هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت إحالة الحكومة الأردنية عشرات المعلمين إلى التقاعد المبكر، تساؤلات حول دوافع هذا القرار الذي وصفه أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، بأنه مجزرة تكرس العقلية الانتقامية لدى الجهات الرسمية.
وقرر وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي، الأحد، إحالة 62 معلما ومعلمة إلى التقاعد المبكر اعتبارا من بداية عام 2021، أبرزهم نائب نقيب المعلمين ناصر نواصرة، وعضوا مجلس النقابة غالب أبو قديس وكفاح أبو فرحان، بالإضافة إلى الناطق الإعلامي للنقابة نور الدين نديم.
وكانت الحكومة قد أحالت على الاستيداع 14 معلما ومعلمة، وأوقفت 14 آخرين عن العمل، وأحالت 42 على التقاعد المبكر، بسبب القضية المرفوعة على مجلس النقابة من قبل وزير التربية والتعليم، عقب حراك المعلمين المطالب بصرف العلاوات التي أوقفتها الحكومة بحجة أزمة فيروس كورونا، بعد أن كانوا انتزعوها في 2019 إثر إضراب استمر طيلة شهر أيلول/ سبتمبر.
تصفية حسابات
وقال الناطق باسم نقابة المعلمين، نور الدين نديم، إن "جميع من طالتهم قرارات الإحالة على التقاعد المبكر هم شخصيات فاعلة ومؤثرة في نقابة المعلمين"، مضيفا أن المؤشرات تدل على أن الحكومة تمارس "إجراءات عقابية وثأرية، وتصفية حسابات بطريقة مهينة".
ولفت في حديثه لـ"عربي21" إلى أن رئاسة الوزراء أصدرت مؤخرا كتابا جاء فيه أن من سيحالون إلى التقاعد المبكر دون طلبهم خلال أزمة كورونا هم من أتموا 30 عاما في خدمتهم، "في حين أن من أحالتهم الحكومة إلى التقاعد المبكر من المعلمين لم يتم أي منهم هذه السنوات الثلاثين، بل لم يتموا 25 سنة".
وتابع نديم: "الحكومة منعت المؤسسات الخاصة من الاستغناء عن موظفيها خلال أزمة كورونا، ثم هي اليوم تمارس ما تنهى عنه بطريقة انتقائية ومفاجئة ومباغتة، وتعاقب عشرات الأسر بإحالة معيليها إلى التقاعد المبكر".
وأضاف أن من يحال إلى التقاعد المبكر سيتقاضى راتبا يبلغ حوالي 380 دينارا، ويمنع من ممارسة أي عمل آخر لمدة عامين كاملين، لافتا إلى أن هذا المبلغ لا يكفي أصغر عائلة، وخصوصا إذا كانت تسكن بالإيجار وملتزمة بدفع أقساط شهرية بسبب القروض.
وأشار نديم إلى أن النقابة "رفعت في السابق قضايا على الحكومة ما زالت منظورة، وستتوجه مجددا بقضية التقاعد المبكر"، مؤكدا أن "النقابة مؤسسة وطنية انبثقت بموجب الدستور، ولا أحد يستطيع أن يتجاوز حقوق أعضائها".
اقرأ أيضا: وزير أردني سابق يحذّر من قرار حل نقابة المعلمين
وتزامن قرار الحكومة الأخير بإحالة المعلمين إلى التقاعد المبكر؛ مع إطلاقهم حملة شعبية للمطالبة بإنصافهم وإعادة نقابتهم المنتخبة إلى حالها بعد إقدام الحكومة على حلها وإحالة أعضاء مجلسها إلى القضاء في 25 تموز/ يوليو، للنظر في "قضايا جزائية" حول "تجاوزات مالية، وقرارات اشتملت على إجراءات تحريضية" بحسب مدعي عام عمان حسن العبداللات.
الإحالة على الاستيداع
وقال الناطق الإعلامي لوزارة التربية والتعليم، عبدالغفور القرعان، إن التقاعد والتقاعد المبكر والإحالة على الاستيداع هي إجراءات اعتيادية؛ هدفها تنظيمي بحت.
وأضاف في تصريحات إعلامية الأحد، أن "من الطبيعي أن تكون أعداد المحالين في وزارة التربية أكبر من أي وزارة أخرى، كون عدد كوادر وزارة التربية هو الأكبر بين جميع الوزارات".
ولكن عضو الهيئة المركزية في نقابة المعلمين وأحد المحالين على الاستيداع في تموز/ يوليو، الدكتور يحيى العسيلي، أكد أن إجراءات الإحالة على الاستيداع تتطلب شروطا وإجراءات قانونية صارمة غير متوفرة في حالة المعلمين.
وأوضح العسيلي لـ"عربي21" أن "الموظف حتى يحال على التقاعد المدني بشكل طبيعي لا بد أن يخدم لمدة 25 سنة في الحد الأدنى، وإذا أرادت الحكومة إيقافه عن العمل قبل أن يتم هذه السنوات؛ فإنها تلجأ إلى إحالته على الاستيداع، وحينها يُمنح فقط نصف راتبه الأساسي وليس الإجمالي".
ولمزيد من الإيضاح قال: "أنا مثلا خدمت لمدة 23 سنة، وراتبي الإجمالي 870 دينارا، بينما يبلغ راتبي الأساسي 322 دينارا، حينما أحال على الاستيداع أتقاضى خلال السنتين المتبقيتين من خدمتي نصف راتبي البالغ 166 دينارا، بالإضافة إلى علاوة عائلية قيمتها 20 دينارا، وبدل غلاء معيشة بقيمة 67 دينارا، ليصبح المجموع 253 دينارا، يُخصم منها التأمين الصحي البالغ حوالي 27 دينارا، إضافة إلى خصومات التقاعد والضمان، ليتبقى من راتبي 104 دنانير".
ولفت العسيلي إلى أن الموظف يحال إلى الاستيداع حينما تصدر عنه مخالفات مسلكية وظيفية، حيث يتم التدرج معه في العقوبات، فإن لم تجد نفعا يحوَّل ملفه إلى وزير التربية والتعليم، الذي ينسب لمجلس الوزراء بإحالته إلى الاستيداع، والمجلس هو من يتخذ القرار"، مؤكدا أن "النشاط النقابي والدفاع عن حقوق المعلمين لا يجوز أن يكونا سببا للإحالة إلى الاستيداع".
قرارات تعسفية
ويأتي قرار وزارة التربية والتعليم بحق المعلمين؛ في الوقت الذي تستعد فيه حكومة بشر الخصاونة لنيل ثقة النواب خلال الأسابيع القليلة القادمة، ما دفع رئيس كتلة الإصلاح النيابية صالح العرموطي إلى التساؤل: "كيف للنواب أن يمنحوا ثقتهم لحكومة تستهدف مجلس نقابة منتخب؟!".
واعتبر العرموطي الذي كان نقيبا للمحامين لأربع دورات، قرار إحالة المعلمين إلى الاستيداع والتقاعد المبكر "تعسفا باستخدام الحق، وعقوبة مسبقة توقع ضررا كبيرا على المعلمين المستهدفين"، مضيفا أن الأصل في التقاعد المبكر أن يكون بناء على طلب الموظف المعني، لا بقرار تعسفي من الحكومة.
وأكد لـ"عربي21" أن مجلس نقابة المعلمين المنتخب "مستهدف من قبل الحكومة التي حرمت المعلمين من حقوقهم المشروعة"، لافتا إلى أن من "حق المحالين إلى الاستيداع والتقاعد المبكر أن يطعنوا قانونيا بالقرار الصادر بحقهم".
وحذر العرموطي من إقدام الحكومة على حل النقابة بالكلية، ذاهبا إلى القول بأن حكومة بشر الخصاونة تسير على النهج ذاته الذي سارت عليه الحكومات السابقة، والذي يتمثل بالتغول على النقابات وحرمانها من حقوقها المشروعة.
وكان حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، قد وصف قرار الحكومة بحق المعلمين بأنه "مجزرة جديدة" و"إجراء سياسي تعسفي يكرس العقلية الانتقامية لدى جهات رسمية في التعامل مع هذا الملف".
وطالب الحزب في بيان صادر عن مكتبه التنفيذي الثلاثاء، بإلغاء "جميع القرارات التعسفية" المتعلقة بالمعلمين، داعياً للاحتكام إلى طاولة حوار وطني مسؤول لمعالجة ملف نقابة المعلمين.
من جهته انتقد المركز الوطني لحقوق الإنسان (حكومي) في بيان له الثلاثاء، إحالة عدد من أعضاء مجلس نقابة المعلمين إلى التقاعد المبكر، داعيا إلى "عدم اللجوء لفرض أية قيود تؤدي إلى المساس بجوهر الحق في تأسيس النقابات والانضمام إليها".