هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية تقريرا لمراسلتها بيثان ماكرنان، من مدينة عتق اليمنية، سلطت فيه الضوء على رحلة مئات الألاف من شرق أفريقيا بحثا عن حياة جيدة، ليجد كثير منهم أنفسهم في اليمن، وسط ظروف صادمة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن مهاجرة تدعى "تغريت" قولها إنها كانت ترى الوصول إلى السعودية حلما، حيث يمكنها أن تصبح عاملة نظافة أو خادمة وترسل المال لزوجها وابنتها في إثيوبيا.
ولكنها الآن في اليمن بعيدة عن هذا الحلم، وتقول: "نحن عالقون، لا طعام ولا مال لشراء بطاقة هاتف لكي أتصل بالبيت، لا شيء لدي". كانت تتحدث وهي تجلس على أرضية بناء لم يكتمل، لا توجد فيه كهرباء أو ماء ويقع على حافة الصحراء.
ورغم ما يمر به اليمن من حرب مضت عليها ستة أعوام تقريبا، تسببت بفوضى وتزايد عمليات الاتجار بالبشر، فإن المزيد من المهاجرين الأفارقة يتدفقون عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
وبحسب منظمة الهجرة العالمية أصبح خليج عدن من أكثر الطرق البحرية ازدحاما بالمهاجرين وعلى مستوى العالم.
وتشترك تيغرت مع زميلة لها اسمها أوكو من منطقة تيغراي في إثيوبيا، وتحاولان الحفاظ على الغرفة نظيفة، وليس فيها سوى فرش للنوم وبعض أدوات الطبخ ونافذة بدون زجاج، وهما الوحيدتان من بين 20 شابا فروا من الصومال وإثيوبيا على أمل العثور على عمل جيد يخفف عنهم وعن عائلاتهم الفقر.
وبسبب الإغلاقات المترتبة على القتال، وإجراءات مكافحة فيروس كورونا المستجد، فإن المجموعة عالقة في "عتق" وسط اليمن ولا يستطيعون مواصلة رحلتهم إلى الحدود السعودية، كما أنهم لا يستطيعون العودة بسبب قلة المال.
وفي الوقت الذي تسير فيه منظمة الهجرة العالمية رحلات من مدينة عدن إلى بلاد المهاجرين إلا أن الحكومة الإثيوبية رفضت استقبال العائدين بسبب كوفيد-19.
وتعرف تيغرت وغيرها أن اليمن يمر بحرب مدمرة، ما يعقد رحلتهم ويعرضهم للانتهاك والاختطاف من أجل الفدية.
وكل من قابلتهم الصحفية لا يعرفون أن السعودية تقوم بسجن العمال المهاجرين منذ بداية وباء فيروس كورونا، وتحاول ترحيل العمال اليمنيين في البلاد علاوة على من يدخلون البلاد بطريقة غير شرعية.
وتقول تيغرت: "مهربنا رجل طيب وساعدنا على الإقامة في هذا المكان، ولكن بعض المهربين أشرار ولا يهمني إن وصلت إلى السعودية أم عدت للوطن، فقط أريد مغادرة المكان".
وبلغ عدد من عبر من الإثيوبيين العام الماضي إلى اليمن حوالي 138 ألفا، وهو رقم قياسي، وذلك بسبب قصر المسافة التي لا تتجاوز الـ29 كيلومترا.
وبسبب إغلاق الحدود وانتشار فيروس كورونا فقد انخفض العدد إلى 34 ألفا هذا العام، وكل هؤلاء وضعوا ثقتهم بالمهربين وتجار البشر الذي طمأنوهم بالرحلة الآمنة، فيما حصلوا على تأكيدات من أصدقائهم وأفراد عائلاتهم الذين استطاعوا الوصول إلى السعودية.
ولو كان لدى البعض المال الكافي لحاولوا العبور أكثر من مرة على أمل الوصول إلى الأراضي السعودية. ويستخدم المهربون ممثلين عنهم في كل أنحاء إثيوبيا وعبر منصات التواصل الاجتماعي لجذب الراغبين بالسفر إلى السعودية مقابل مبلغ يتراوح ما بين 10,000 و15,000 بر (200- 300 جنيه إسترليني).
اقرأ أيضا: 3 وفيات في مركز ترحيل سيئ الصيت بالسعودية.. أحدهم يمني
ويتم نقلهم أولا إلى مدن في جيبوتي أو جمهورية أرض الصومال. ومن هنا يطلب منهم دفع 10,000 بر لأصحاب السفن قبل ترتيب رحلة تستمر 24 ساعة عبر خليج عدن وفي قوارب مزدحمة إلى نقاط الاستقبال في جنوب اليمن.
وعند الرسو يكون بانتظارهم مرشد يعرف لغتهم مع مهربين يمنيين. ومن يملك المال الكافي يدفع للرحلة التي تمتد على مسافة ألف كيلومتر إلى الحدود اليمنية مع السعودية، حيث ينامون في بيوت آمنة ويدفع المهربون المال إلى الجنود الذي يحرسون نقاط التفتيش ويمثلون فصائل الحرب في اليمن.
أما من لا يملكون المال المطلوب فيضطرون للمشي حتى الحدود والمرور في نقاط القتال ويعبرون الجبال والصحارى القاسية ويتعرضون لابتزاز الجنود الذين يصادرون أموالهم وهواتفهم. وتبدو صفوف الأفارقة الذي يسيرون باتجاه الشمال أمرا عاديا لليمنيين.
وقال أحمد ناصر عبدي (20 عاما) من الأرومو في إثيوبيا، إنه وصل إلى اليمن في تشرين الثاني/ نوفمبر قادما من بوساسو في الصومال ومشى سبعة أيام حتى وصل إلى عتق ليكتشف أن الطريق إلى الشمال مغلق.
وقال عبدي: "أنا مستعد لعمل أي شيء وحتى البقاء هنا لو توفر عمل، لكن لا يوجد أي شيء". وتعبر قصة عبدي عما حدث للكثير من الصوماليين والإثيوبيين حال وصولهم إلى اليمن. وبعضهم عانى الأسوأ حيث كان المهربون ينقلونهم إلى مراكز الاعتقال ويضربون ويعذبون حتى تدفع عائلاتهم الفدية.
وبدأت جمعية "ستبس" الخيرية المحلية، التي تقدم مستلزمات أساسية للمهاجرين، بتقديم حبوب منع الحمل للنساء القادمات من البحر، لحمايتهن من الإنجاب في حال تعرضن للاغتصاب.
وقال أحمد عيدروس الباحث المحلي في شؤون الهجرة: "حدثت أكثر من مرة. وفي كل خطوة من الرحلة مخاطر الانتهاك الجنسي، ولو نقلن إلى مراكز اعتقال فإن اغتصابهن مؤكد".
وفي حالة عبر المهاجرون إلى الشمال ودخلوا المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين فإنهم يواجهون مشاكل أخرى. فالجماعة الحوثية تقوم باعتقالهم وفرض غرامات بألف ريال "رسوم خروج"، وقبل أن ينقلوهم في عربات إلى التخوم الجنوبية من أراضيهم وإعادتهم من حيث أتوا.
ونظرا لانشغال الحكومة اليمنية في الجنوب بمشاكلها فقد غضت الطرف عن تجارة البشر الرائجة وبات المهربون يتصرفون بدون خوف.
وبالنسبة لأحمد الدبيسي الذي بدأ يعمل بالتهريب بعد اندلاع الحرب فإن التجارة رائجة. ويصف بفخر تجارته ومعاملته الجيدة لعملائه حتى يحصل على تجارة جديدة.
ويقول إن الوضع بات صعبا لكنه استطاع تهريب عدد صغير إلى السعودية من خلال السيارات الخاصة.
وفي خارج عتيق يعتني الدبيسي بمقبرة تحتوي على جثث سبعة من عملائه دفنهم بعدما أخبر عائلاتهم بالأمر.
وعلى مدى السنوات مات 70 من عملائه بسبب المرض والقتال أو الغرق في البحر، ودفن معظمهم في مقابر مؤقتة عند الشاطئ.
وسواء مات المهاجرون أم بقوا على قيد الحياة، فإن اليمن هو نهاية الطريق لآلاف المهاجرين. ويبرر الدبيسي بالقول: "لو لم أقم بالعمل فسيقوم به غيري والناس يتدفقون بدون توقف".