مقالات مختارة

واجهوا حزب الله أو موتوا جوعا!

حسين لقرع
1300x600
1300x600

الأخبار الواردة هذه الأيام من لبنان الشقيق مخيفة ومقلقة: أمريكا تمارس حصارا اقتصاديا جهنّميا على البلد، وتتسبّب في انهيار عملته المحلية، حتى أصبح الدولارُ الواحد يساوي 9 آلاف ليرة في السوق الموازية، مقابل 1561 ليرة فقط في السوق الرسمية، وجهاتٌ داخلية وعربية تساهم في تنفيذ المخطّط الأمريكي، الرامي إلى دفع اللبنانيين إلى الثورة على حزب الله، وإسقاطه من الحكومة ونزع سلاحه.

نتائج الأسابيع الأولى لهذا الحصار مأساوية جدا: أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة وغير مسبوقة، يترجمها إفلاسُ آلاف الشركات، وانقطاعٌ منتظم للتيار الكهربائي، وطوابير طويلة أمام المخابز، وارتفاعٌ فلكيّ للأسعار إلى درجة عجزِ الكثيرين عن شراء الطعام لأطفالهم، ما دفع بعضهم إلى البحث عنه في أكياس القمامة، في حين فضّل 4 أرباب عائلات وضع حدّ لحياتهم، وكم كان مؤثّرا ما كتبه أحدُهم قبل انتحاره “الجوع كافر”.
هذا الحصارُ الأمريكي الجهنّمي يضع اللبنانيين أمام خيارين عسيرين جدا؛ إمّا الاستجابة للضغوط الأمريكية والنزول إلى الشارع لمطالبة حزب الله بالرحيل من الحكومة، ومطالبة الدولة بتجريده من سلاحه، مع ما يعنيه ذلك من إمكانية حدوث انزلاقات خطيرة، قد تقود إلى حربٍ أهلية جديدة.. أو تكبّد مزيدٍ من الجوع والفقر والمعاناة، مع إمكانية انهيار لبنان اقتصاديا، وتحوّله إلى دولة فاشلة جديدة في المنطقة.
في 12 جويلية 2006، شنّ الجيش الصهيوني حربا واسعة على لبنان دامت 33 يوما، بهدف تجريد حزب الله من سلاحه، لكنّ الحرب انتهت بهزيمة جيش الاحتلال، وصرّح بعض قادة العدوّ حينها أنّ “أقوى جيوش العالم لن تقدر على نزع سلاح حزب الله”، لكنّ الولايات المتحدة اليوم اهتدت إلى طريقةٍ أخرى لتحقيق هذا الهدف، وهي أن تدفع اللبنانيين أنفسهم إلى مواجهة الحزب نيابة عن الجيش الصهيوني، وهي تستعمل في ذلك سلاح الحصار الاقتصادي والجوع، لدفعهم دفعا إلى هذه المواجهة، ومنذ أيّام زار وفدٌ أمريكيّ عسكري رفيع بيروت، وخاطب اللبنانيين قائلاً: “ستكونون بخير إذا تحرّرتم من حزب الله”، وهي عبارة لها أكثر من دلالة.
إن تجويع شعبٍ بأكمله لإجباره على مواجهة أحدِ مكوِّناته، وتجريده من سلاحه، هو أمرٌ غير أخلاقي بالمرّة، لأنه يريد الزجّ بهذا الشعب في أتون حربٍ أهلية طاحنة، لتحصد أمريكا والكيان الصهيوني نتيجتها في خاتمة المطاف، وهو بمثابة عقابٍ جماعيّ غير مبرَّر للشعب اللبناني، تماما مثلما يعدّ “قانون قيصر” عقابا جماعيا للشعب السوري، وتجويعاً له وليس لنظام بشّار، والأمر نفسه ينطبق على حصار إيران، الذي يدفع ثمنَه الشعب بالدرجة الأولى، ثمّ إنّ هذا الأسلوب الجهنّمي وغير الأخلاقي في معاقبة الشعوب جماعيا لا يُجدي دائما، وأمامنا أمثلة عديدة، ومنها كوبا وفنزويلا وإيران، وحتى غزة التي يتعرّض سكّانها لحصار صهيوني جائر منذ 2006 إلى الآن، لدفعهم إلى الثورة على حكم حماس وإسقاطه، وإنهاء المقاومة بأنفسهم، فلم يزدهم ذلك إلا تشبّثا بالمقاومة، برغم كلّ ما كابدوه من جوع وحروب ومحن.
أخيرا ننصح بعض اللبنانيين الذين يساهمون في الحصار الأمريكي للشعب اللبناني بدافع طائفيّ بحت: احذروا.. أمريكا لا تريد لكم الخير جميعا، وهي تريد إجباركم على خوض حرب أهلية ضدّ حزب الله، أملا بأن تحققوا لربيبتها المدلّلة ما عجزت عنه في حرب 2006، وسيدفع لبنان ثمن ذلك باهظا جدا؛ فإذا نجا من ويلات الحرب الأهلية الأولى (1975-1990)، فقد لا ينجو من الحرب الثانية، التي تريد أمريكا إدخالكم فيها لتحقيق أجندتها، وقد يتحوّل إلى دولةٍ فاشلة أخرى في الوطن العربي، كما حدث للصومال وسوريا واليمن والعراق وليبيا.. فاحذروا.

 

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)