هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
إذا نفّذت مصر تهديدها بغزو ليبيا، فإنّ ذلك قد يُدخِل المنطقة في مرحلةٍ بالغة الخطورة، قد تتحوّل فيها الحربُ بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة في ليبيا، إلى حرب مباشرة بين مصر وتركيا على الأقل، إن لم تتوسّع إلى دول أخرى.
التهديد المصري المفاجئ، هو بمثابة إنذارٍ واضح لحكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، لدفعها إلى التراجع عن اقتحام سرت والجفرة والشرق الليبي، والتخلي عن محاولة حسم النزاع مع الانقلابي حفتر بالقوة، والعودة إلى طاولة المفاوضات من جديد؛ أي إنّ مصر تريد إنقاذ رأس حليفها المهزوم، وفرضه في معادلة الحلّ السلمي الذي تضغط الأممُ المتّحدة ودولٌ عديدة في الآونة الأخيرة لتحقيقه، وقد تغزو الشرقَ الليبي لمنع ميليشياته من الانهيار، ثم تقويتها بتجنيد المزيد من المتمرّدين في صفوفها، وتسليحهم، وتدريبهم، ومنعِ حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على كامل الأراضي الليبية، ومن ثمّة فرض الأمر الواقع عليها، وعلى تركيا أيضاً، وإجبارهما على القبول بتسوية، يكون حفتر فاعلا أساسيا فيها.
الغزوُ المصري المرتقب يحمل مخاطر كبرى، وفي مقدّمتها الغرق في المستنقع الليبي، والاصطدام بقوات الوفاق التي قد تلجأ إلى حرب عصابات لاستنزاف الجيش المصري، وتكرار ما حدث له في عهد عبد الناصر باليمن في الستينيات، والذي كان سببا رئيسا في هزيمة أخرى في حرب 5 جوان 1967، إلا أنّ الخطر الأكبر هو إمكانية استدراج الجيشين المصري والتركي إلى حربٍ يُدمَّران فيها معاً، ولعلّ الجميع يتذكّر كيف استدرِج الجيشُ العراقي في عهد صدام لغزو الكويت، لتحطيمه وحلّه لاحقاً، ثم الجيشُ السوري إلى قمع الانتفاضة الشعبية السلمية للدفع إلى عسْكَرتها، ومن ثمّة إنهاكه وتقويض قدراته. لذلك نحذّر مصر من الانسياق وراء التحريض السافر الذي يمارسه الإعلامُ الإماراتي وغيرُه، لإغرائه بغزو ليبيا، فأيّ حربٍ بين الجيشين القويين في المنطقة قد تدمّرهما معاً، ولا تخدم في النهاية سوى الكيان الصهيوني.
وحتى إذا تفادى البَلدان الوقوع في حربٍ مدمِّرة لجيشيهما، وقبلت تركيا – على مضض – بوجودٍ مصري محدود في الشرق الليبي، فإنّ حؤول مصر دون عودة شرق ليبيا إلى حضن الدولة، يضاعف خطر انقسامها إلى دولتين؛ الغرب لحكومة الوفاق، والشرق للانقلابي حفتر، إن لم تقُم دولة ثالثة بالجنوب، وسينسف ذلك كلَّ الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد تسويةٍ سلمية للأزمة، والإبقاء على ليبيا موحّدةً.
لذلك نعتقد أنّ الغزو المصري لليبيا لمنع حكومة الوفاق من بسط سيادتها على أراضيها ستكون له تداعياتٌ وخيمة. ونأمل أن تتراجع مصر عن هذا القرار الخطير، وتستمع إلى أصوات الحكمة والعقل التي ترتفع في المنطقة، بدل الانسياق وراء حملة التحريض الرخيصة التي يقودها إعلامُ دولٍ مسانِدة للانقلابي حفتر، آلمتها هزائمُه المُذلّة، فباتت ترى الخلاص في الغزو المصري المباشر لبلدٍ عربيّ لم يسئ إليها يوماً، ولم يهدّد أمنها وحدودها، عكس ما يدّعي السيسي.
ونودّ أن نقول أخيرا إنّ موقف الجامعة العربية المنحاز كليا إلى مصر، يثبت مدى انحدارها وتحوُّلها إلى مجرّد ذيلٍ لوزارة الخارجية المصرية، وأداة في يدها لشرْعنة قراراتها. وهو ما يطرح أسئلة عن جدوى بقاء الدّول الرافضة لانحرافاتها، فيها، ودفع اشتراكاتٍ من أموال شعوبها لهذه “الجامعة” المنحازة المفرِّقة لصفوف العرب، بدل أن تعمل على جمع شملهم وإصلاح ذات بينهم.
(الشروق الجزائرية)