هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
هذا العنوان مأخوذ من اسم
التقارير الاستقصائية المميزة التي يعدّها وينشرها الصحافي اللامع تامر المسحال،
وكان آخر تلك التحقيقات ذلك الذي أذاعه في 13/9/2020 ووثق فيه، من جملة أمور أخرى،
العلاقة الخطيرة ما بين المخابرات الإسرائيلية والمخابرات الإماراتية ضد المقاومة
الفلسطينية وإِحكام الحصار الخانق على أهلنا في قطاع غزة. كنت بصدد كتابة مقال أناشد
فيه ناقدي الإمارات العربية المتحدة على تطبيعها مع إسرائيل أن يكفوا عن مهاجمتها أو
تخفيف حدّة الخطاب الموجه ضدها، ذلك أن مشيخات الموز لا تملك من أمرها شيئا. وحين
شاهدت تقرير المسحال الموثق، أدركت أن الإمارات العربية المتحدة أقامت من نفسها
عدوا للشعب الفلسطيني دون مبرر، ضاربة بعرض الحائط تاريخ شيخها الجليل زايد، الذي
كان رمزا عروبيا وذا نظرة بعيدة المدى في الصراع مع الصهيونية. أن هذا التعاون
الاستخباراتي الموغل في الحقد والاستخذاء يطيح بكل جمل المراوغة من أن إقامة
علاقات سلام مع إسرائيل كانت لمصلحة فلسطين، وأول تلك المصالح أن أوقفت المعاهدة
عملية ضم الأغوار، وكأن إسرائيل قادرة على المجاملة. أو لم نكن على بيّنة من أن ما
خفي أعظم من هذا التعاون الذي دام لعقدين من الزمن ضد شعبنا الأعزل والمحاصر؟
لقد قيل الكثير من أن اتفاقية «التطبيع» بين
الإمارات وإسرائيل، هي «تحالف» بين دولتين لصد أخطار مشتركة. أن إطلاق وصف «تحالف»
لا يستقيم وواقع الحال، ذلك أن التحالف هو ضم قدرات عسكرية ومالية وتكنولوجية بين
دولتين متساويتين أو متقاربتين في القدرات والكفاءات والبنى التحتية وقدرات
القيادات على اتخاذ قرارات ممنهجة ومدروسة. فهل ينطبق الحال على إسرائيل
والإمارات، ونحن نعلم أن لا شبه بين الدولتين في أي شيء. الإمارات ليست أكثر من
صراف آلي، ولا تملك من مقومات الدولة إلا الاسم، وإسرائيل دولة مستوطنين لا حدود
لجشعها. وإذا كانت مواقف الدولتين من إيران متشابهة، فماذا ستقدم الإمارات أكثر من
قاعده للتجسس الصهيوني، مما يزيد من استهدافها من قبل القوات الإيرانية وصواريخها؟
وسيكون قادة الإمارات في غفلة من وعيهم إذا كان لديهم أي أمل في أن إسرائيل سوف
تضحي بجندي إسرائيلي واحد في سبيل الدفاع عن الإمارات. فما الذي خفي في هذه
العلاقة المشبوهة والإمارات هي أكثر دولة في التعامل التجاري مع إيران؟ !
وقبل أن يرتاح مسؤولو السلطة الفلسطينية من
قراءة هذا الكلام، لابدّ من زيادة إحباطهم، ذلك أن الحملة التي تشنها أجهزة إعلام
السلطة وهم يهاجمون عمليات التطبيع، إنما يحاولون التغطية على جريمتهم الأولى التي
دشنت عمليات التطبيع بالتوقيع على أوسلو. ويجب الاعتراف أن بعض الدول العربية قد
وقر في ذهنها أن طرفي النزاع (الإسرائيليين ـ الفلسطينيين) اللذين وقعّا اتفاقية أوسلو
هما في طريقهما إلى السلام، وبدأت في فتح مكاتب لبعثات تجاريه تمهيدا للسلام
الشامل. وحين أدركت هذه الدول خديعة أوسلو، أغلقت تلك المكاتب.
إن تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع بعض الدول
العربية، والتي يبشرنا الرئيس ترامب أنها قد تصل إلى خمس أو ست دول بما في ذلك
المملكة العربية السعودية، هي «بشائر» بدأت تتحقق. أن سماح المملكة العربية
السعودية للطيران التجاري الإسرائيلي بالمرور فوق أراضيها، هي بدايات التطبيع، ذلك
أنه من المعروف دوليا في عالم الطيران، أن أي طائرة تجارية تمر في أجواء دولة أخرى
عليها أن تدفع مبلغا من المال لقاء كل ميل أو كيلومتر تقطعه في أجواء تلك الدولة.
ورحلة طيران العال رقم (971) من تل أبيب إلى أبو ظبي تاريخ 31/8/2020، قطعت 2.110
كيلو متر، واستحق عليها بالتالي 3.000 ريال، وعلى إسرائيل دفعها إلى خزينة الدولة
السعودية. طبعا هذا ليس مبلغا ذا قيمة، إلا أنه ينطوي على «تعاملات» بين سلطات
الطيران في الدولتين، هذا فضلا عن أن دخول طيران العال إلى الأراضي السعودية يحتاج
إلى اتصالات لاسلكية بالمحطات السعودية للحصول على إذن بالدخول وإذن بالمغادرة،
ولو صدف أن أصيبت الطائرة الإسرائيلية بخلل فني يجب على السلطات السعودية أن تسمح
لها بالهبوط وإجراء الصيانة، وهذه جميعها مقدمات للتطبيع، ولا مبرر للانتظار حتى
تتم إقامة علاقات ديبلوماسية وتوقيع «اتفاقية إبراهيم» أخرى. من الواضح أن ما خفي
عظيم.
إن مشيخات الموز لا تعيش بدون المظلة
الأمريكية، وكان الرئيس ترامب صريحا عندما قال على السعودية أن تدفع مقابل هذه
الحماية. والعجيب أن الإعلام السعودي لم يرد على هذه الصفاقة. ولا زال الرئيس
ترامب يمارس الابتزاز، والعدوان السعودي ـ الإماراتي على اليمن أكبر دليل صارخ على
هذا الابتزاز لبيع السلاح، وبالتالي فإن التطبيع قادم لا محالة، وبغض النظر عن
الأعذار التي سوف تساق من قبل حارقي البخور. ولا مبرر للتذكير أن الضباط
الإسرائيليين كانوا ضيوف المملكة العربية السعودية لمعاونة قواتها في حرب اليمن ضد
القوات المصرية في ستينيات القرن الماضي. فالتطبيع قديم. وإذا حصل التطبيع الآن،
فماذا سوف تفعل القيادة الفلسطينية؟
حتى الآن لازالت القيادة الفلسطينية تكرر نفس
الخديعة الذاتية، ورأس الحكمة التي تسوقها أمام شعبها أن المآزق التي دخلت فيها إنما
وقعت لأسباب خارج نشاطها ولم تكن هي السبب فيها، بل السبب يعود إلى الأعداء
المتربصين بالقيادات التي لا يطالها الخطأ. هي معصومة من الخطأ، وبالتالي هي محصنة
ضد النقد، وأخطاء القيادات الفلسطينية تظل في منأى عن التحليل وبيان الأسباب، ذلك
أن الخطأ هو دائما في الجانب الآخر الذي هو الجانب الخفي.
لقد اجتمع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية
بحضور الرئيس محمود عباس، وهم بلا شك مجموعه من المناضلين الشرفاء والذين يحملون
سجلات مشرقة من التضحيات والصبر والمعاناة، ولا أحد يمكنه أن يتطاول على تاريخهم.
إلاّ أنه من واجبات المناضل أن يمارس النقد الذاتي، وفي العلن، وهذه من تقاليد
الثوري الحقيقي. وبدون ذلك تظل الأمور على حالها وتظل الأخطاء من صنع الغير ولا
دخل للمناضلين فيها. لقد قال الأمناء العامون كلاما جميلا وصادقا في التطبيع
والوحدة والمقاومة إلاّ أنه كلام اقرب إلى الخطابة الشعرية منها إلى طرح بدائل،
ورسم سياسات جديدة. ذلك أن أيا من هؤلاء القادة لم يعلن مثلا التنحي أو الاستقالة
بسبب فشله أو فشل تنظيمه في إنجاز أي من برنامجه السياسي. أن جميع ما نحن فيه من
مآزق تتناسل بلا توقف، وتتعقد بلا مبرر، وتزداد حياة شعبنا شقاء وتعاسة في الأراضي
المحتلة، ولا يتوقف الجشع الصهيوني عن قضم الأرض ومصادرها الطبيعية، ولا من ضوء في
نهاية هذا الليل البهيم وكلها بسبب تلك القيادات التي لم تنجح في تحرير شبر واحد.
أن الأمناء العامين، هم من هندسوا صراحة أو ضمنا اتفاقيات أوسلو والتي أعلنت
إسرائيل الآن، بموجب تشريع إسرائيلي صدر عن سلطتهم التشريعية، أن كل فلسطين هي
«ملك الشعب اليهودي» وان لا شيء اسمه فلسطين أو شعب فلسطيني. وطرح الرئيس ترامب
«صفقته» ولم تتخذ أي من القيادات الفلسطينية المجتمعة أي خطوات.
إن الذي ساق الفلسطينيين إلى بؤسهم الماثل هي
جميع القيادات الفلسطينية الحالية، وهي المسؤولة عن هذا التردي الذي جعل إسرائيل
والولايات المتحدة ينظرون إلى الفلسطينيين وكأنهم يتامى ضلوا طريقهم في يوم عاصف.
أن هذا «الولد الفارغ» (وهو الاسم الذي كان يطلقه وزير الخارجية تيلرسون على
كوشنر) أصبح خبيرا في شؤون الفلسطينيين و «ينصحهم» ويقدم «الهداية» لهم، هل يخفي
الأمناء العامون ما هو أعظم؟
من اللافت للنظر، والمثير للاستهجان، أن قادة
الفصائل لم يطرحوا إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية على نحو جدي ومؤسسي، ولم
يعلنوا عن خطة لانتخابات مجلس وطني جديد والتمهيد لفرز قيادات شابة ذات أدوات
جديدة وتطلعات جديدة. أن قادة الفصائل ـ مع الاحترام لهم جميعا- يبدو أنهم غارقون
في «اللجنة الشعبية» المشكّلة في اجتماعهم الأخير والتي يبدو أنها ستدير أعمال
المقاومة في الأراضي المحتلة. فهل سمعتم أيها الإخوة، وأنتم من خيرة المناضلين، أن
انطلقت مقاومة شعبية، بقرار من لجنة أو من قيادة؟ ولنا في تجربة بيت ساحور أثناء
الانتفاضة الأولى خير دليل. أم أن في اجتماعاتكم ما هو مخفي… والمخفي أعظمّ!!
(القدس العربي اللندنية)