اقتصاد عربي

أزمة مفاجئة.. من يقف وراء تراجع سعر صرف الدينار العراقي؟

الأزمة الحالية تسببت بها نسخة مسرّبة عن مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل- جيتي
الأزمة الحالية تسببت بها نسخة مسرّبة عن مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل- جيتي

منذ أيام قليلة تشهد الأسواق العراقية انخفاضا غير مسبوق في سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار الأمريكي، في ظل اتهامات تطال قوى وشخصيات سياسية بالوقوف وراء إحداث الأزمة الحالية.

ووصل سعر صرف في السوق السوداء، الخميس الماضي، إلى 1350 دينارا عراقيا مقابل دولار واحد، على الرغم من استمرار بيعه في مزاد العملة للبنك المركز العراقي بقيمته السابقة، التي تصل إلى 1191.5 دينارا عراقيا مقابل الدولار الواحد.

رغبة حكومية

الأزمة الحالية تسببت بها نسخة مسرّبة عن مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل، الخميس الماضي، كونها تحتوي على تفاصيل استقطاعات وخصومات طالت مرتبات الموظفين، فضلا عن خفض قيمة سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار بنحو 30 بالمئة عن قيمته السابقة.

ودفع الإرباك الحاصل، البرلمان العراقي إلى استدعاء محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب مخيف، لمعرفة الأسباب الحقيقية، التي أوعزها إلى رغبة حكومية بتغيير سعر الصرف، حسبما أفادت به عضوة في اللجنة المالية البرلمانية.

وقالت النائبة إخلاص الدليمي لـ"عربي21"؛ إن "محافظ البنك المركزي أكد أن تغيير سعر الصرف جاء بتوجيه من الحكومة"، مشيرة إلى أن "أعباء هذا القرار كبيرة على الطبقة الفقيرة والهشة لأنهم المتضرر الأكبر، إذا ما استمر تراجع قيمة الدينار العراقي".

 

اقرأ أيضا: انخفاض احتياطيات العراق الأجنبية وقفزة بأرقام الدين العام

ولفتت إلى أن "ارتفاع سعر الصرف إلى الحد الذي هو عليه كان بعد تسرب مسودة الموازنة، الخميس، لكننا ننتظر إجراءات الحكومة وموقفها مع عودة الدوام الرسمي، الأحد المقبل، لأن الموضوع يتعلق بالجهات التنفيذية حصرا".

وأكدت الدليمي أن "الحكومة إذا لم تأخذ دورها في هذا الموضوع ووقف ارتفاع سعر الصرف، فإن البرلمان سيتحرك ويمارس دوره الرقابي؛ لأن إقرار الموازنة العامة قد يتأخر إلى نحو شهرين، وبذلك سيؤثر ارتفاع سعر الصرف اقتصاديا في البلد".

جهات مستفيدة

ولم تستبعد الدليمي، وقوف أطراف سياسية وراء الأزمة الحالية، بالقول: "وارد جدا بنسبة 80 بالمئة وقوف جهات سياسية وراء الأزمة، على اعتبار أن المصارف الأهلية أغلبها تابعة إلى أحزاب وسياسيين، ومن ثم، فهم من يستفيد من هذا الوضع كلما زاد سعر الصرف".

من جهته، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي في حديث لـ"عربي21"؛ إن "تغيير سعر الصرف هو أحد الحلول المطروحة من الحكومة الحالية، منذ منتصف عام 2020، لمعالجة الأزمة المالية، يرافقها خفض رواتب الموظفين بنحو 30 بالمئة".

وأضاف أن "الأزمة الحالية أحدثت مشكلة في العراق، لأن ازدياد الطلب على الدولار الأمريكي يتنامى بشكل كبير، فالكثير من العراقيين سحبوا ودائعهم من المصارف المحلية وحولوها للدولار، وذلك أدى إلى ظهور طبقة من المضاربين".

وأردف الهماشي، قائلا: "المشكلة أن المضاربين مجازون من الدولة، وأقصد بهم المصارف الأهلية وشركات الصرافة المشاركة في نافذة بيع العملة من البنك المركزي، حيث بدأت تلعب بهذه الفوضى المالية واستفادت بشكل كبير، لأن ارتفاع سعر الصرف في الأسواق زاد بنسبة 20 بالمئة".

اللافت للنظر بحسب الهماشي، هو أن "حجم الدولار المباع من البنك المركزي يفوق مقدار الكتلة النقدية العراقية، فمن أين أتوا بالدينار العراقي الفائض؟ هل هناك عملة مزيفة دخلت للسوق، أم هناك خطابات ضمان وأرصدة وهمية لبنوك أو لأشخاص استغلت لسحب كميات كبيرة من الدولار؟".

 

اقرأ أيضا: أمر بالقبض على مدير مصرف عراقي أهدر نحو نصف مليار دولار

وأعرب الهماشي عن اعتقاده بـ"تورط جهات سياسية في الاستحواذ على كميات كبيرة من الدولار بدون أن يكون لهم رصيد بالدينار العراقي، والواقع يقول من يستطيع من المواطنين شراء دولار بكميات كبيرة وأرصدة في البنوك؟".

ولفت إلى أن "الجهة التي سرّبت مسودة الموازنة تقصدها مئة بالمئة في هذا التوقيت، للاستفادة من الأزمة، لأن الموازنة ما زالت قيد المناقشة في مجلس الوزراء ولم تصل إلى البرلمان، ومناقشتها ربما تستمر لعدة شهور، والقراءات تقول؛ إن الموازنة لن تقر قبل شهر آذار/ مارس 2021، جراء الخلافات السياسية".

إجراءات مطلوبة

وبخصوص إجراءات الدولة للسيطرة على سعر الصرف في الوقت الحالي قبل إقرار الموازنة، قال الهماشي؛ إن "البنك المركزي ووزارة المالية صامتة منذ ارتفاع سعر الصرف، وما زالوا يراوغون في التصريحات ويدورون حول الموضوع".

وأكد الهماشي أن "الدولة تستطيع تثبيت سعر الصرف لو أرادت، وذلك بمعاقبة المصارف والمؤسسات الداخلة بمزاد العملة (نافذة العملة) وتمنعها من الدخول إليه، ما سيؤدي إلى تخفيض سعر الصرف".

وأشار إلى أن "البنك المركزي يعي جيدا أن القوائم والسندات التي تقدم إليه أرقامها غير دقيقة، لأن المواد المستوردة أكثر من احتياجات السوق، فعندما وصل التبادل التجاري للعراق إلى 70 مليار دولار عامي 2013- 2014 كان يبيع يوميا 250 – 260 مليار دولار، واليوم عندما انخفض التبادل إلى 36 مليار دولار، بقي يبيع الكميات نفسها من الدولار يوميا".

ورأى الخبير الاقتصادي العراقي أن "الجهات الحكومية ليست لديها الإرادة الحقيقية لتثبيت سعر الصرف، بسبب الضغوطات التي تتعرض لها من جهات سياسية متنفذة ضالعة ومستفيدة من الفوضى المالية الحالية".

وفي تغريدة عبر "تويتر" أطلقها، الخميس، انتقد نائب رئيس اللجنة المالية النائب مثنى السامرائي، تسريب مسودة موازنة عام 2021، متوعدا من يقف وراء الأزمة المفتعلة.

وكتب السامرائي: "من لم يحافظ على خصوصية مسودة الموازنة من وزراء الحكومة وتسبب بإرباك كبير في سوق العملة من خلال تسريبه لها، لا يمكنه أن يكون مؤهلا لحماية مصالح البلد العليا أو حل مشاكل الوطن"، مؤكدا "سيكون للجنة المالية موقف حاسم من الأزمة المفتعلة ومَن يقف وراءها".

يشار إلى أن المتحدث باسم رئاسة الوزراء، وزير الثقافة، حسن ناظم، كان قد أعلن، الثلاثاء الماضي: "نحن على وشك عقد جلسة لتمرير موازنة العام المقبل".

 

— مثنى السامرائي (@M_Alsammarraie) December 17, 2020

التعليقات (0)