هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال خبراء إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فشل في إنعاش المبادرة التي طرحها في أعقاب انفجار مرفأ بيروت مطلع آب/ أغسطس الماضي، والأزمة التي دفعت الحكومة للاستقالة.
وتنص المبادرة على تشكيل حكومة جديدة من "مستقلين" (غير تابعين لأحزاب)، على أن يتبع ذلك إصلاحات إدارية ومصرفية.
ويعاني لبنان، منذ شهور، أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975- 1990)، واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية.
لكن المبادرة، التي أطلقها ماكرون بلهجة التهديد وإعطاء التعليمات وحددها بمهلة زمنية 15 يوما، تلقت صفعة أولى في 26 أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما اعتذر رئيس الوزراء المكلف آنذاك مصطفى أديب، عن عدم تشكيل الحكومة.
إلا أنه في اليوم التالي، أعلن ماكرون عن منح "مهلة ثانية". وبعدها، كلف الرئيس اللبناني، ميشال عون، في 22 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، سعد الحريري، بتأليف الحكومة.
ومنذ ذلك الحين، لم يتغير شيء في لبنان، وانتهت "المهلة الثانية" قبل أيام قليلة، ولا يزال تشكيل الحكومة متعثرا.
ولعل أبرز ما يواجهه الحريري في مهمته هو الخلافات بين الأحزاب حول عدد الحقائب وطريقة توزيعها.
وستحل الحكومة المقبلة محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت بعد ستة أيام من انفجار المرفأ، الذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص، وأصاب ما يزيد على 6 آلاف آخرين، بجانب دمار مادي هائل.
وفي محاولة لإنعاش مبادرة ماكرون، زار مستشاره لشؤون الشرق الأدنى، باتريك دوريل، بيروت، في 11 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، حيث التقى مسؤولين على مدى يومين.
إلا أن خبراء مراقبين للملف الحكومي يعتقدون أن المبادرة لم تحقق نجاحا، وقد لا تغير زيارة دوريل شيئا في المسار السياسي السائد حاليا.
ورأى أحدهم أن دوريل شكل انطباعا بأن ملف تشكيل الحكومة معقد جدا، وما زال إنجازه بعيد المنال.
فيما ذهب آخر إلى أن المسؤولين اللبنانيين يركزون حاليا على ما ستؤول إليه أمور الإدارة الأمريكية المقبلة، لا سيما بالنسبة إلى العقوبات الأمريكية بحق شخصيات لبنانية قريبة من جماعة "حزب الله"، حليفة إيران والنظام السوري، وهو محور يتبادل العداء مع الولايات المتحدة وإسرائيل وأنظمة عربية حليفة.
وبتهمة الضلوع بملفات فساد وعلاقات مع "حزب الله"، فقد فرضت واشنطن، في الأسابيع الماضية، عقوبات بحق الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، ثم جبران باسيل (صهر الرئيس عون) وزير الخارجية السابق، رئيس "التيار الوطني الحر".
ويرى مراقبون أن تلك العقوبات تزيد التشنج الداخلي في لبنان وتصعّب تشكيل الحكومة.
ضربة كبيرة
قال المحلل السياسي جوني منير، إن "المبادرة الفرنسية تلقت ضربة كبيرة في السابق (اعتذار أديب).. وزيارة دوريل إلى لبنان جاءت كمحاولة لتسيير ما تبقى من المبادرة، ولو شكليا".
وأضاف أن "دوريل غادر لبنان ولديه انطباع بأن موضوع الملف الحكومي معقد جدا، ولا يزال تحقيقه بعيدا.. من دون أدنى شك أن المبادرة الفرنسية تكاد تلفظ أنفاسها (الأخيرة)".
وحول ما يؤخر تشكيل الحكومة، قال منير إن إحدى العقبات التي سمعها دوريل هي تمسك الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) بحقيبة وزارة المال، بينما التيار الوطني الحر (حليف حزب الله) يرفض ذلك من باب أن مداورة الحقائب يجب أن تشمل كل الوزارات، وإلا يحق له كفريق سياسي الاحتفاظ بوزاراته (بينها وزارة الطاقة والمياه).
وهذا ما دفع دوريل، بحسب منير، إلى الاعتقاد بأن ثمة تفاهما تحت الطاولة (بين الجانبين) على تبادل الأدوار لتعطيل أو تأخير تشكيل الحكومة.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، عبر بيان الاثنين، إن "وزير الخارجية مايك بومبيو تطرق خلال لقائه مع نظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى التأثير الخبيث لـ"حزب الله" على الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة باتجاه تشكيل حكومة استقرار وإصلاحات في لبنان".
حكومة اختصاصيين
اعتبر الصحفي محمد نمر، أن الاختلاف واضح بين الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) وإدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول الملف اللبناني، فإدارة ترامب لا تؤيد حكومة يشارك فيها "حزب الله".
وتساءل: "هل يستفيد حزب الله من تأخير تشكيل الحكومة لحين استلام الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، الإدارة الأمريكية خلفا لترامب؟".
وتابع: "إذا كان فعلا هذا هو المخطط، فذلك يعني زيادة عمق الأزمة الاقتصادية، وعندها لن تستطيع أي حكومة لاحقا أن توقف الانهيار الحاصل في لبنان".
ورأى "نمر" أنه "إذا استمر تعطيل إنجاز تشكيل الحكومة (من جانب باسيل وحزب الله)، فيمكن أن يقوم الحريري بما لم يقم به أديب، وهو تقديم تشكيلة حكومية من اختصاصيين غير حزبيين إلى رئيس الجمهورية، وحينها يتحمل الأخير مسؤولياته أمام الرأي العام".
العقوبات الأمريكية
المسؤولون اللبنانيون يتعاملون مع المبادرة الفرنسية بوصفها في حكم المنتهية، هذا ما ذهب إليه المحلل السياسي أمين قمورية، معتبرا أنهم يصبّون تركيزهم اليوم على ما ستؤول إليه الأمور مع الإدارة الأمريكية المقبلة.
وقال قمورية إن "استخدام لعبة الوقت (عرقلة وتأخير تشكيل الحكومة) يشي بأن المهمة الفرنسية فشلت، وأن لبنان بعد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي لن يختلف شيئا عما قبلها".
وأردف: "المبادرة الفرنسية تعرضت لضربات في الداخل اللبناني، لكن الضربة الأعنف كانت العقوبات الأمريكية على حلفاء حزب الله، فهذا قضى على آخر أنفاس المبادرة الفرنسية".