مقالات مختارة

فيروس كورونا: آخر كابوس في غزة يحتاج تجاوبا عالميا

بيتر أوبورن
1300x600
1300x600

من النادر أن ترد أخبار سارة من غزة. إلا أن هذه البقعة الفلسطينية الصغيرة كانت خلال الشهور الستة الأولى من جائحة فيروس كورونا قصة نجاح عالمية، بمقياس واحد بالغ الأهمية.

فبينما كان الفيروس يتفشى بسرعة حول بقية العالم، كانت عزلة غزة تثبت أنها، ولأول مرة، لصالحها.

 

كان القطاع خاليا تماماً من الفيروس، وكل ما ظهر فيه من حالات معدودة كان قد أتى إليه من خارجه.

تمت السيطرة على الفيروس من خلال عملية حجر صارمة، حيث كان الأفراد يعزلون لثلاثة أسابيع وكانت تفرض على السفر قيود مشددة. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الإغلاق شيئاً جديداً على غزة.

بدا الوضع قريباً من المعجزة. ثم، في الرابع والعشرين من آب/أغسطس، جاءت اللحظة التي كانت تخشاها غزة. مرضت امرأة كانت قد سافرت من غزة إلى القدس لمرافقة طفلها الذي كان بحاجة إلى علاج لمرض في القلب. وبمجرد عودتها، ومباشرة بعد مخالطتها لأقاربها، أثبت الفحص إصابة أربعة من أفراد عائلتها في غزة أيضاً. لقد حل الفيروس على المجتمع.

بعد أقل من أسبوعين على ذلك، ما زال عدد الحالات ينمو بشكل مضطرد، ويوم الخميس وصل عدد الإصابات إلى 581، وخلال الساعات الأربع والعشرين الماضية تأكد حدوث 98 إصابة أخرى.

نظراً لعدم توفر سوى القليل من أدوات الفحص فإنه يغلب الاعتقاد بأن هذه الأرقام أقل بكثير من الواقع. توفي خمسة من الفلسطينيين في غزة حتى الآن، وثمة مخاوف حقيقية من احتمال أن يرتفع هذا العدد سريعاً.

في تصريح لموقع "ميدل إيست آي"، قال وزير الصحة السابق باسم نعيم: "ما زلنا بعيدين عن الذروة، والوضع في تدهور مستمر. وضع غزة لا مثيل له، فبسبب الكثافة السكانية يكاد العزل يكون مستحيلاً".

لربما بات فصل غزة عن إسرائيل وبقية العالم، والذي وقاها لفترة من تفشي الوباء فيها، يعمل ضدها بدلاً من أن يعمل لصالحها. يعيش في هذا القطاع ما يقرب من مليوني شخص، يحاصرهم البحر من جانب والسياج من الجانب الآخر، حتى بات وضعهم يقارن في كثير من الأحيان بمخيم الاعتقال الكبير.

أنظمة ضعيفة

بعد اكتشاف الحالات الجديدة في الأسبوع الماضي تم فرض إغلاق لمدة 48 ساعة لمنع الناس من التنقل بين مختلف المناطق داخل القطاع، إلا أنه من الصعوبة بمكان منع تفشي العدوى داخل الأحياء.

يعيش في مخيم الشاطئ، ثالث أكبر مخيم للاجئين داخل قطاع غزة، أكثر من 85 ألف نسمة، كلهم مكدسون في مساحة من الأرض تقل عن نصف كيلومتر مربع.

تأمل في هذه المعلومة. ستجد أن هذه المساحة لا تزيد تقريباً على ثلث مساحة حديقة هايد بارك في وسط لندن. تعيش كل واحدة من العائلات التي قد يصل عدد أفراد الواحدة منها إلى 12 أو أكثر مرصوصة في بيت صغير.

يقول الدكتور محمد حداد، الذي تحدث مع موقع ميدل إيست آي من داخل مخيم الشاطئ: "وصل فيروس كورونا إلى هنا. تأكدنا من وجود حوالي 20 إصابة خلال اليومين الماضيين، وكل واحد من هؤلاء خالط الكثيرين من الناس ولا يوجد ههنا برنامج فحص صارم".

حذر حداد من أن العزل الذاتي ليس خياراً متاحاً لمن يعيشون داخل المخيم. وأضاف: "يحتاج الناس للخروج لجلب الماء. ونتوقع أن يكون لدينا في الأسبوع القادم عدد كبير من الحالات، ولسوف يزداد الوضع سوءاً خلال الأسابيع والشهور القادمة".

لا يقتصر الأمر على الازدحام، حيث إنه بعد أكثر من عقد من الحصار الإسرائيلي، باتت البنية التحتية داخل قطاع غزة والاقتصاد فيه ونظامه الصحي في غاية الترهل. ولم يخف النزاع الأخير إلا يوم الاثنين مع التوقيع على اتفاق لوقت إطلاق النار.

منذ السادس من آب/ أغسطس، والقطاع يتعرض للقصف بشكل يومي تقريباً، وقطع عنه الوقود خلال تلك الفترة، وذلك رداً على البالونات الحارقة والصواريخ التي تُطلق على إسرائيل.

نقص في المعدات والأيدي العاملة

جراء ذلك، ولأسابيع، ظل قطاع غزة يعمل على تيار كهربائي لا يستمر لأكثر من أربع ساعات في اليوم. ولذا، يعتبر اتفاق وقف إطلاق النار، والذي يتضمن كما قيل السماح بإدخال دفعة قدرها 27 مليون دولار من قطر، خبراً ساراً بالنسبة للأطباء في القطاع. ومع ذلك يظل نقص الموارد مزمناً.

تقول وزارة الصحة في غزة إنه يوجد حالياً 11 سريراً لكل 100 ألف نسمة، أما في ما يتعلق بالعناية الحثيثة فإن الوضع أسوأ بكثير.

في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال الدكتور عبداللطيف الحاج، مدير عام التعاون الدولي في وزارة الصحة في غزة: "لدينا فقط 54 سرير عناية حثيثة لسكان يربو عددهم على المليونين. نحتاج على الأقل إلى مائة سرير، وهذا يعني 50 جهاز تنفس اصطناعي".

وبحسب ما يقوله الحاج فقد انقطع تماماً 47 دواءً بينما تحتاج 62 بالمائة من مواد المختبرات إلى تعويض. وتحدث كذلك عن نقص في الأيدي العاملة ونقص في معدات الوقاية الشخصية التي يحتاجها العاملون على مدار الساعة لوقايتهم من الإصابة وبالتالي تخفيف حدة الأزمة.

وأضاف: "لو أخذنا بالاعتبار جميع المرافق الموجودة في كافة أرجاء غزة، فإننا بحاجة إلى ما يقرب من 900 ألف كمامة جراحية. نحتاج في كل يوم إلى ما يقرب من 700 وحدة من معدات الوقاية الشخصية – مراييل، نظارات، أحذية. يبلغ عدد المصابين حالياً من بين العاملين في القطاع الصحي 69 شخصاً".

الحاجة ماسة للتعاون

أكد جوردان مورغان، الذي يعمل في منظمة فورواد ثينكينغ المتخصصة في حل النزاعات على أهمية التعاون العاجل بين الفلسطينيين والإسرائيليين والمنظمات الدولية، وقال إنه لا ينبغي السماح للعقبات السياسية بأن تقف حجر عثرة.

وقال في تصريح لموقع ميدل إيست آي: "واجهت غزة الكثير من التحديات على مدى أربعة عشر عاماً مضت من الحصار. ولكن ربما كان الظرف الحالي أكبر مهدد للحياة منذ زمن طويل. ولذلك فإن الأزمة الحالية تستدعي تعاوناً عاجلاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين والفاعلين الإقليميين والدوليين. لا يجوز أن تترك الاعتبارات السياسية لتشكل عقبة في طريق المساعدة الإنسانية المطلوبة وبشكل مستعجل".

ما الذي ينتظر غزة في المستقبل؟ يستحيل التنبؤ بذلك، إلا أن ما هو مؤكد أننا أمام حالة طوارئ دولية. يتزايد عدد حالات كوفيد-19 في غزة بشكل مضطرد، بنفس الطريقة التي رأيناها في أوروبا في الربيع الماضي. ولذلك فالحاجة ملحة للمساعدة الطبية قبل فوات الأوان.

 

منقول عن موقع (ميدل إيست آي)

0
التعليقات (0)