هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتصاعد نقاشات بشأن رهانات الانتخابات المقبلة، خاصة بعد أن تصدر حزب "العدالة والتنمية" (مرجعية إسلامية) نتائج انتخابات عامي 2011 و2016، حيث يقود الحكومة لولايتين متتاليتين، للمرة الأولى في تاريخ المملكة.
ولم تعلن السلطات بعد تواريخ محددة بشأن الانتخابات البرلمانية والبلدية المقررة العام المقبل.
تعددية مصنوعة
يرى بلال التليدي، المحلل السياسي المغربي، أن "عملية الإعداد للقوانين المؤطرة لانتخابات 2021 اكتنفها الخلاف في المقاربة"، وفق وكالة أنباء الأناضول التركية.
وأوضح أن "هناك من يريد أن يستمر النفس العام الذي أطر الاستحقاقات الانتخابية، أي نفس استكمال البعد الديمقراطي، وهذا ما يفسر المطالبة بأن يكون القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوتين".
وتابع: "وهناك مقاربة أخرى، وهي أن الحقل السياسي يشوبه نوع من الفراغ، وفي نفس الوقت حزب العدالة والتنمية مستمر كفاعل أساسي في ذلك الحق، بعدما قاد الحكومة لولايتين متتابعتين".
وأضاف: "البعض يحاول معالجة إشكال الفراغ السياسي، ليس من مدخل الدينامية الحزبية، يعني أن تقوم الأحزاب بدورها لمنافسة هذا الفاعل (العدالة والتنمية)، وإنما من مدخل التحكم في القانون".
وتحدث التليدي عن "سعي بعض الأطراف لصناعة تعددية تفرضها القوانين ولا يفرضها الواقع، وهو ما يفسر المطلب الغريب الذي يروم أن يكون القاسم الانتخابي مبنيا على عدد (الناخبين) المسجلين".
أبرز الخلافات
نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، عقد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، اجتماعا مع زعماء الأحزاب الثمانية الممثلة في البرلمان، استغرق أكثر من أربع ساعات.
لكن لم يتمكن العثماني من تقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية، فعقدت وزارة الداخلية لاحقا لقاءات لحسم النقاش، لكن من دون جدوى أيضا.
بشكل أساسي، طفى على السطح مطلبان لأحزاب المعارضة والأحزاب الصغيرة، الأول هو إعادة النظر في القاسم الانتخابي، الذي يتم على أساسه توزيع المقاعد البرلمانية بعد التصويت.
ويقترح "العدالة والتنمية" استمرار اعتماد الطريقة الراهنة في حساب القاسم الانتخابي، أي استخراجه بقسمة عدد الأصوات الصحيحة على عدد المقاعد.
بينما تطالب باقي الأحزاب -باستثناء "الأصالة والمعاصرة" أكبر أحزاب المعارضة- بقسمة مجموع الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية على المقاعد في الدائرة الانتخابية.
أما المطلب الثاني فهو تعديل العتبة الانتخابية، وهي الحد الأدنى من الأصوات الذي يؤهل حزبا ما للحصول على مقعد في أي دائرة انتخابية.
ويقترح "العدالة والتنمية" رفع العتبة إلى 6 بالمئة، وهو ما تعارضه الأحزاب الصغيرة والمتوسطة من حيث أدائها الانتخابي، خشية أن يحول دون تمثيلها في البرلمان. فيما تدعو أحزاب أخرى إلى إلغاء العتبة الانتخابية تماما.
وأُجريت انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 بعتبة 6 بالمئة، ثم تم تخفيضها إلى 3 بالمئة في انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
ويوجد خلاف حول مطلب إلغاء اللائحة الوطنية للشباب، وهي تضم 30 من مقاعد مجلس النواب البالغة 395.
ويتشبث حزبا "العدالة والتنمية" و"التجمع الوطني للأحرار" (عضو بالائتلاف الحكومي) بتلك اللائحة، بينما تطالب بقية الأحزاب بلائحة للكفاءات من 90 مقعدا تضم الشباب والنساء، ويتم اعتمادها جهويا.
المسار الديمقراطي
يعتقد التليدي أن "دينامية البحث عن إعادة تشكيل المنظومة القانونية لمعالجة الفراغ السياسي، توقفت بشكل كامل، أو على الأقل أُجلت بسبب التحديات التي تعيشها البلاد حاليا، والحاجة إلى رص صفوف الجبهة الداخلية لمواجهة استحقاق الوحدة الوطنية".
وأردف: "أعتقد أن البلد سيعيش هذه الإشكالية إلى آخر لحظة، فلا يمكن التوقع بإمكانية حسم هذا الجدل بين المقاربتين في لحظة واحدة، وبالتالي سيستمر التوتر إلى أن تقدر الدولة مصلحتها في نهاية المطاف".
واستطرد: "البلد يمر من لحظة مفصلية، وربما في منعطف صعب، سيكون على الدولة أن تختار بين أن تستكمل المسار الديمقراطي وتتمه، أو أن تسقط في مسار البحث عن تعددية تفرضها القوانين، ولا يفرضها الواقع، ومن ثمة سيؤثر ذلك من دون شك على الصورة الديمقراطية للمملكة".
إيقاع الدستور
وفق عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول (حكومية) بسطات (شمالا)، فإن "التعديل الدستوري لسنة 2011 حدثت فيه تغيرات مهمة، شملت اختصاصات المؤسسات الدستورية الفاعلة، سواء تعلق الأمر بالقضاء أو بالسلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية".
وتابع اليونسي: "لكي نمضي في إيقاع الدستور، كان لا بد من إخراج مجموعة من القوانين التنظيمية التي استغرق إعدادها وقتا كبيرا؛ بسبب وجود موازين قوى داخل المجتمع، وكل سلطة تسعى للحفاظ على مصالحها"، حسب الوكالة التركية.
وأضاف أنه "في الجانب التشريعي ما زال أمامنا عمل مهم يتعلق بإنتاج نصوص قانونية تتعلق بتنفيذ تلك الترسانة القانونية التي صادق عليها البرلمان".
بدون رهانات
وفي ما يتعلق بانتخابات 2021، قال اليونسي إنه لا يعتقد بوجود رهانات كبيرة، "فهناك هامش للحركة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي".
وتابع: "الدولة هي التي تتحمل الآن مسؤولية تدبير ما بعد (جائحة) كورونا، وهو ما يجعل المؤسسات التي تفرزها صناديق الاقتراع، وكأن لها دورا هامشيا، ما دام أن وزارة الداخلية هي التي تقوم بتنزيل (تدبير) مقتضيات حالة الطوارئ الصحية".
ومددت الحكومة المغربية في 3 كانون الأول/ ديسمبر الجاري حالة الطوارئ الصحية شهرا إضافيا حتى 10 كانون الثاني/ يناير المقبل لمواجهة تفشي الفيروس.
وهذا التمديد هو التاسع لحالة الطوارئ الصحية منذ فرضها أول مرة في 20 آذار/ مارس الماضي.
وبموجب الطوارئ الصحية، يمكن للحكومة اتخاذ تدابير استثنائية للحد من تداعيات الجائحة على مستويات عديدة.
وأضاف اليونسي: "المنطق الذي بني عليه مرسوم (قرار) حالة الطوارئ الصحية، سيستمر العمل به في تنزيل السياسات والبرامج العمومية مستقبلا".
وخلص إلى أن "الرهان (في الانتخاتبات المقبلة) سيكون على ما هو اقتصاديا واجتماعيا وليس سياسيا، كما كان عليه الحال في انتخابات 2011 و2016، والمؤكد أنه لن يحصل التنافس الحاد الذي كان في الانتخابات السابقة".
واعتبر أنه "يوجد حرص على أن نتجه للانتخابات المقبلة بدون رهانات وبدون نقاش سياسي ولا مجتمعي وبدون نقاش للمشاريع الفكرية والمجتمعية".
وتابع: "إن استحضرنا السياق الموضوعي المرتبط بكورونا، والسياق الذاتي المرتبط بالأحزاب السياسية، وأجندة المجتمع المغربي المتعلقة اليوم بالبحث عن القوت اليومي وتحسين الظروف الاجتماعية، فكلها اعتبارات تؤكد أن الانتخابات المقبلة ستكون لضمان شرعية المؤسسات القائمة، وللحفاظ على عرف مغربي هو انتظامية إجراء الانتخابات".
وفي خضم كل هذا الجدل والنقاش السياسي، يترقب كثيرون نتائج الانتخابات المقبلة للبحث عن إجابات لأسئلة عديدة، لعل أبرزها: هل سيقود "العدالة والتنمية" إلى الحكومة للمرة الثالثة على التوالي أم لا؟