مقالات مختارة

أهمية سحب التوقيع على اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة!

محمد عبد الحكم دياب
1300x600
1300x600

في تعليق على رسالة وصلت إلي من عالم وأستاذ جامعي؛ صاحب باع طويل في العمل الوطني؛ شارك في تأسيس «مجموعة العمل من أجل استقلال الجامعات» عام 2003؛ المعروفة باسم «حركة 09 مارس»، ومن مؤسسي الحركة المصرية من أجل التغيير «كفاية»، ودورها معروف في الحراك الوطني، وتحريره من الخوف، وأول من أخذ بيد المجموعة المُؤسِّسة لحركة «تمرد»، ووقف معها حتى اشتد عودها، وتركها لمؤسسيها الشباب، وأول من نصب خيمة وحيدة في الميدان، وعندما سألته؛ هل يكفي أن تكون وحدك؟ أجاب مبتسما؛ إنها محاولة لـ«خلق حالة»، واندلعت «ثورة يناير»، فصارت الخيمة مخيمات، وتحول الفرد إلى موجات بشرية هادرة لا تحدها عين، وجاءت زحفا من كل فج عميق، وهذه الرسالة تستمد قيمتها من كاتبها، الذي يعي معنى التاريخ، ويستشرف المستقبل، ويمشي في ركابه.


حملت الرسالة سؤالا موجها إليَّ تحديدا، ووُصف بسؤال شخصي، واستدرك؛ «وهو في الوقت نفسه عام، وإن كان حبيس الصدور»، وأشار إلى محاولته الإجابة، ولم يستطع، وأرجع ذلك لنقص في البعد التاريخي والخبرة، وتصورهما عنصرين توفرا لدي، ولن أناقش مدى سلامة أو خطأ حكمه، فالأهم هو ما تحويه الرسالة، وجاء وصف السؤال الوارد فيها «بالمر والمخيف، ويقول: لأول مرة أستشعر الخوف في طرح شيء، وإن كان سؤالا»، وخوفي ليس جبنا، وإنما خوف من قضاء الله؛ «كمن له مريض يحتضر وهو يعلم أن موته قد حان، ويخشى مواجهة نفسه بهذا المصير».


والسؤال هو؛ ماذا لو تعنتت إثيوبيا وملأت خزان سد النهضة هذا العام؟ كيف تتصرف الحكومة، وكيف يتصرف الشعب؟، ويعرف أن الإجابة طويلة وتحتاج لجهد وخلفية تاريخية، وتَعَرُّض لوضع آنِي واستشراف مستقبل لا يعلمه إلا الله.. واسترسل: «الإجابة أنت أهل لها وهي فرض عين؛ قد لا تكون إجابة قاطعة، لكن مجرد مناقشة الوضع في ضوء مستجداته، وعرض المعطيات وطرح البدائل، وكيفية الإدارة؛ أراها مهمة وواجبة؛ كبصيص ضوء في نفق مظلم؛ يعطي الأمل في الخروج من النفق للفضاء، وإنا لمنظرون»؛ ذلك لب الرسالة وضعته بنصه كي لا أحيد عن الطريق المرسوم فيها.


والحوار حول الرسالة يفتح أبوابا يتحسس منها غالبية أصحاب الرأي وحملة القلم؛ تجنبا لتبعات، قد تكون فوق طاقة التحمل، ومن المهم أن يكون حوارا مستوفٍيا لشروطه، فالمتاح هو «مونولوج» من طرف واحد، ولأبدأ هذا «المونولوج» بسؤال؛ إذا ما اتفقنا أنكون قد دخلنا الباب الصحيح؛ المتعلق بصناع أزمة سد النهضة؟ وأراح المعنيون أنفسهم بإلصاق المسؤولية على ثورة يناير 2011، وذلك هروب واضح من أغلب من يشيعون هذا، وهم يعلمون من المسؤول، وثورة يناير بريئة «براءة الذئب من دم ابن يعقوب»، والثورة الموؤودة انطلقت وهي تحمل على عاتقها وطأة خطرين يتربصان بها وبالبلاد؛ أولهما: الخطر الصهيوني، واختراقاته لقطاعات المال والاقتصاد والسياسة والأعمال، ورأس حربته سفارة تل أبيب على الضفة الغربية للنيل؛ بما يحمل موقعها من دلالات «توراتية»، وتوجه الثوار صوبها وتمكنوا من طرد طواقمها وإغلاقها، ولو قُيِّض لحكم وطني أن يتولى زمام الحكم لكانت فرصته التاريخية مواتية، ولأزاح ذلك الكابوس من على الصدور، ولكان نموذجا يحتذى في مواجهة الاختراقات الصهيونية، ولم تكن الأحوال قد وصلت إلى ما وصلت إليه.


والخطر الثاني هو ما يتهدد موارد مصر المائية، وانكشاف مخططات أعالي النيل، وتَعَرُّض حوض النيل الأزرق للمصادرة من طرف إثيوبيا، وهو الرافد المغذي للمجرى الرئيسي في دولتي المصب؛ السودان ومصر، بموارد مائية تصل إلى 85٪، ونهر النيل نهر دولي؛ تحكمه اتفاقيات ومعاهدات دولية تحدد أنصبة وحصص الدول المتشاطئة، وآخرها اتفاقية 1959، مع بدء بناء السد العالي، وتنبهت ثورة يناير مبكرا لذلك الخطر وشكلت وفدا شعبيا؛ سافر إلى أديس أبابا، ونقل رسالة إلى المسؤولين الإثيوبيين عن الروح التي يجب أن تسود بين دول حوض النيل، وكانت جهودا جادة فأضحت محل تندر وسخرية.
ماذا لو تعنتت إثيوبيا وملأت خزان سد النهضة هذا العام؟ كيف تتصرف الحكومة، وكيف يتصرف الشعب؟


والجهود الصهيونية والإثيوبية؛ المعلنة وغير المعلنة؛ افتعلت الأزمة، وحين البحث عن الجهود المصرية نجدها منقسمة؛ إلى شق وطني ملاحق ومحاصر؛ عبرت عنه جماهير ثورة يناير الموؤودة، وشق رسمي من قلة متمكنة ومهيمنة من الثورة المضادة؛ أحيت تراثا باليا سابقا على عام 2011، واستمرت بالحبال مُقَطَّعة بالقارة السمراء، وأضعفت المجتمع بـ«شيطنة» الثورة وملاحقة الثوار، وغطت على الأدوار المخفية مع ما كان يُعرف بـ«اللهو الخفي»، واختارت داعميها ومؤيديها من بين الصهاينة الجد من عرب وعجم،، ونهج التفاوض من أجل التفاوض لزوم المراوغة والتسويف، وهو أسلوب معروف في الدبلوماسية الغربية الاستعمارية والدبلوماسية الصهيونية الاستيطانية، وتنتهي دائما بالتنازل تلو التنازل، وإنكار الحقوق الثابتة، والتغطية عليها باختزال أزمة سد النهضة على سبيل المثال في الخلاف على عدد سنوات تعبئة خزان السد بين ثلاث أو سبع سنوات!!


وعام 2015 الذي شهد توقيع «اتفاق المبادئ» في آذار/مارس؛ هو عام عودة السفارة الصهيونية إلى القاهرة نفسه، وفي تاريخ إغلاقها نفسه، (09/ 09/ 2015)، بعد مرور أربع سنوات على ذلك الإغلاق. ومن المؤكد أن اتفاق المبادئ كان وما زال ورطة أقرت بالأحقية المطلقة وغير المشروعة لإثيوبيا في مصادرة مياه النيل الأزرق؛ دون مراعاة حقوق السودان ومصر، وهو رافد رئيسي لنهر النيل، واتخذت إثيوبيا من اتفاق المبادئ تكأة في تجاوز المعاهدات والاتفاقيات الدولية؛ ذات العلاقة بالنيل وروافده كنهر دولي. واللافت في صحيفة «الوفد» المصرية عدد 07/ 07/ 2020؛ أنها ألقت بقنبلة عن المجهود الرسمي المصري في صناعة «أزمة سد النهضة» بحذر، وبدت قنبلة كاتمة للصوت، جاءت في نص لم يراجع؛ مليء بالأخطاء، تركناه كما هو للمعلومات التي ذكرها المحرر رزق الطرابيشي عن مبرر التوقيع على الاتفاق، والسماح لإثيوبيا ببناء سد النهضة ونصه كالتالي: «إن مصر تنتهج سياسة الأشقاء وسياسة الحضن الإفريقي الدافئ، بدون الإضرار بأحد، وتطرق (السيسي) بكل ثقة في بداية المشكلة إلى إنشاء السد بهدف تنمية إثيوبيا بدون الإضرار بمصر، وذلك يعنى أن نواياه كانت سليمة، بدون الحجر على حقوق دولة افريقية مهما كان اسمها، ولكن إذا فهمت إثيوبيا تلك الموافقة المبدئية باعتبارها استسلاما لأمر واقع، فهي خاطئة، وعليها تحمل النتائج لما تحمله من نوايا قد تسبب لهم الكثير من المشاكل.. وللعلم مصر تعلم جيداً نوايا الدول التي تقف خلف بناء السد وتسانده بكل قوة، خاصة (إسرائيل)، وتعلم جيداً أيضاً نوايا الدول التي مولت السد الإثيوبي وأغراضها، ومصر قادرة على تحطيم هذا الحلم الصهيوني بالمفاوضات(!!) واتخاذ المسالك الشرعية في مجلس الأمن وغيره(!!)، حتى تستنفد جميع القنوات الدولية الشرعية، ولا يلومُن بعد ذلك إلا أنفسهم لأنهم استمدوا قوتهم من الدول المساندة خلف الستار(!!). ولا يعلمون أن الصقور المصرية ترصد كل صغيرة وكبيرة في هذا الملف، الذي لن يعوق الرئيس عن السير قدماً في تنمية مصر وافتتاح المشروعات الواحد تلو الآخر». وأرجو من القارئ المعذرة لكثرة علامات التعجب بين الأقواس لضرورتها كمصدر يقر بالورطة في صحيفة؛ أقرب إلى الموالاة منها إلى المعارضة. وأثبتت أن الرئاسة بتوقيعها أكملت الضلع الثالث (الناقص) في مثلث صناعة أزمة سد النهضة.


وإلى الجزء الأخير من الحوار عن المعطيات والبدائل، وكيفية الإدارة؛ يمكن القول هل يمكن تناول ذلك مع وجود ورطة بهذا الحجم، ولن نتطرق لكل ذلك قبل البحث عن مخرج يخفف من عبئها، والمخرج نراه على النحو التالي: 1) الاعتراف بالورطة. 2) إلغاء الوثيقة (اتفاق المبادئ) واعتبارها هي والعدم سواء. 3) إسقاط مشروعية البيان كوثيقة معتمدة وسحب التوقيع الرئاسي منها، ويا حبذا لو سحب السودان توقيعه. 4) الاعتذار عن هذه الورطة التي وقع فيها الشعب والدولة. 5) إخطار الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بمذكرة شارحة لكل الملابسات، ويعدها فريق متمكن من علماء السياسة وفقهاء القانون وخبراء العلاقات الدولية. وهل من الممكن اتخاذ هذه الإجراءات؟ والرد أن ذلك مرهون بالتحلي بفضيلة الانتصار على النفس، ومعها يصبح هذا ممكنا!

 

(القدس العربي اللندنية)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل