هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد أزمة سد النهضة
الإثيوبي منعطفا جديدا مع كل لحظة؛ تملأها التناقضات، وكم هائل من المناورات
والخداع، الذي أتقنته الدولة الإثيوبية؛ الثابت الوحيد لديها هو الجهد الخارق في
الاعتماد على سياسة كسب الوقت، وآخرها ما صدر عن وزير المياه والري والطاقة، فنجده
بعد يومين من فشل المفاوضات، التي لم تُفْضِ لاتفاق أو تُحرك أزمة تفاقمت وطالت،
فيتراجع ويعتذر عن تصريحه حول بدء تخزين المياه خلف السد، حسب وكالات الأنباء يوم
الأربعاء الماضي (15/ 07/ 2020)، وكانت الأقمار الصناعية لوكالة الفضاء الأوروبية
قد رصدت بدء التعبئة الفعلية في التاسع من شهر تموز- يوليو الجاري، وبثته وكالة
«أسوشيتد برس» الثلاثاء الماضي (14/ 07/ 2020). واعتذرت هيئة البث الإثيوبية
الوطنية (الحكومية) في بيان لها عن خطأ ارتكبته في تفسير تصريحات وزير الري
والمياه والطاقة، وأرجعت ذلك لسوء تفسير خطأ غير متعمد.
وجاءت الرواية السودانية مغايرة، وأشارت لتجمع
الأمطار، وذكر بيان وزارة الري السودانية في نفس يوم الأربعاء الماضي، إنها تَحَرت
المعلومات وصور الأقمار الصناعية عن بدء ملء السد، واتضح منها بقياس تدفق المياه
في «محطة الديم» الحدودية مع إثيوبيا وجود تراجع في مستويات المياه؛ بما يعادل 90
مليون متر مكعب يوميا، وذلك أكد إغلاق بوابات السد؛ في إشارة واضحة عن بدء أولى
خطوات الملء، وفي الوقت نفسه جددت الخرطوم «رفضها لأية إجراءات أحادية الجانب؛
تُتَّخذ من أي طرف؛ خصوصا مع استمرار جهود الاتحاد الأفريقي للتوصل إلى توافق»..
وأوضحت أن «الحكومة السودانية تتابع هذه التطورات بما يؤمن المصالح القومية
السودانية».
والموقف الرسمي المصري يمكن تلخيصه في طلب
التوضيح العاجل من إثيوبيا، والتأكيد على مواصلة متابعة تطورات ما يتم إثارته في
الإعلام حول الموضوع. وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أعلنت في بيان نفس يوم
الأربعاء، أن مصر طلبت إيضاحا رسميا عاجلا من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة
أخبار ملء السد.
ويبدو أن الاتحاد الأفريقي اتخذ موقف انتظار
ما تسفر عنه «مفاوضات كسب الوقت» المُتَّبعة من أديس أبابا، ولم يعلن أي نتائج يكون
قد تم التوصل إليها بعد جولة المفاوضات الأخيرة بين الدول الثلاث؛ برعاية الاتحاد،
واستمرت 11 يوما؛ من 3 إلى 13 تموز- يوليو الجاري دون الوصول لاتفاق، وعول عليها
السفير الألماني في الأمم المتحدة، كريستوف هويسجن، الذي تترأس بلاده مجلس الأمن
لهذا الشهر (2020)؛ عَوّل على جهود الاتحاد الأفريقي المبذولة، من أجل الخروج
بنتائج عملية!!.
واكتفى «ستيفان دوجاريك»، المتحدث باسم الأمين
العام للأمم المتحدة بالقول إن «الأمين العام يتابع التطورات الجارية بشأن السد»..
ويرى «من المهم لقادة مصر وإثيوبيا والسودان، الاستمرار في اغتنام الفرص المتبقية
لحل خلافاتهم، والتوصل لاتفاق متبادل المنفعة لجميع شعوبهم الذين يعتمدون على مياه
النيل».. وأعلن عن استعداد مجلس الأمن للنظر مجددا في ملف الخلاف بين مصر وأثيوبيا
والسودان «حال طلب أعضاء إثارة الموضوع.
ما سبق ذكره تم على صعيد أطراف ذات علاقة
مباشرة بالأزمة، وأثيرت على صعيد آخر قضايا بشأن تمويل السد، واتهام موجه لستة
مصارف مصرية بالضلوع في التمويل، وأحدث ذلك ردود فعل متباينة بين المراقبين ورواد
«التواصل الإلكتروني»، وأضحى محل جدل في أوساط صحافية وإعلامية وسياسية ومالية؛
مصرية وغير مصرية، وليس الهدف من الإشارة لهذا الجدل تبرئة ساحة هذا أو إدانة ذاك،
خاصة بعد أن كشف مقالنا الماضي عن «صُناع الأزمة»، ووضع الإصبع على الورطة الناجمة
عن «اتفاق المبادئ»؛ الموقع من حكومات إثيوبيا والسودان ومصر، واقترحنا حلا لذلك،
على الرغم مما تقوم به حكومة إثيوبيا وإشهار الاتفاق كسلاح؛ لابتزاز دولتي المصب،
السودان ومصر، ووسيلة لمصادرة مياه النيل الأزرق لحسابها، والمُقَدَّرة بستين
مليار متر مكعب في المتوسط سنويا، وهي لا تفي بحصتي السودان ومصر، وكانتا تستكملان
من مياه النيل الأبيض..
من ناحية أخرى تعرض كتاب َ«سد النهضة وسد
النيل» لهايدي فاروق؛ الخبيرة في الحدود والسيادة الدولية والثروات العابرة
للحدود، ومدحت القاضي الدبلوماسي السابق؛ تعرض الكتاب إلى مصادر تمويل السد، وأشار
إلى إن إثيوبيا أصدرت أسهما لتمويل بناء السد؛ بفوائد عالية؛ 36 في المئة، وهي
فائدة لم نسمع عنها إلا استثناء زمن عوائد شركات توظيف الأموال، وأثارت جدلا
واسعا، وقد يكون سببا في رفض «المصرف الدولي للإنشاء والتعمير» لتمويل المشروع،
وعليه فتحت السفارات الإثيوبية في أوروبا وأمريكا والدول العربية والأفريقية
حسابات مصرفية، للتعامل مع أسهم التمويل؛ ذات العائد المرتفع، وأشار الكتاب إلى
ستة بنوك مصرية ساهمت في ذلك التمويل، وهي: بنك الإسكندرية.. البنك العربي.. البنك
العربي الدولي.. بنك القاهرة.. سيتي بنك.. البنك التجاري الدولي، وذكر الكتاب
المصدر الذي استقى منه هذه المعلومات، وهو «بنك إثيوبيا التجاري»(!!).
ويبدو أن من حررا الكتاب لم يدققا المعلومات
الواردة فيه، ولو تم ذلك لتبينا أن مصر عانت في فترة سابقة من وطأة ما يُعرف
بـ«العصر الذهبي للنهب»، وأشارت إليه دراسات أكاديمية بـ«عصر النهب الثاني»؛ بعد
عصر النهب الأول بداية بالخديوي سعيد، فالخديوي إسماعيل، وفي عصره وُضِعت مالية
مصر تحت الرقابة الفرنسية البريطانية وإشراف «صندوق الدين»، وصولا لاستدعاء
الخديوي توفيق للقوات البريطانية التي احتلت مصر من 1882 حتى 1956، وتعيش مصر الآن
حقبة «ما بعد النهب الثاني»، ومن سماتها تبديد الثروات والأصول العامة على مختلف
المستويات.
وأول البنوك الستة المتهمة «بنك الإسكندرية»،
ونشأ عام 1957 مصريا وانتهى في 2006 إيطاليا؛ بفضل «شياطين الخصخصة»؛ الذين
استكثروا على مصر ملكية مصرف كبير وناجح، وتم انتزاعه من القطاع العام في 17/ 10/
2006 لحساب مجموعة سان باولو إنتيزا الإيطالية، وتكونت من اندماج بنك إنتيزا، وسان
باولو إيمي. واستحوذت على حصة حاكمة بنسبة 80٪؛ ولم يعد بنك الإسكندرية مصرفا
مصريا؛ بعد «تخارج الدولة من رأسمال البنوك». ومصر لا تملك فيه ما يمكنها من
إدارته، واعتبرها «شياطين الخصخصة» صفقة ناجحة، والأفضل على مستوى الخصخصة المصرية(!!).
ونتابع حاليا إحياء «صندوق الدين» في القرن 19
في صيغة برنامج اقتصادي يديره «المشير السيسي»، ويطبق شروط «صندوق النقد الدولي»،
الذي وضع يده على مالية مصر واقتصادها، ومهمة ذلك البرنامج طرح الشركات العامة
وأصول الدولة والمجتمع في البورصة، ونقلها لحيتان المال المصريين والأجانب، بدعوى
«إعطاء الفرصة لمشاركة المساهمين في الإدارة والتخلي عن النظام اﻻشتراكي(!!)،
والاقتداء بالمملكة العربية السعودية، وخطتها لخصخصة «أرامكو«، كواحدة من أكبر
شركات النفط العالمية، وطرح أسهمها في «البورصة السعودية».
وأما طارق عامر، محافظ البنك المركزي؛ الوريث
غير الشرعي ليوسف بطرس غالي أفسد وزير أنجبته مصر؛ أعلن عامر منذ العام الماضي طرح
البنوك المملوكة للدولة، والتي تسهم فيها بنسبة في رأس المال في البورصة، ومنها
بنوك وردت في الكتاب وهي؛ البنك العربي، ومؤسسه عبد الحميد شومان أردني الجنسية وفلسطيني
المولد، ولا يعد مصرفا مصريا.. وملكية البنك العربي الدولي موزعة بين مصر بنسبة
30.01 في المئة، وليبيا بنسبة 30.01٪، وجهاز أبو ظبي للاستثمار بنسبة 25.01٪
وتساهم كل من قطَر وُعمان بنسبة04.98٪ لكل منهما وشركة إنترناشيونال كابيتال
تريدنغ بنسبة 05.03٪.. وبنك القاهرة ما زال مملوكا للدولة، وشبه مجمد ويواجه مشاكل
لا حصر لها، وموضوع برسم الخصخصة من سنوات طويلة، ويعاني شللا وينتظر رصاصة
الرحمة.. وسيتي بنك أمريكي وليس مصريا.. والبنك التجاري الدولي مملوك لرجال
الأعمال وليس به أي نسبة مملوكة للدولة المصرية.
أما بنك القاهرة فمصيره مؤجل بسبب جائحة
كورونا، ومن المقرر أن تبدأ خصخصته بعدها بنسبة 20٪، والبنك العربي الإفريقي
الدولي برسم الخصخصة بنسبة 40٪، والمصرف المتحد المملوك للبنك المركزي، سيقدم على
طبق من ذهب سلم لـ«مستثمر إستراتيجي» عربي؛ ومعناها في قاموس المال المصري حوت
كبير قادر على افتراس كل شيء، ومن السلالة السعودية والخليجية، والمصرف المتحد
مملوك للبنك المركزي، وتم إدماجه مع 3 بنوك هي: المصرف الإسلامي للاستثمار
والتنمية، والبنك المصري المتحد، وبنك النيل، وحمل اسم المصرف المتحد، منذ عام
2006، والدولة المصرية لا تملك فيه شيئا، والحجة تفعيل «الإصلاح المصرفي» وهو
«خراب مستعجل» استفحل من 2003، وتم الاحتفاظ بعدد محدود من البنوك ذرا للرماد في
العيون، وتجنبا للخسائر، وتقليلا من المخاطر، وهذه أمة تبحث عن من ينصفها، فهل
تجده؟
(القدس العربي اللندنية)