مقالات مختارة

حضرت المشاركة وغابت الشراكة

عبد المجيد سويلم
1300x600
1300x600

بعد أن انفضّ الاجتماع التاريخي للأمناء العامّين، وحتى لا أبدو متسرّعا أعدتُ الاستماع إلى كل الكلمات، وحاولت أن أتجرّد من أي مواقف مسبقة، بل حاولتُ، أيضا، أن أفتّش عن أيّ وجاهة في مضمون الكلمات لكل المتحدثين، لعلّ وعسى أن أجد خطوات يُعتدّ بها نحو سياسة منتصف الطريق.
بصراحة وبعيدا عن الوجدانيات السياسية وعاطفيات "الوحدة"، وبعيدا عن كل ما هو مكرر ومكرور في تحديد الأخطار والتحدّيات، وفي رؤية الأزمات والصعوبات، وفي التأكيد وإعادة التأكيد على ضرورات المجابهة الموحّدة، وما يستلزم ذلك من التئام الجرح، وتجاوز العقبات، وخصوصا حالة الانقسام... لم أجد أن أحدا قد أخلى جزءا من مساحته ليدخل إليها أحد، أو أنه رمى جانبا بعض أحماله وأثقاله ليتمكن من الانخراط السلس، الرشيق والخفيف في الحالة المنشودة، وفي التفاعل الحيّ مع مساحات الآخرين.


الذي لا يملك الرغبة والنيّة والإرادة للذهاب طوعا إلى منتصف الطريق لا يمكنه أبدا أن يرسم خارطة لطريق بكاملها.


سأسوق بعض الأمثلة التي ربما تساعدني وتساعد القارئ على فهم الموضوع وتفهّمه إن أمكن.
لنأخذ مثالا واضحا ومحددا وملموسا؛ وهو منظمة التحرير الفلسطينية. فهل أوضحت "فتح" ـ من خلال كلمة الرئيس ـ في غياب كلمة خاصة بها، وهو أمر ليس مفهوما، ... هل أوضحت "فتح" كيفية رؤيتها كي تتحول إلى بيت واحد وموحّد لكل الفلسطينيين؟
الجواب لا.


لأن الحديث المعاد والمكرّر عن إصلاح المنظمة هو مجرد كلام ليس له أي آليات محددة ومشخّصة، وليس فيه مضامين مؤسسة على خطط ملموسة.


كما لا يوجد وضوح قاطع بأن هناك أي آليات ملموسة كي يتم الاتفاق عليها أو التوافق عليها لجهة ديمقراطية الطريق للوصول إليها.


أي حينما تدقُّ ساعة الإصلاح، وحينما "سنشرع" به، فهل سيكون ذلك بالتوافق بين الفصائل وبعض المستقلين أم أن الإصلاح سيكون في سياق انتخابي، وفي سياق مشاركة شعبية، وفي إطار إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني؟!


أما "حماس" فقد أتى تأكيدها على شرعية المنظمة ووحدانية تمثيلها في إطار "شروط"، لا تختلف ولا بخطوة واحدة عن شروطها السابقة والمعروفة بأنها لن تدخل إليها قبل أن تتم عملية الإصلاح الكاملة، وقبل أن تلبي هذه الشروط وتستجيب لرؤيتها، أي لرؤية "حماس".


"الشعبية" و"الديمقراطية" وحتى "حزب الشعب" أكدوا جميعا على المؤكّد، من بقائهم في إطارها وربط فعاليتهم فيها بشروط الإصلاح المنشود، وظلوا على نفس المواقف دون تقديم أو التقدم بخطوة واحدة لنفهم كيف ستكون المنظمة التي تمّ إصلاحها؟
هل في إطار انتخابات، أم بالتوافق؟


هل يتعلق الأمر بتمثيل الفصائل في الدوائر وحصص هذا التمثيل، أم بمهمات وموازنات؟ أهي حول الفعالية والرقابة والمحاسبة، أم حول التشابك والتداخل..؟ أم ماذا بالضبط؟


طبعا أعرف كما يعرف كثيرون مثلي أن "أطنانا" من الأوراق قد كتبت حول إصلاح المنظمة منذ مطلع الثمانينيات وحتى يومنا هذا، لكن الاجتماع التاريخي لم يقدم لنا خطوة واحدة باتجاه محدد.


لم يقل لنا الاجتماع عن العلاقة السرية والمخفية ـ على ما يبدو ـ بين إنهاء الانقسام وبين إصلاح المنظمة!


ولم نفهم ولا بكلمة واحدة حتى ولو لم يتم الاتفاق على الدخول إلى المنظمة فما هو مصير وحدة المؤسسات الوطنية؟


أو أنه من الممكن الدخول إلى المنظمة مع بقاء "الانقسام"، أو حتى مع بقاء بعض مظاهره وأشكاله.
لم يدلّنا أحد على كيف يمكن التوافق على الانتخابات، ولماذا غاب بند الانتخابات بصورة واضحة عن الكلمات؟!


الرئيس طرح البديل السياسي عن "صفقة القرن" من خلال المؤتمر الدولي، وأكد الثوابت الوطنية، واستمرار المعركة السياسية والدبلوماسية ضد الاحتلال، والمقاومة الشعبية السلمية كأسلوب في المواجهة.


فهل يوجد ما يمكن أن نجسر به بين هذه المواقف والثوابت، مع "فلسطين من البحر إلى النهر"، ومع الكفاح المسلح كما جاء في كلمات إسماعيل هنية والنخّالة؟


نظريا هذا ممكن ولكن يحتاج إلى وضوح وتحديد!


يحتاج إلى ما يسمى اللقاء عند منتصف الطريق.


لم أشعر ولم أفهم ولم أقتنع بأن هذه الخلافات والاختلافات، هي من النوع القابل للتجاوز باتجاه منتصف الطريق أم أنها شروط تمنع من التقدم ولو خطوة واحدة نحو هذا المنتصف.


بمعنى: هل أن عدم اعتماد الكفاح المسلح وتوحيد شكل النضال وتحويله إلى منهج وطني ملزم، والتأكيد على هدف النضال هو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 يمنع الوحدة داخل المنظمة، ويمنع إنهاء الانقسام، ويمنع وجود سلطة واحدة، وسلاح واحد أم لا؟
إذا كان لا يمنع، والمفترض ألا يمنع فأين يكمن حدّ منتصف الطريق، ولماذا يغيب التحديد؟

وما الذي يمنع حركة "الجهاد الإسلامي" وحركة "حماس" من تحديد وتوضيح هذا الموقف بالذات؟!


ثم الأهم هل سمع أحد منّا أن هناك نية من أي نوع كانت عن الاستعداد للذهاب إلى سلطة واحدة وسلاح واحد، وإلى قرار سياسي أو كفاحي وطني ومستقل، أم أن الموقف الحقيقي مازال هو الذهاب في أقصى الحدود إلى تفاهمات بين سلطتين؟ وما هي الشراكة الوطنية إذا كان هذا بالذات، وهذا تحديدا ليس واضحا ولا محددا وليس هناك من آليات ملموسة للوصول إليها؟


ماذا عن تجديد الشرعيات؟، وماذا عن نظام "الكوتا"؟ ثم ماذا عن دور المجتمع المدني والمنظمات الشعبية والشخصيات المستقلة؟!


أليس أكثر من خمسين بالمئة من المشاركين (من حيث العدد) هي قوى وفصائل لم تعد تعكس الثقل الجماهيري الذي يوازي دورها في الأطر الرسمية؟ في حين تحول دور الشخصيات الوطنية إلى دور (نيّال من وفّق بين رأسين بالحلال)؟! ليس القصد من كل ما تقدم أن ننعي الواقع الفلسطيني، وليس القصد أن نقلل من أهمية الاجتماع والشحنة المعنوية التي شعر بها الفلسطيني في ضوء تراكم الإحباط وخيبات الأمل، وما يحتاجه الشعب من أي بارقة أمل مهما كانت، ولكننا لا نرى أن ثمة انتقالة نوعية في مسار تجاوز هذا الواقع، والتأسيس لمرحلة باتت لا تحتاج إلى عناء كبير في تشخيص خطورتها ودقتها ومفصلية القضايا التي تستحيل مجابهتها من دون مثل هذه الانتقالة.


الذي تمّ حتى الآن هو نوع من لملمة التبعثر الفاضح، والتئام أوّلي للجرح النازف، ومحاولة الظهور أمام الناس الذين ضاقوا ذرعا بهذا الواقع وكأنهم (أي القوى والفصائل) يقدرون الأخطار، ويعملون جاهدين لمواجهتها ولو إعلاميا على الأقل.


الرئيس أبو مازن حقق من خلال هذا الاجتماع انتصارا كبيرا في قطع الطريق مؤقتا على مخططات البدائل، ومحاولات الاستقواء ببؤس الحالة الوطنية للانقضاض المتسارع على المشروع الوطني، وعلى المنظمة، وعلى السلطة، وعلى كل ما يمثل هذا المشروع، ويعمل على إبقائه حيّا وصامدا ومتماسكا.


لكن أرجوكم ملاحظة ما ختم الرئيس به خطابه: يجب أن تبدؤوا، أمناء عامّين ومساعديهم، بتشكيل هذه اللجان وهذه الفعاليات فورا، لن يكون لي أيّ تحفُّظ على أيّ لجنة أو فعالية أو شخص أو تنظيم، وأيّ قرار تأخذونه، وأنا موافق عليها من الآن.


برأيي أن هذه الخاتمة هي أهمّ مخرجات الاجتماع: الرئيس ألقى بالمسؤولية الكاملة على القوى والأحزاب، ولن يتمكن أحد من اليوم فصاعدا من تحميله أيّ مسؤولية في عدم الاتفاق.


وطبعا الرئيس حينما يفتح البيكار على الزاوية الصفرية للقرارات، فهذا معناه أننا مقدمون على مجابهة غير مسبوقة، وأن ليس في نيّته أن يجاري أحدا أو يهادن أحدا أو يجامل أحدا، وهذه رسالة بالغة الأهمية والدلالة.


وأغلب الظنّ أن الرئيس لم يكن ليفتح هذا البيكار إلاّ لأنه يستشعر أن الأميركيين والإسرائيليين يتعجّلون الحسم.. والله أعلم.

(الأيام الفلسطينية)

0
التعليقات (0)