هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "أتلانتك كاونسل" دراسة حول القوة الناعمة التي تفرضها روسيا من خلال المساعدات الإنسانية في سوريا.
وأوضحت الدراسة التي نشرها الباحث جوناثان روبنسون وترجمتها "عربي21" أنه غالبا ما ركزت الأبحاث السابقة حول الاستخدام الروسي الضحل والرمزي للمساعدات الإنسانية في سوريا على مركز المصالحة "حميميم"، والأطراف المتنازعة (CRCS)، أما الكيانات الروسية الخمس وعشرون الأخرى التي لم يسلط عليها الضوء بنفس الشكل، فقد أبلغت عن تقديم مساعدات في البلاد في وقت أو آخر منذ تدخل روسيا في الصراع السوري في أواخر عام 2015.
وبحسب البحث فإنه "من خلال تشكيل نظام مساعدات ظل في البلاد، فإن هذا النظام الذي يبدو غير ضار يشكل تهديدا تم التقليل من شأنه على المجتمع والمؤسسات الإنسانية والشعب السوري. ويقوض نظام المساعدات الروسي المكتفي ذاتيا الذي لا يحتاج إلى مساعدة خارجية من قبل المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة (UN) الجهود التي تقودها الأمم المتحدة في سوريا ويقلل من قيمتها وينافسها، ويهدد بتقويض الثقة في نظام المساعدات الأوسع ويوفر سردية بديلة خطيرة حول البيئة الإنسانية في سوريا لنظام بشار الأسد".
ولفت إلى أن "جهود المساعدة الروسية في سوريا تعد أداة قوة ناعمة روسية غالبا ما يتم التغاضي عنها، وتنوع جهود موسكو السياسية والعسكرية في سوريا، فضلا عن تضخيم أهداف سياستها الخارجية في المنطقة. ومع ذلك، فإنه من خلال التعرف على تفاصيل المشاركة الإنسانية الروسية الإشكالية تظهر فرص لمواجهة هذا التهديد".
وتستند هذه الدراسة إلى بيانات من المعلومات المتاحة للجمهور من المؤسسات الروسية المحددة في هذا التقرير..
في حين أن هذا يحد من نتائج هذه الدراسة، مثل احتمال فقدان الإجراءات غير المبلغ عنها أو البيانات التي تميل نحو الكيفية التي تريد كل مؤسسة بها صياغة صورتها العامة، فإن البيانات لا تزال مفيدة، لأنها توفر لمحة عن الكيفية التي تريد روسيا أن يرى العالم بها جهود المساعدة في سوريا.
وأضافت أنه "لطالما نظرت روسيا إلى تقديم المساعدات كأداة للسياسة الخارجية لإصلاح صورتها كقوة مهيمنة وذات مصداقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي. ومنذ عام 2007، نصت السياسة الرسمية على أن المساعدة كانت تستخدم "لتقوية مصداقية روسيا وتعزيز موقف غير متحيز للاتحاد الروسي في المجتمع الدولي". وقام خبراء السياسة الروس بتحديث هذا الموقف في ما يتعلق بسوريا، وسلطوا الضوء على أن النشاط الإنساني هناك يهدف إلى تحسين صورة روسيا في الشرق الأوسط".
بينما تروج الدول الأخرى أيضا لسردياتها من خلال تقديم المساعدة، هناك في العادة درجة من الفصل بين الدولة والجهود الإنسانية. على سبيل المثال، تستخدم أمريكا الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لتمويل ودعم العديد من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية حول العالم. وفي المقابل، فإن هذه المؤسسات مسؤولة أمام مجالسها وإجراءات المراقبة والجهات المانحة الحكومية الأخرى (إذا تلقوا تمويلا في مكان آخر)، ما يخفف من القوة الأمريكية الناعمة في المساعدات.
في المقابل، ليس لدى روسيا الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو ما يعادلها ولم توقع على مبادئ المنح الإنسانية الجيدة (GHD)، والتي تضعف أيضا القوة الناعمة في العمل الإنساني.
بدلا من ذلك، تستخدم المساعدات الروسية في سوريا العديد من المؤسسات التي لها صلات قوية بالدولة أو بتمويل منها.
ومن الواضح أن CRCS التابعة لوزارة الدفاع والوكالة الفيدرالية لاحتياطيات الدولة مرتبطتان بالدولة، لكن العديد من المنظمات الأخرى مسؤولة أمام الدولة من خلال كبار القادة داخل منظمات الإغاثة الروسية. وعادة ما يكون هؤلاء الأفراد سياسيين نشطين داعمين للكرملين أو مرتبطين بمكتب الرئيس كمستشارين..
ومن الأمثلة البارزة على ذلك رئيس البعثة الإنسانية الروسية، يفغيني ألكساندروفيتش بريماكوف، ونائب رئيس اتحاد المحاربين القدامى في روسيا، سابلين ديمتري فاديموفيتش.
ويتبين أن هناك أربع فئات من منظمات المساعدة الروسية اعتمادا على ارتباط قائد كبير بالدولة ومهمة المنظمة. وتلك المنظمات إما أن تكون علمانية أو ذات توجهات دينية لكنها مقربة من الحكومة المدنية الروسية، أو تكون علمانية أو ذات توجهات دينية ولكن لديها صلة أكبر بالجيش الروسي.
يتيح هذا التنوع لروسيا درجة من البراعة في جهود قوتها الناعمة، ما يوفر لها خيارات مختلفة لتوصيل المساعدات اعتمادا على نوع أو موقع المجتمع المتلقي. وعلى سبيل المثال، فإنه يمكن للكنيسة الأرثوذكسية الروسية دعم المجتمعات المسيحية في سوريا، بينما يمكن لمنظمة CRCS تقديم المساعدة بالقرب من خطوط المواجهة شديدة الخطورة. ويمنح التنظيم جهود المساعدة الروسية وهما بالانفصال عن سيطرة الدولة وظهور التوافق مع المعايير الإنسانية الدولية، مع استكمال الإجراءات العسكرية والسياسية لروسيا.
ولا تخضع المؤسسات الإنسانية الروسية في سوريا، للقواعد الصارمة المطبقة على نظيراتها الإنسانية الغربية، مثل الحاجة إلى التسجيل رسميا لدى النظام أو الشراكة مع المنظمات غير الحكومية السورية المحلية لتوزيع المساعدات.
كما أن روسيا لا تشارك عادة مع الأمم المتحدة أو الصليب الأحمر الدولي أو المانحين الدوليين. وبدلا من ذلك، يعتمد نظام المساعدة الروسي على مؤسستين رئيسيتين، هما CRCS وبدرجة أقل الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، لتقديم المساعدة في البلاد.
وبقدر ما استخدمت روسيا محادثات أستانا لإعطاء الأولوية لمصالحها خلال عملية جنيف، فإن روسيا تستخدم نظام المساعدات المحمي هذا لمنافسة النظام الحالي الذي تقوده الأمم المتحدة في سوريا.
ويقلل نظام المساعدة الروسي من قيمة جهود المجتمع الإنساني الأوسع. ويؤدي الارتباط الوثيق بين الدولة الروسية ومنظمات الإغاثة الروسية إلى طمس خط الحياد والاستقلال، وهما مبدأان إنسانيان أساسيان يعملان كآلية مهمة لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني ومن يخدمونهم.
وقد يؤدي تركيز المساعدة الروسية على الإمداد بدلا من التأثير، حيث تمت زيارة 98% من 351 موقعا زارتها بعثات الإغاثة الروسية أقل من عشر مرات في غضون عامين، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان الثقة في نظام المساعدة الأوسع، فقد أظهرت الدراسات أن المستفيدين من المساعدات غالبا ما يكونون غير قادرين على التمييز بين المنظمات الإنسانية التي تزودهم بالمساعدات، ما يعني أنه إذا أهدرت روسيا الثقة أو لم يُنظر إلى مؤسساتها على أنها مصدر موثوق أو حقيقي للمساعدات، فقد يؤدي ذلك إلى تشكل عدم ثقة في المجتمع الإنساني الأوسع.
هذا التهديد حقيقي للغاية، مع تنامي المشاعر المعادية لروسيا في جنوب سوريا من جماعات المعارضة والقوات الحكومية وفي شمال غرب سوريا. ما يجعل استهداف المؤسسات المدنية الروسية مسألة وقت، بحسب الدراسة.
ويمكن لتصرفات روسيا أن تخلق تصورا خاطئا خطيرا حول انتشار المساعدات الروسية في سوريا أكثر مما هي عليه في الواقع. ومن خلال دفع سرديتها البديلة حول المشهد الإنساني في سوريا، تأخذ جهود روسيا أيضا الأكسجين والخبرة القيّمة بعيدا عن الأمم المتحدة والغرب. ويؤدي استخدام المساعدات للترويج لوجهة نظر إيجابية عن روسيا في سوريا إلى صرف الرسائل بعيدا عن قوتها العسكرية الصارمة والمدمرة، ويعيد فرض رؤية النظام للشراكة الدولية المثالية، ويعزز وينوع نفوذ روسيا مع الحكومة السورية.
وأوضحت أنه من المرجح أن يظل استخدام روسيا الإشكالي للعمل الإنساني كأداة قوة ناعمة في سوريا قائما. ومع ذلك، فإنه يمكن التخفيف من حدة التهديد الذي تشكله من خلال التوصيات الآتية:
•أولا
قبل كل شيء، لا ينبغي الاستهانة باستخدام روسيا للمساعدات كأداة للقوة الناعمة. وتعمل جهود المساعدات الروسية في سوريا - وفي أماكن أخرى - على تضخيم نفوذ روسيا العالمي، وتهدد النظام الإنساني الأوسع، وتعرض للخطر السرديات الراسخة والفعالة التي تقودها الأمم المتحدة تجاه الوضع في سوريا. هذا هو الحال بشكل خاص إذا تم دمج تسليم المساعدات الروسية مع أدوات أخرى، مثل الحملات الإعلامية، كما رأينا مؤخرا في صربيا.
•ثانيا
يجب أن يتم التعامل مع روسيا بحذر، لا سيما من قبل الناشطين الإنسانيين على الأرض، الذين يمكن أن يضفوا عن غير قصد واجهة من الشرعية على استخدام روسيا السياسي للمساعدات. ويجب بذل الجهود للتعرف على الجهود الخبيثة من خلال تصرفات روسيا في وقت مبكر، مع إدراك أنها في الوقت الحالي ليست شريكا موثوقا به.
•ثالثا
يجب بذل جهود قوية لتخفيف نفوذ روسيا على المجال الإنساني في سوريا. ويجب ممارسة الضغط لنقل تقديم المساعدات الروسية إلى الجهات الفاعلة المدنية، وهذا من شأنه أن يخفف من الصورة العسكرية لنظام المساعدات الروسي، ويقلل من التهديد للمجتمع الإنساني الأوسع، وربما يوفر فرصة لدمج المنظمات المدنية الروسية في نظام التنسيق الذي تقوده الأمم المتحدة في سوريا، الذي يتمتع بواحد من أقوى الآليات الموضوعة لتقديم المساعدات بشكل فعال ومواجهة التلاعب الروسي، على الرغم من مشاكله.
•رابعا
يجب إعطاء الأولوية للجهود حول تحسين كيفية تقدير روسيا للمبادئ الإنسانية في حد ذاتها، بدلا من اعتبارها عائقا أمام الجهود العسكرية والسياسية في البلاد. ويجب توفير التعليم حول سبب عدم تجاهل المبادئ كما يحصل الآن وكيف أنها أداة مهمة لبناء الثقة والشراكات الفعالة طويلة الأمد على أرض الواقع. وفي عالم مثالي، فإنه يمكن لروسيا حينئذٍ أن ترى أن هذا من شأنه أن يساعدها على بناء المرونة في مواجهة أي تغييرات محتملة في العلاقات الروسية السورية في المستقبل، وفي الوقت نفسه عدم الإضرار بالنظام الإنساني في سوريا. ويجب أيضا توفير التعليم للمنظمات الروسية حول فوائد النأي بنفسها عن الدولة الروسية، لا سيما في مجالس إدارتها أو قيادتها التشغيلية.
بالنسبة لروسيا، خلقت قوة جهودها العسكرية والسياسية في البلاد الوهم بأنها معزولة عن احتكار النظام السوري للمشهد الإنساني في سوريا. ومع ذلك، فإن الجلي هو أن دمشق كانت وستظل تتحكم دائما في توصيل المساعدات في سوريا - لم تختر تطبيق هذا على روسيا حتى الآن. أكثر من أي شيء آخر، هذا الاحتكار هو الذي يحتاج إلى التغيير إذا كان للشعب السوري أن يتم دعمه حقا.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)