاجتماعي الناطقة بالعربية
على تغيير الرواية المتعلقة بإسرائيل.
لم يكن ذلك حال الأمير تركي الذي يبلغ من العمر خمسة
وسبعين عاماً، والذي يتذكر جيداً تلك الأيام، إذ لم يكن من باب المصادفة أن يصف إسرائيل
في خطابه أمام مؤتمر البحرين بأنها "آخر القوى الاستعمارية الغربية في الشرق الأوسط."
تكمن المشكلة في أننا فيما عدا ما تبثه الدعاية الإعلامية
الإسرائيلية ووسائل الإعلام الرسمية في العالم العربي لا نعرف في حقيقة الأمر ما الذي
يفكر فيه الرأي العام في الخليج بشأن تلك الصفقات. ولكن هناك ما يكفي من الأدلة لإثارة
الشك حول الادعاء بأن الرأي الشعبي في العالم العربي يدعم قطار التطبيع.
ليس من باب المصادفة أن الدول العربية التي اعترفت بإسرائيل
مخالفة بذلك المبادرة العربية للسلام تحكمها أنظمة سلطوية لا تترك مجالاً أمام المجتمع
المدني لكي ينتقدها علانية. وحيثما تتوفر المعلومات حول الرأي العام العربي، يظهر بوضوح
أنه ما زال يوجد تعاطف واسع النطاق مع الفلسطينيين أو على الأقل معارضة للتطبيع قبل
إقامة الدولة الفلسطينية.
وكانت الباحثة في السياسة المقارنة والأستاذة الجامعية
دانا الكرد قد أشارت إلى البحث الذي أجراه المركز العربي للبحث والدراسات السياسية،
على سبيل المثال، والذي أظهر أن 6 بالمائة فقط من الذين استطلعت آراؤهم في المملكة
العربية السعودية يؤيدون الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. وفي الكويت رفض 88 بالمائة
من الذين استطلعت آراؤهم مثل هذا الاعتراف مقابل 10 بالمائة من المؤيدين. وفي قطر أيضاً
رفض 88 بالمائة من المستطلعة آراؤهم الاعتراف.
لم يشمل الاستطلاع كلاً من الإمارات العربية المتحدة
والبحرين، ولكن دانا الكرد بينت أن أرقام الهواتف الإماراتية "وصلتها رسائل واتساب
من الحكومة قبل إعلان التطبيع تحذر من أنه لا يُسمح بأي معارضة للسياسة الرسمية."
وفي البحرين، وعلى الرغم من الإجراءات القمعية التي تنتهجها
الحكومة، ما زال مستخدمو السوشال ميديا يصدعون بآرائهم أكثر من أقرانهم في الإمارات
العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولقد شهدت البلاد عبر مواقع التواصل الاجتماعي
ومؤسسات المجتمع المدني هناك حملات نشطة ضد التطبيع.
عندما سألت صديقاً عربياً ما الذي يراه زملاؤه في الإمارات
العربية المتحدة بشأن التطبيع، قال لي إنه لم يعبأ حتى بمجرد السؤال لأنهم "لا
يقولون الكثير خشية أن يكونوا تحت المراقبة." وبين لي أن كثيراً من أصدقائه لا
يتحدثون في الموضوع لأن "لديهم مصالح تجارية وأموال هناك" وأي معارضة يمكن
أن تفضي إلى الترحيل.
على الرغم من عدم وجود بيانات مؤكدة حول ردود الأفعال
في الخليج على واقع التطبيع، فثمة حملة إعلامية بالغة التعقيد تشن منذ بعض الوقت من
أجل تزيين التطبيع للناس في العالم العربي، وثمة ما يشير إلى أن هذه الحملة بدأت حتى
قبل انطلاق الربيع العربي، وكل ما حصل الآن هو أنها زادت سرعة وزخماً.
ولتبيان ذلك دعوني أسرد حكايتين بهذا الشأن.
أما الأولى فكانت في حفل عشاء حضرته في منزل البرفسور
وليد الخالدي في كامبريدج، ماساشوستس قبل ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن، حينما أخبرني
المؤرخ الفلسطيني المعروف أنه توقف عن كتابة المقالات في الصحف الناطقة باللغة الإنجليزية
لأنه بات أكثر اهتماماً بإصلاح ما ينشر في الصحافة العربية من سوء فهم حول القضية الفلسطينية.
كان قلقاً لشعوره بأن الفلسطينيين أهملوا العالم العربي،
وأن جيلاً جديداً بأسره بات لا يعرف تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي. أظن أن المخاوف
التي تنبأ بها ثبتت الآن صحتها.
كانت القيادة الفلسطينية تركز بانتظام على العواصم الغربية
مهملة الجوار العربي، ليس فقط من حيث الاهتمام وإنما أيضاً من حيث محتوى الرسالة أيضاً.
فقياس واحد لا يناسب جميع الأحجام، والرواية التي يصلح أن تسرد في واشنطن العاصمة قد
لا تصلح بالضرورة في دبي.
قد يكون من الملائم في أروقة الجامعات التقدمية وبعض
شبكات التلفاز أن يلجأ المرء إلى خطاب يركز على النضال ضد الاستعمار وتقرير المصير
وحقوق الإنسان، ولكن هذا لا يصلح في كل مكان. ففي دول الخليج، حيث تفرض قيود شديدة
على حقوق الإنسان الفردية وعلى حقوق الأقليات، لم يعد واضحاً لماذا يحتاجون لأن يدعموا
فلسطين.
كما أن الحديث عن أن إسرائيل هي آخر معقل للاستعمار الأوروبي
في الشرق الأوسط لم يعد يلقى قبولاً كبيراً بعد أن تمكنت إسرائيل بنجاح من إعادة تقديم
نفسها باعتبارها بلداً رائداً في عالم التكنولوجيا تستحق أن تتخذ نموذجاً يحتذى – وخاصة
في بلدان الخليج التي بدأت تشهد تراجعاً في الاقتصاد القائم على النفط.
أما الحكاية الأخرى فهي أحدث من سابقتها، حيث أخبرتني
صديقة عربية انتقلت مؤخراً إلى سنغافورة من الخليج بأنها عندما كانت في دبي اشتركت
في قائمة مراسلات تابعة لمنتدى الشرق الأوسط الذي يقوم عليه دانييل بايبس، ظناً منها
أنه مركز أبحاث وتفكير متوازن حول المواضيع المتعلقة بالشرق الأوسط.
لكن أي مراقب مطلع، وأي فلسطيني يستحق هذه النسبة، يعرف
أن منتدى الشرق الأوسط (والذي يصف مهمته بأنها تتمثل في حماية "القيم الغربية
من التهديدات القادمة من الشرق الأوسط") أبعد ما يكون عن التوازن.
إلا أن بايبس نجح، وبشكل لا يكاد يصدق (هو ومجموعات مشابهة)
في ترسيخ أقدامه وكسب الأتباع في العالم العربي، تلك المنطقة التي يهملها النشطاء الفلسطينيون.
فقط عندما تلقت صديقتي في العام الماضي رسالة إيميل من
المنتدى تدعو إلى التبرع لمشروع النصر في إسرائيل دقت لديها نواقيس الإنذار. حينها،
ألحت علي أن أشاهد الفيديو المصاحب للرسالة والذي يدور موضوعه حول أن الصراع سوف ينتهي
فقط "عندما يستسلم الفلسطينيون".
كانت قد توهمت كما يتوهم كثير من عرب الخليج بأن بايبس
يمثل الاعتدال. وهؤلاء ليسوا على اطلاع جيد بتفاصيل الصراع كما هو حال الفلسطينيين،
ولذلك لا يمكنهم اكتشاف ما بين السطور من تحيزات وتحريفات يروج لها أشخاص يبدون في
الظاهر كما لو كانوا أصحاب أجندات معقولة، ولا ينكشف أمرهم حتى يزال القناع الذي يغطي
وجوههم كما حدث في حالة مشروع النصر الإسرائيلي.
ولكن النفوذ الذي تتمتع به الدعاية الإعلامية الإسرائيلية
في العالم العربي ليس ناجماً فقط عن إخفاق الاستراتيجية الفلسطينية ولكن أيضاً، كما
يبدو، عن نجاح هذه الدعاية الإسرائيلية في صياغة الطريقة التي ترى من خلالها بعض النخب
الخليجية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فقد غدت هذه الدعاية بالغة التعقيد، إذ تضخم رسالة إسرائيل
عبر السوشال ميديا من خلال مؤثرين على تويتر ترعاهم الدولة، وحتى من خلال شبكة ذباب
إلكتروني يتم تشغيلها من قبل مصادر موجودة داخل الإمارات العربية المتحدة.
كما تظهر على شكل نخب تتعارف وتتواصل فيما بينها اجتماعياً:
ذلك الود الذي ينجم عن الاجتماع على الطعام في أماكن خاصة، والنقاشات التي تتم عبر
مراكز البحث والتفكير، واللهجة المؤيدة لإسرائيل في كثير من الأوساط الإعلامية والترفيهية
الرائجة، من السي إن إن إلى فوكس نيوز، ومن هوليوود إلى نيتفليكس.
ذلك التشويه المستمر لكيفية قراءتنا للواقع، والذي يعطي
الأولوية للرواية الإسرائيلية على الرواية الفلسطينية، له تداعيات حقيقية في العالم.
ولقد أثبت مؤخراً السياسيون ورواد الأعمال في الخليج مدى عمق ما تصل إليه هذه الأصوات
النشاز.
خذ على سبيل المثال خطة ترامب التي تسمى "صفقة القرن"،
والتي كتبت بطريقة لا يمكن لأحد من الزعماء الفلسطينيين القبول بها، حيث تجاوزت الخطة
تقريباً كل واحد من الخطوط الحمر لدى الفلسطينيين.
لا يمكن لعربي على معرفة بجغرافيا القدس (إلا أن تكون
هذه المعرفة مستمدة من خرائط غوغل) أن يصدق بأنه يمكن لعاصمة فلسطينية أن تقام في أبو
ديس وأن تشتمل على الأماكن المقدسة لدى الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، داخل أو قريباً
من مدينة القدس القديمة، والتي باتت مفصولة عنها بجدار إسمنتي ارتفاعه ثمانية أمتار
وبجبل الزيتون.
ونفس معيار الجهل ينطبق على كيفية شرعنة الخطة للمستوطنات
الإسرائيلية ولضم وادي الأردن واحتمال سحب الجنسية الإسرائيلية من عشرات الآلاف من
الإسرائيليين العرب الذين يعيشون في عشر بلدات حدودية.
ومع ذلك لم يجد سفراء الإمارات العربية المتحدة والبحرين
غضاضة في إقرار الخطة، بينما كانت المملكة العربية السعودية ومصر والأردن أكثر حكمة
حين رفضت المشاركة في حفل إطلاق الخطة في البيت الأبيض.
عندما زار وفد تجاري إماراتي مؤخراً المسجد الأقصى طاردهم
المصلون الفلسطينيون الغاضبون، فلدى الفلسطينيين ما يبرر سخطهم، فعدا عن إحساسهم بأن
الإماراتيين غدروا بهم، وتارة أخرى يتجلى هنا جهل الخليجيين، أو لا مبالاتهم، هناك
مدخل خاص لكبار الشخصيات من العرب، هو بوابة الأسباط، والتي تشرف عليها إدارة الأوقاف،
بينما هناك تسع بوابات أخرى لاستخدام المصلين المسلمين.
إلا أن الوفد الإماراتي دخل إلى المسجد برفقة الشرطة
الإسرائيلية من البوابة الوحيدة المخصصة لغير المسلمين، والتي يشرف عليها الإسرائيليون
والتي تسبب كثيراً من الاحتكاك بين إسرائيل والأردن. لربما ضلل الإسرائيليون ضيوفهم
من الإماراتيين، ولكن كان ينبغي عليهم أن يحفظوا درسهم جيداً قبل المجيء. فالقدس، وعلى
الرغم مما يبدو في الظاهر، تظل مدينة محتلة، حتى أن معظم الفلسطينيين، بما في ذلك أهل
غزة والضفة الغربية، لا يمكنهم زيارة المسجد فيها.
لعل أعجب خطأ خليجي ينم عن سوء تقدير هو ذلك الذي وقع
عندما صرح وزير التجارة البحريني أن المملكة لن تميز بين المنتجات المستوردة سواء أنتجت
في إسرائيل أو في المستوطنات داخل الضفة الغربية المحتلة أو الجولان المحتل. كان ذلك
خطأ فظيعاً ألجئت المنامة فيما بعد إلى التراجع عنه.
لا حاجة لاتهام البحرينيين بالخبث عندما يتضح دون أدنى
لبس أن بعض زعماء الخليج في واقع الأمر لا يعرفون ما الذي يفعلونه.
لكن أسوأ تداعيات التطبيع على الإطلاق هي دوره في إضفاء
الشرعية على اليمين الإسرائيلي. لك أن تتصور الكم الهائل من الصحفيين اليمينيين ومجموعات
المستوطنين الذين يتوافدون على دبي بأعداد قياسية.
ثم هناك الصفقات التجارية المشبوهة، ناهيك عن ذلك العضو
في العائلة الحاكمة في الإمارات الذي اشترى حصة في أكثر أندية كرة القدم يمينية وعنصرية
في إسرائيل، بيتار إسرائيل، والذي يعرف برفضه توظيف اللاعبين العرب. وغني عن القول إنه من المؤذي حقاً أن يساهم التطبيع في إعلاء مكانة واحد من أفسد السياسيين في تاريخ
إسرائيل. فأياً كان رأيك في سياساتهما، من المؤكد أن نتنياهو ليس إسحق رابين أو مناحيم
بيغن، فهؤلاء كانت لديهم على الأقل نزاهة.
أنا كلي مع "التطبيع" لو أن التطبيع يعني إقامة
دولتين مستقلتين تعيشان في سلام جنباً إلى جنب ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، تماماً
كما تنص على ذلك مبادرة السلام العربية التي استشهد بها الأمير السعودي تركي الفيصل
في حديثه.
في نفس الوقت يتوجب على الفلسطينيين الاعتراف بمدى إخفاق
رسالتهم في طمأنة قلوب أهل الخليج، وخاصة في أوساط النخب الحاكمة، منذ ما قبل الربيع
العربي.
من الواجب على الفلسطينيين مضاعفة الجهود لبناء ائتلاف
جديد لا تتكرر فيه الانقسامات القائمة في العالم العربي، يتشكل من الحكومات الملتزمة
بالتوصل إلى حل عادل للصراع. وعليهم إيجاد طريقة للترويج لقضيتهم تجد قبولاً لدى الأجيال
الجديدة في العالم العربي.
هذا أمر في غاية الأهمية لأنه حتى لو تغلبت عليهم تل
أبيب وأبوظبي بما أوتيا من إمكانيات، فلا يمكن للفلسطينيين أن يقعدوا عن العمل ويقبلوا
بمشروع إسرائيل الكبرى أو أن يستسلموا في وجه السطوة الإسرائيلية الخليجية.
نقلا عن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وترجمة خاصة لـ"عربي21"